في محاولة لتقييم المشهد السياسي القائم الذي تميز بتوافق بين الاسلاميين والذين تمثلهم حركة النهضة والحزب الحاكم الذي يتمثل في حزب نداء تونس قدم مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ندوة لتقييم العلاقة بين الدولة والإسلاميين منذ فترة بورقيبة حتى فترة الرئيس الباجي قايد السبسي يوم الثلاثاء 09 فيفري 2016 بنزل الشيراتون. وقد أثث هذا اللقاء ثلة من السياسيين، وممثلين عن مختلف الأحزاب وإعلاميين ونشطاء من المجتمع المدني مع ممثلين عن سلطة القرار على غرار السادة: خالد شوكات الناطق الرسمي باسم الحكومة والممثل عن حزب نداء تونس، والسيد لطفي زيتون ممثلا عن حزب حركة النهضة والسيد أحمد ونيس السفير السابق لتونس وأحد أبرز أعضاء الحزب الدستوري والاعلامي مدير مكتب الجزيرة في تونس السيد لطفي حجي والقيادي بحركة النهضة وعضو مجلس نواب الشعب السيد العجمي وريمي. افتتح رئيس المركز السيد رضوان المصمودي الندوة بالتأكيد على أهمية الموضوع المطروح كما نبه إلى أن التركيز على شخصي بورقيبة والباجي قايد السبسي في العنوان ليس اختزالا للموضوع في شخص واحد. واعتبر أن العلاقة بين الدولة والإسلاميين ل40 سنة تميزت بالصراع حيث أن الاسلاميين نشؤوا في رحم الصراع مع الدولة، الأمر الذي تغير بعد الثورة. وقد أشاد الدكتور المصمودي بالدور الذي لعبه الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي في هذا الإطار من خلال اعترافه بسلمية حركة النهضة منذ سنة 2011. كما أشار رئيس المركز إلى أن الاستثناء التونسي ونجاح الثورة يكمن في التصالح بين الدولة والاسلاميين الأمر الذي يعتبر عملية حضارية شاملة وليست مجرد تكتيك سياسي. وهنا ذكر الدكتور بدور مركز دراسة الإسلام والديمقراطية قبل وبعد الثورة في تجسيم هذا المشروع وفي التنبيه بضرورة تجاوز هذا الصراع التاريخي. ولذلك تعتبر هذه الندوة وقوفا عند خصوصية الاستثناء التونسي وتذكيرا بأن تونس لا تنجح إلا بتكاثف جهود التونسيين وبدعم دولي حقيقي فعال من أجل دخول تونس نهائيا في مجموعة الدول الديمقراطية. أكد السيد لطفي حجي في المداخلة الأولى على أن الحديث عن العلاقة بين بورقيبة والاسلاميين تتطلب مراعاة أمرين وهما المسافة التاريخية التي تفصلنا عن الزمن الذي نتحدث عنه منذ حضور الاسلاميين لأول مرة وضرورة الخروج من منطق الضحية والسير في اتجاه القراءة الفعلية وهو ما انطلق الاسلاميون فيه في الحقيقة. كما نوه السيد لطفي إلى أن الحديث لن يكون حول مسألة القمع والاعتقالات لأنها أصبحت معروفة وهو أمر طبيعي في ظل الدولة القمعية في تلك الفترة لأن المعركة كانت معركة نفي بالإضافة إلى أن كل الحركات قد واجهت القمع خلال فترة بورقيبة بدون استثناء ولكن الجانب الذي يتجاوز النفي السياسي هو الخلاف بين نمطين مجتمعين فقد كان هناك خلاف بين الاسلاميين وبورقيبة في نمط الثقافة وخلاف في المرجعيات على اعتبار أن الأدبيات الاسلامية كانت متأثرة بحركة اسلامية كانت تريد أن تغير المجتمع وتطرح بدائل اخرى خارج التصورات السياسية والحضارية السائدة . وقد اعتبر السيد لطفي أن البلاد آنذاك كانت أمام مشروعين مشروع يريد أن يغير كل شيء ومشروع يريد الاستفادة من الموجود وقد تمحور الخلاف بين الاسلاميين وبورقيبة من وجهة نظره حول ثنائيات: الطموح إلى مجتمع مسلم وهي نظرة الاسلاميين الطموح الذي يريد أن يستفيد من كافة التجارب وهي النظرة البورقيبية بالإضافة إلى الاختلاف حول العلاقة بما يسمى بالحضارة (الغرب آنذاك) التي لم تكن موحدة بين الاسلاميين وبورقيبة فالإسلاميون كانوا يدعون إلى ترك كل ما يتعلق بنمط المجتمع الغربي بينما بورقيبة كان يريد الاستفادة من كل النمط الغربي. وأشار السيد لطفي إلى أن السجون التي مر بها الاسلاميون واحتكاكهم بالأطراف السياسية الأخرى جعلتهم يغيرون كثيرا من أفكارهم ويدخلون في فترة الواقعية السياسية حتى أن حركة النهضة باتت تعتبر مجلة الأحوال الشخصية مكسبا سياسيا. وفي النهاية اختتم السيد لطفي كلامه بالإقرار بأن سنوات الحكم الثلاث غيرت في قناعات الاسلاميين وفي مواقفهم بما لم تغيرهم السنوات الأخرى لأنهم فهموا الواقع كما هو وليس كما يوجد في الكتب. المداخلة الثانية كانت لسفير تونس السابق السيد أحمد ونيس حيث اعتبر أن تونس تفتتح صفحة جديدة في الحياة السياسية بظاهرة الاسلاميين كمكون سياسي في الدولة بعد سنوات كان فيها الاعتقاد أنه لا علاقة بين الدين والسياسة لأن الدين سيعقد الاصلاح السياسي والاقتصادي للدولة التونسية الجديدة. وقد أكد السيد أحمد على أن الديمقراطيين الاصلاحيين كانوا يتوقعون أن كل حركة تنتسب للدين هي رجعية على اعتبار أن السياسة تنبني على الجدل والصراع على الحكم بينما الدين بطبعه يوحد ويؤلف. وأكد السيد ونيس على أن ظاهرة الاسلاميين كانت أمرا غريبا في الثقافة التونسية ولكن التطور الذي سجلته الساحة بعد انتخابات 2011 جعلهم يتقبلون فكرة وجود الاسلام السياسي. كما رأى السيد أحمد أنه على الرغم من أن الحركة الاسلامية سعت من خلال الحركة الطلابية إلى كسر الاستبداد وفرض مبدأ التعددية إلا أن الفاعل الاساسي الذي فرض التعدد في الحقيقة هو التيار الذي نشأ مع الدستوريين داخل الحزب الدستوري واعتبر أن الحركة الاسلامية لم تكن العامل الاساسي في القضاء على نظام بن علي بل إن المنظمات الحقوقية والقاعدة الشعبية الناقمة هي القوة الحقيقية الفاعلة التي واجهت بن علي والفاسدين والمستفيدين وكانت الخطوة التي فجرت الواقع وأظهرت الحجم الحقيقي للتونسيين. وأكد السيد أحمد في نهاية كلامه على ضرورة السعي إلى تثبيت ثلاث مراجع هي: السعي الى الفهم الصحيح للثورة توضيح المبادئ والقيم التي يعتمدها حزب النهضة بعد المراجعات اعتراف حركة النهضة بالتخلي عن فكرة الاسلام السياسي إذا كانت حقا قد تخلت عنه افتتح السيد العجمي كلامه باعتبار أن الثورة قد ساعدت في التخفيف من الاستقطابات وطوت صفحة الصراعات وفتحت صفحة جديدة لتصبح بذلك المعادلة بعد الثورة فرض قوانين حركة الواقع وقطع مع الماضي فالثورة حسب تقديره هي انصاف وعدالة والدليل القطعي على أن منظومة الاستبداد سقطت هو وضع الاسلاميين وهو المقياس في أن منظومة جديدة تبنى وتصاغ كل يوم. كما اعتبر السيد العجمي أن الماضي كانت خلاله المهادنة مستحيلة بسبب العامل الذاتي الذي تميز بحضور اليسار الايديولوجي الاقصائي والحكم الفردي الاقصائي والعامل الموضوعي الذي يتمثل في الثورة الاسلامية الايرانية وانتشار ثقافة الغرب. ولكن الثورة حسب ما جاء به السيد العجمي جعلت البلاد تنتقل من صراع الهوية إلى صراع التنمية ولم يعد المكون الاسلامي محضا وأصبحت أغلب الأحزاب مزيجا سياسيا ولم يعد فيها مكون واحد طاغي. أكد السيد العجمي أيضا على أن المصالحة كانت مطلبا من مطالب حركة النهضة وهي حاجة من حاجات الدولة الأكيدة واعتبر ان قوة الدولة كانت تتزامن مع ضعف المجتمع في الماضي ولكن اليوم قوة الدولة هي من قوة المجتمع. وفي النهاية أكد السيد النائب على أن المرحلة اليوم هي مرحلة بناء وانتقال من شعار الاسلام هو الحل إلى شعار الاسلاميون جزء من الحل وعلى ضرورة أن تكون الدولة الخيمة التي تضم الجميع ومن بين أركانها الطرف الاسلامي. اعتبر السيد شوكات في البداية ان الاشكال يكمن في الخوف من بعضنا وفي عدم خلق اطار مشترك للحوار وقد أشار إلى أن الاسلاميين لم يكونوا في صراعات مع الدولة طيلة 40 سنة لاعتبار أن طبيعة النظام القائم حتى الثورة جعلت علاقاته مع كل التيارات متوترة بأقدار وليس مع الاسلاميين فقط ولأن كل التيارات التي واجهها بورقيبة لم تكن تحمل مشاريع ديمقراطية خلال القرن 20 (البعثيون والناصريون/ الشيوعيون/ ..) فالمنطق الاطلاقي كان هو السائد عند الجميع. وأكد السيد شوكات على مسؤولية الجميع في بناء مشروع الدولة المتقدمة والمتطورة والمتأصلة في حضارتها. كما أكد على أن الحقيقة الديمقراطية هي اكتشاف جماعي تونسي وقد ظهرت أول حركة ديمقراطية مطالبة بالتعددية داخل الحزب الاشتراكي الدستوري. واعتبر السيد الناطق الرسمي أن الدولة الوطنية المدنية القائمة على المصالحات هو مشروع الجميع على اعتبار أن الصراع الذي كان قائما كان ذا طابع سلطوي سياسي أكثر من كونه صراعا مبدئيا وفكريا حيث أن الاسلاميين التونسيين أنفسهم كانوا أيضا بورقيبيين وتأثروا بالطرح البورقيبي. اعتبر السيد شوكات في مداخلته أيضا أن الثورة في تونس لم تكن صدفة بل أن هناك مسار ثوري اصلاحي تاريخي أسس للثورة واعتقد بأن النجاح التونسي سيكون له تأثير على المجال العربي والإسلامي. وأكد على قناعة الرئيس السبسي بالمشروع الديمقراطي وبأنه كان يريد من صراعه مع حركة النهضة تحقيق التوازن السياسي وفي هذا السياق كان تأسيس حركة نداء تونس. إذ لا توجد قوة سياسية قادرة بمفردها على قيادة تونس بل إن تونس تحتاج إلى جبهة وطنية اصلاحية تؤمن بالمصالحة الشاملة وتتفق حول كل ما يتعلق بالاقتصاد والمنوال التنموي الجديد . وفي ختام كلامه أكد السيد شوكات على ضرورة تفكيك عقدة الاسلاميين والعلمانيين واعتبار الكل مدنيين تونسيين، والتخلص من العقدة الليبرالية الاجتماعية النقابية السياسية والتأكيد على أن المشروع يجب ان يتكيف مع متطلبات العصر وفي النهاية تفكيك عقدة المركز والأطراف والتأكيد على ضرورة أن يذهب المشروع التنموي إلى الجهات. اعتبر السيد لطفي زيتون خلال المداخلة الأخيرة أن الدولة الحديثة في تونس ولدت في أجواء انفصام بين تيارين مختلفين انتهت بالحسم المادي لأحد التيارين واعتبر أن علاقة الاسلاميين كانت متوترة مع الدولة على اعتبار أن النموذج الذي قدموه كان طوبويا وقد قامت أدبياتهم على نزع كل مشروعية للدولة وتقديم نفسهم بديلا عنها كما احتل مؤسس الدولة الحديثة حيزا واسعا في هجوماتهم. وأكد السيد لطفي على أن الدولة قد حسمت خلافاتها بمنطق الحسم الأمني رغم الاستعداد الذي ابداه الاسلاميون بالقبول بشروط اللعبة الديمقراطية ولكن خلال فترة الشتات قام الاسلاميون بمراجعات أهمها اعادة القراءة للدولة الحديثة فاعتبروا أن الدولة لم تعد طرفا معاديا. أكد السيد لطفي كذلك على ان الثورة وفرت فرصة للنهضة للدخول إلى مسالك الدولة لفهم معنى اكراهات الدولة وبعد الانتخابات الأخيرة الخاسرة كانت الأجواء تنبئ بعودة الصراع لولا حكمة الرئيس الحالي ورجل الدولة الباجي قائد السبسي الذي اختار منهجا مختلفا في التعامل مع الاسلاميين واعترف بهم وأدرجهم في الائتلاف الحكومي رغم الصراع التي كانت بينهم قبل الانتخابات. واعتبر في النهاية السيد لطفي أن يد الرئيس الممدودة وجدت ترحابا من الشيخ راشد الغنوشي الذي كانت له فرصة لتحويل حزبه إلى حزب وطني هو ملك لجميع التونسيين يقوم على البرامج ولكن يبقى السؤال المطروح هل ينجح هذا الالتقاء بين الرجلين إلى التقاء بين تيارين ضيع صراعهما سابقا فرصة هامة على البلاد للتقدم والتطور؟