أكد سفير دولة فلسطين في تونس هايل الفاهوم أنه بات على الإدارة الأمريكية وحلفائها أن تقتنع بأن إسترتيجيتها في التعامل مع شعوب دول المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني القائمة على الاستعمار المباشر كانت خاطئة وحان الوقت لمراجعتها وتعديلها. وشدد الفاهوم في حوار شامل خص به وكالة الأنباء التونسية أن حالة الانقسام الفلسطيني تبقى أخطر فيروس يزرع في الجسد الفلسطيني، وإذا ما عرف هذا الجسد كيفية التخلص منه سيكون محصنا بالكامل ضد كل الاختراقات ومحاولات التفرقة بين أبنائه ، مضيفا أنه حان الوقت لسلك مقاربة جديدة في التعامل مع الآخر لكسب الحشد العالمي لقضية الشعب الفلسطيني لا سيما في ظل الأوضاع المتفجرة التي تمر بها المنطقة العربية. وحول تداعيات ما تشهده المنطقة العربية من توتر وما تأثير ذلك على القضية الفلسطينية، واستغلال إسرائيل ذلك للامعان في التنكيل بالشعب الفلسطيني، لاحظ السفير الفلسطيني أن الشعب الفلسطيني فوجىء منذ 70 سنة، أنه كان الضحية المباشرة لاستراتيجيا تم وضعها لابتلاع المنطقة وربما العالم، لكن بسبب جهل العرب لقراءة الآخر، وللذات أيضا، وفي إطار الثقافة العربية التي تعتمد على الكلمة وليس الفعل فشل العرب في وضع استراتيجيا مباشرة لإفشال هذه الاستراتيجيا الابتلاعية للقضية، مستدركا أنه رغم كل ما مورس على الشعب الفلسطيني من قتل وتهجير وتدمير، يعتبر صموده معجزة . كما أشار إلى المغالطة الكبيرة التي يمارسها الإعلام عموما وحتى العربي عبر إطلاق تسمية من قبيل "الصراع العربي الاسرائيلي" أو " الصراع الفلسطيني الاسرائيلي" في حين أن الواقع ليس كذلك، مؤكدا أن الفلسطيني ليس في مواجهة إسرائيل بمفردها بل هو في مواجهة يومية لكل الدول التي تدعم إسرائيل. ودعا هذه الدول قائلا " لتوقف دعمها لإسرائيل لمدة 48 ساعة فقط وسنرى من سيصمد ويتمسك بأرضه". الدبلوماسية الهادئة لحسد التضامن الدولي وبين أنه على هذا الأساس بدأت الدبلوماسية الفلسطينية بالتحرك من خلال الدبلوماسية الهادئة بحشد الملفات اللازمة وتقديمها للجهات والهيئات وكل الأطراف التي تدعي احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان، لتعطي أجوبة عليها، فإما أن تكذب نفسها ويسقط القناع وتكف عن أعطاء الدروس لغيرها، أو تأخذ موقفا تدافع من خلاله عن مصداقيتها أمام ظلم المافيات الجاثمة على رأس الدول والشعوب، مبينا أن هذا التحرك بدأ يجني بعض الثمار لكن نتائجه لم تظهر بشكل ملموس جراء الاستراتيجيا التي تم تثبيتها بشكل معمق منذ الحرب العالمية الثانية. وأكد أنه رغم التهديدات التي مورست وتمارس يوميا على ممثلي الشعب الفلسطيني في سعيهم سواء عندما تقدموا لعضوية اليونسكو، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذلك محكمة الجنايات الدولية فهناك بوادر إيجابية لهذا الجهد، كحملات المقاطعة لمنتوجات المستوطنات في عدد من الدول الغربية، وأفاد بأنه عندما كان في فرنسا قدم 230 محاميا في القانون الدولي دراسة لكشف ما يجري في غزةوفلسطين وفي أراضي 48 من انتهاكات إسرائيلية، وقالوا أنهم سيدعون لمؤتمر دولي في الأممالمتحدة لكشف الحقائق "ليس محبة لفلسطين بل لإعطاء مصداقية للقانون الذي درسوه ويدرسونه" على حد تعبيرهم. وأضاف أنه في سياق هذا التمشي طرح على رئيس شبكة المدن الفرنسية الفلسطينية الدعوة لمؤتمر دولي شامل لمدن العالم التي لها علاقات شراكة أو تعاون مع مدن فلسطينية، ولقد تمت مراسلة بان كي مون الذي رحب بالفكرة وإذا ما تم المؤتمر سيكون تأثيره على القرار السياسي ضخم، موضحا السعي من خلال تونس التي احتضنت مؤتمر المدن الإفريقية مؤخرا لإيصال صوت الشعب الفلسطيني للأشقاء الأفارقة. الانقسام أخطر فيروس يزرع في الجسد الفلسطيني وحول مدى تأثير الانقسام على القضية الفلسطينية ومصداقيتها أمام العالم، وما هو دور فلسطينيي ال48 في هذا الشأن خاصة أن بعض الأصوات العربية لطالما اعتبرتهم مطبعين، أكد السفير هايل الفاهوم أن آفة الانقسام تمثل آخر فيروس يزرع في الجسم الفلسطيني، فإذا استطاع التخلص منه يكون الجسم الأكثر تحصينا في العالم. أما بخصوص الداخل الفلسطيني فبين أنه ممثل في توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وأميل حبيبي ومحمد بركة وغيرهم من الأبطال الذين خاطروا بحياتهم من خلال البقاء في أرضهم وبيوتهم ، مشددا على أن هؤلاء هم أبطال حقيقيون لأنهم لم يغادروا بيوتهم حتى لا ينفذوا خطة الصهاينة وبناء على هذا المعطى حافظت منطقة الجليل والناصرة على وجودها وهويتها، و200 ألف فلسطيني الذين بقوا في بيتهم شمال فلسطينالمحتلة أصبحوا يشكلون الآن 20 بالمائة من داخل فلسطينالمحتلة في48. وأوضح أن قدرات فلسطينيي الداخل على فهم عدوهم تفوق غيرهم ، فقد وأصبحوا بحسب تقديره قادرين على مواجهته من داخل برلمانه وتكذيبه وكشف حقيقته أمام مجتمعه والعالم. وأضاف هؤلاء أبطال وليسوا تطبيعيين، لقد باعوا ذهب أمهاتهم ليدرسوا بالخارج،وكان بإمكانهم البقاء أين درسوا وتعلموا لكنهم عادوا إلى وطنهم بالرغم من المعاناة والقطيعة والميز العنصري. وأكد قائلا "أنا انحني أمام كل طفل منهم، فهؤلاء هم النواة الصلبة للشعب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية". أما بالنسبة لمسألة التطبيع فأوضح قائلا: "نحن نريد خلق شبكة احتكاك وكشف وجه إسرائيل البشع أمام العالم في أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها وذلك من خلال شبكة تواصل وزيارات، ولقد رتبنا زيارات لطلبة وشباب في فرنسا ليعيشوا مع أندادهم في رام الله وجنين وعندما عادوا لأوطانهم كشفوا الحقائق وعروا الكذب في إعلام بلدهم ". وشدد السفير الفلسطيني على أن زيارة فلسطين ليست تطبيعا بل مواجهة مع السجان، وأن زيارة السجين حق وواجب وكل عملية حشد دولي ستحبط مخططات العدو، فلمقاومة هي إطار فهم المعطيات لأي معادلة، والمواجهة هي فكر وقراءة للآخر وجهد وعمل. الإدارة الأمريكية مطالبة بإعادة النظر في استراتيجيتها في المنطقة وحول الدور الذي تلعبه الإدارة الأمريكية باعتبارها الراعي الأول لإسرائيل في المنطقة شدد الفاهوم على أنه بات على الإدارة الأمريكية أن تقتنع بأن استراتيجيتها في المنطقة كانت خاطئة، وعليها أن تعيد النظر فيها حتى تستعيد مصداقيتها، ملاحظا أنها تشعر اليوم فعلا بخسارتها وإلا لما يطرح لديها سؤال "لماذا العالم يكرهنا ؟" . كما قال وزير الخارجية كيري بأنه "لم يعد لدي من الحجج ما أدافع به عما تقوم به إسرائيل". ولاحظ السفير الفلسطيني أن حلفاء الولاياتالمتحدة الأوروبيين يشعرون هم أيضا بالمأزق، ويصرحون بان فلسطين ليست المشكلة بل هي الحل والاحتلال والاستيطان هو المشكلة، لذا وجد الاستفادة بحسب تقديره من هذه الديناميكية، سيما وأنا إسرائيل لا تستطيع الصمود يوما واحدا دون الدعم الذي تتلقاه من الدول والفاعلين الكبار في العالم. ف85 بالمائة من التكنولوجيا الاسرائيلية مهربة من المختبرات الغربية والأمريكية و95 من المعدات العسكرية والتكنولوجيا الأمنية والاستخباراتية ممولة بالكامل من هذه الدول، كما أن أكثر من 48 بالمائة من الميزانية يأتي في شكل دعم نقدا مع بداية كل سنة. ونحن قد واجهنا كل هذا وما زلنا صامدين على أرضنا. وحول ما يتهدد القضية الفلسطينية في ظل الأوضاع العربية المتفجرة اليوم من مخاطر قبرها، وكيف السبيل لاستعادة بريقها وتكسب الحشد العالمي لصالحها، أعرب السفير الفلسطيني عن أسفه لافتقار العرب لثقافة العمل الجماعي في أطار شبكي ولعقلية تقاسم المعلومة، داعيا إلى ضرورة تطوير هذه الثقافة وزرعها لدى أجيالنا، كما شدد على ضرورة أن تكون للعرب قراءة موحدة لواقعهم وعلى أن يجتمعوا حول هدف رئيسي. وأكد بأنه لن يستطيع أي طرف قبر القضية، مشيرا إلى الإرباك الحاصل اليوم حتى داخل الحركة الصهيونية وفي الإدارة الإسرائيلية أمام ما يجري من حراك، مشيرا إلى أن الأطراف الواعية في إسرائيل أصبحت تتحدث عن استراتيجيا انتحارية لنتنياهو ..واذا استمر في المسار، ستحدث الانهيارات داخل إسرائيل نفسها. وشدد على أن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه حالة انفرادية في حد ذاته، لذا يجب توحيد كل الجهود من خلال قراءة دقيقة للآخر، علينا تجاوز إستراتيجية ردة الفعل "أنها عملية تغيير من قبل الآخر لمسارك. علينا التركيز على الفعل ..لا نريد عداوات مع الآخر بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية". الوقت حان لاعتماد استراتيجية التوريط الايجابي للدول الفاعلة وقال :" نحن بحاجة للدخول في استراتيجية فعل مبنية على التوريط الايجابي للدول الفاعلة لإفهامها أن فلسطين هي عنوان الحلول ولهم مصلحة في إعادة حقوق الشعب الفلسطيني وان إسرائيل هي عنوان المشاكل في المنطقة ، ويجب أن يقروا ذلك بشكل موضوعي وإذا أرادوا استعادة مصداقيتهم أمام شعوبهم والعالم عليهم أن يعدلوا استراتيجيتهم التي كانت قائمة على الاستعمار غير المباشر للمنطقة والهيمنة، ويتركوا شعوب المنطقة تحدد مصيرها وبرامجها وفقا لاحتياجاتها ومصالحها المشتركة معهم" . وبين أن هناك بوادر في هذا الاتجاه من خلال تصريحات مسؤولي الدول الغربية (فرنسا مثلا) والولاياتالمتحدةالأمريكية بأن فلسطين هي مفتاح الحلول في المنطقة، وأنه لا بد من تغيير الأسلوب وأن يقر العالم خطة عمل تطور آلية تنفيذ المراجع التي تم التوافق عليها دوليا يعني حل الدولتين. وأضاف أن هذا الموقف أكده كيري مؤخرا في عمان لما قال "لا تراجع عن موضوع حل الدولتين" . وأكد في هذا السياق على الحاجة الملحة إلى حراك جماعي، لإقناع العالم بأن مصلحته في انتصار التجارب الناجحة في المنطقة المنطقة، الممثلة أساسا في التجربة الديمقراطية في تونس فانتصارها سيغير بحسب تقديره. ولاحظ كيف أن من لا يريد لهذا المسار والتجربة التونسية أن تنجح يستشرس في محاولة عرقلتها . وشدد في المقابل على وجود نواة صلبة وقراءة استراتيجية من داخل مراكز القرار حتى في الدول الفاعلة الكبرى ترى في هذا التحول النوعي والجوهري في تونس أساسي لاستعادة مصداقيتهم في داخل مجتمعاتهم. وأعرب السفير هايل الفاهوم عن الأمل في أن يكون هم الشعب الفلسطيني الأول والأساسي هو الخروج من حالة الانقسام، كما عبر عن الأمل في أن تنجح تونس في تجربتها، "فنجاحها في المنطقة ستكون بوابتنا لعودتنا لفلسطين" بحسب تعبيره.