أحيانا تصل التناقضات واللخبطات حدّا يصبح معه المشهد سرياليّا.. مثلا في تونس فإنّ الكثير من التونسيّين يرون صدّام حسين بطلا قوميّا وشهيدا وزعيما.. وهؤلاء هم أنفسهم الذين مع الثورة ويرون زين العابدين بن علي ديكتاتورا.. رغم أنّ بن علي على جبروته وتسلّطه يعدّ تلميذا في مدرسة الديكتاتوريّة أمام صدّام الذي قمع شعبه منذ السبعينات وحتّى إلى ما بعد بداية المواجهة مع أمريكا والغرب سنة 1990.. وقد قتل وعذّب وسجن صدّام حسين عشرات آلاف العراقيّين لمجرّد أنّهم يعارضونه.. !!! الذين يعتبرون صدّام حسين بطلا قوميّا يرى الكثير منهم أيضا بشّار الأسد كآخر الزعماء العرب "المحترمين" الذين يحاربون الصهيونيّة والامبرياليّة الأمريكيّة والغربيّة ويقود الحرب على قوى الشرّ.. رغم أنّ بشّار الأسد هو نفسه ديكتاتور من صلب ديكتاتور.. وقد عذّب وقتل وسجن عشرات الآلاف من معارضيه، وسلب الشعب السوري حقّ اختيار حكّامه بحريّة.. وورث الحكم بصفة غير شرعيّة عن والده وكأنّه في ملكيّة غير معلنة.. واستمرّ فيه لسنوات طويلة رغما عنهم.. !!! وكالعادة فإنّ نفس الذين يدينون الثورة ضدّ بشّار الأسد هم أنفسهم الذين يحبّون الثورة في تونس.. !!! والذين يرون بن علي ديكتاتورا أحسن الشعب التونسي بالإطاحة به.. لا يرون بشّار الأسد ديكتاتورا من حقّ الشعب السوري إسقاطه.. !!! ونفس الذين يناصرون صدّام حسين وبشّار الأسد.. يتناسون أو يتجاهلون أنّ نظام الأسد ونظام صدّام كانا في عداء كامل.. وكان كلّ منهما يخوّن الآخر ويتّهمه بالخيانة والعمالة ويعمل ضدّه.. وقد خاضا ضدّ بعضهما البعض حربا باردة وشرسة وطويلة.. رغم أنّ أصل أنظمتهما قائم على حزب البعث، وهو حزب واحد وفكر واحد.. لكنّهما أصبحا حزبين مختلفين ومتناقضين ومتناحرين طوال عقود.. !!! والذين يعتبرون بشّار الأسد بطلا قوميّا وزعيما عربيّا متأصّلا.. يعتبرون أنّه يخوض حربا شرعيّة وشريفة ضدّ الإرهاب وضدّ الجماعات الإرهابيّة المدعومة من دول أخرى غربيّة وخليجيّة.. وعلى رأسها أساسا تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام "داعش".. رغم أنّ داعش تتكوّن أساسا من قيادات حزب البعث العراقي السابق وضبّاط الجيش العراقي المنحلّ بعد الغزو الأمريكي.. أيّ أنّ قيادة داعش وعقولها المفكّرة سياسيّا وعسكريّا وأركان تنظيمها الإرهابي.. هم أساسا قادة حزب وجيش صدّام حسين الذين بدؤوا الانضمام للتنظيم لمحاربة الاحتلال الأمريكي ومحاربة النظام العراقي التابع لإيران.. وقد كان الكثير منهم معتقلا في السجون العراقيّة والأمريكيّة لسنوات.. قبل أن يوسّعوا حربهم من المقاومة إلى إقامة الخلافة الإسلاميّة وضمّ الدول العربيّة الكافرة المرتدّة.. !!! أي أنّ من التونسيّين المدافعين عن صدّام حسين من يدعم حرب بشّار الأسد ضدّ قادة حزب وجيش صدّام حسين في تنظيم داعش.. !!! بعبارة أخرى فإنّ بعض أنصار الثورة في تونس وأعداء الديكتاتور بن علي.. هم أعداء الثورة في سوريا وأنصار الديكتاتور بشّار الأسد والديكتاتور صدّام حسين.. وبعض داعمي حرب بشّار الأسد ضدّ داعش الإرهابيّة التي يقودها أعوان صدّام حسين السابقين في حزب البعث والجيش العراقيّين.. هم أنفسهم الذين يمجّدون اليوم بأثر رجعي صدّام حسين ونظامه وجيشه.. !!! والذين يقفون ضدّ إرهاب داعش واستهدافها لتونس وحربها ضدّنا.. هم أنفسهم أيضا الذين يمجّدون صدّام حسين ونظامه المقاوم المتكوّن من حزب البعث والجيش.. التي يقود قادتها اليوم هم أنفسهم حرب داعش على الجميع ومن بينهم تونس..!!!