من الحكايات الشعبية التي استحضرتها هذه الأيام حكاية ذاك الرجل صاحب المطعم الذي أراد العثور على طريقة جهنّمية لتنشيط تجارته التي كادت أن يعصف بها البَوارْ فكتب على عتبة محلّه يافطة تقول : كول اليوم وولْدكْ يدْفع غدوة وصادف أن دخل مطعمه أحدُ السُّذج ممن صدّقوا ما كُتب على المدخل فأكل صاحبنا ما لذّ وطاب من المأكولات والمشروبات والحلويات ثم همّ بالخروج إلاّ أن صاحب المحل بادره بالحساب مطالبا إيّاه دفع المال المستوجب عليه ثمن أكله فأجابه صاحبنا بأن ابنه سيدفع له لاحقا كما هو مُبيّن فردّ عليه بأن ما يطلب منه من نقود هي في الحقيقة تعود لاستهلاك والده في سنة من السنوات الخوالي وأن ثمن ما أكله هو سيدفعه ابنه لاحقا عملا بنفس القاعدة: كول اليوم وولْدكْ يدْفع غدوة الحكاية بقدْر ما أضحكتْني بقدر ما آلمتني وأبْكتْني وأنا أرى الشعب التونسي يدخل “حانوت” صاحب المطعم الدّجال ليطالبه هذه المرّة بدفع ثمن نضال آبائه من أجل حرية وكرامة الأبناء أنفسهم عملا بقاعدة : ناضل اليوم وولْدك يدْفع غدوة لعنتُ النضال والمناضلين والجهاد والمجاهدين والكفاح والمكافحين ومن قالوا عنهم “إنهم هاربين لربّي” والأكثر “التزاما بالأخلاق الحميدة” وأنا الذي كنت أعتقد إلى درجة الإيمان أن من يناضل حبّا في الوطن لا ينتظر أجرا , فمن يقبل بتعويض مقابل نضاله هو ليس مناضلا هو سمسار ومرتزق وكفى … وأذكّر هنا بالمناسبة ذاك الذي بشّرنا بالخلافة السادسة أنّ الخليفة الأول أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه كان يستنكف من صرف ملّيم واحد من بيت مال المسلمين لقاء قيامه بأعباء الدولة وكان ينفق على عائلته من حرّ ماله , فكيف لوْ أخد منها ألف مليار كما تنوي أنتَ فعله في سنوات الجدب والبَوار هذه ؟ ومع ذلك أذكّرك بما قاله الأوّلون والحكماء منهم : افعل ما شئت فسيأتي اليوم الذي يُفعل بك كما فعلت عندما تظْلم سوف تُظلم يوما ما عندما تُأذي فستُؤذى يوما ما عندما تأخذ ما ليس من حقّك ستُسلب حقوقك يوما ما فافعل الآن ما تحب أن يُفعل بك غدا واعلم أن الجزاء من جنس العمل وكما تُدين تُدان…