الموت علينا حق… وكل يوم نسجل في بلادنا حالات كثيرة من الوفاة … ومع أن الأسباب تختلف إلا أن الألم والحسرة التي يخلفها فقد عزيز على أهله يكون كبيرا ويتسبب في جروح نفسية غائرة قد لا تندمل مهما مرت الأيام… لكن .. المفروض أن المؤمن يصبر على مصابه … لأن في سخطه مغضبة للرب … ومهما بلغ السخط والغضب والحزن فإن ذلك لن يغير من الأمر شيئا فمن مات لا يعود مهما فعلنا… لذلك فمن باب أولى وأحرى أن يصبر الواحد منا على ما أصابه وأن يطلب الرحمة والمغفرة لمن توفي من أهله أو أقاربه أو جيرانه أو أحبابه وأن يتعظ ويعتبر ويقر بأنه إن كان يمكن التعتيم على الكثير من الحقائق فإن حقيقة الموت هي الوحيدة التي لا يمكن التعتيم عليها أو الهروب منها… وإن الإنسان مهما طال به الزمن أو قصر فإنه لا بد أن يقف يوما على تلك الحقيقة المطلقة… وما دعاني إلى الكتابة عن هذا الموضوع هو ما أحدثه موت نجل السيد نبيل القروي باعث قناة نسمة من ردود أفعال كانت في أغلبها صادمة وعديمة الانسانية وبعيدة كل البعد عن أخلاق المسلم وأخلاق أبناء هذا البلد…. فما معنى أن يتشفى البعض من شخص ما مهما كان الخلاف معه وذلك بإظهار الشماتة في مصاب جلل مثل ذلك المصاب؟؟؟ وما معنى أن ينصب البعض نفسه إلاها يحكم على الناس وعلى أفعالهم فيحكم على هذا أنه من أصحاب الجنة وعلى ذاك بأنه من أصحاب النار؟؟؟ أليس هذا منتهى الانحطاط الأخلاقي؟؟؟ ومنتهى الجهل والجهالة والإسفاف؟؟؟ لا جرم أنه في بلد مثل بلدنا شهدا انفلاتا في كل شيء بعد أن كان منغلقا على نفسه محكوما بهاجس الخوف والتسلط والقمع أن يقع انفلات وتسيب بعد ارتخاء قبضة القمع والتسلط على المجتمع .. ولكن ليس إلى هذه الدرجة ون الإسفاف والانحطاط؟؟؟ إذا ما هو السبب في هذا الذي نراه من تفسخ انحطاط أخلاقي منقطع النظير أصبح يهدد بما لا تحمد عقباه وينذر بالأسوأ؟؟؟ إننا نكاد نجزم أن الهرسلة الفكرية والتي استهدف بها التونسيون خاصة من طرف وسائل الإعلام المختلفة والتي قامت تقريبا بضرب كل الثوابت الفكرية والأخلاقية التي تأسس عليها امجتمع التونسي قد بدأت تعطي نتائجها الكارثية فيما أصبحنا نرى ونسمع من فضاعات تقارب الأساطير والخرافات … شاب يحاول اغتصاب عمته… أب يغتصب ابنته… زوجة تقطع زوجها بمساعدة أبنائها… شاب يسرق كل ما تملكه والدته من مال ومصوغ من أجل انفاقه على بنات الليل… رجل يقتل زوجته وكل أبنائه… شاب يغتصب طفلا صغيرا ثم يقطع جسده ولا تهتز منه شعرة واحدة والزواج المثلي والزواج العرفي …. أما عن عمليات السطو وقطع الطريق والغش والتحايل والاختلاس والارتشاء فحدث ولا حرج… كل هذا الانحطاط والانهيار القيمي يجد من يدافع عنه بشراسة ويبرر له وينظر له حتى… هذا بداعي الحرية.. والآخر بداعي الاسلام المعتل.. والآخر بداعي القراءة الجديدة للنصوص الدينية …. والآخر بداعي القطع مع التخلف والرجعية والتحرر من كل القيود وركوب قطار الحداثة والتقدمية…. ضاعت بوصلة الكثيرين خاصة من أصحاب النفوس الضعيفة .. وتلبست في ذهنهم الأشياء .. والبعض وجد فيما يروج له الإعلام (الذي يعمل في إطار سياسات ممنهجة وليس اعتباطا) هوى في نفسه… فأصبحت ترى وتسمع ما لم تكن تتصور يوما أن تراه أو تسمعه … حتى المعجم التواصلي أصبح يربكنا في تعاملنا مع بعضنا البعض… فالبعض يرى أنه في استعمال عبارة " الله يرحموا" تخلفا وتخونجا…. ويفضل استعمال: " لترقد أيها الرفيق في سلام"… لقد أصبحنا نرى خلافات في صلب بعض العائلات حتى على طريقة دفن الميت وهل يسبق ذلك بصلاة على الميت أم بنعي وتأبين فقط… أما عن طرقة العيش أو اللباس أو الزواج فحدث ولا حرج فقط أصبحنا نرى العجب العجاب في الاختلاف والتناقض والتنافر الذي يصل حد القطيعة وممارسة العنف بين أفراد العائلة الواحدة… ماذا حدجث لنا؟؟؟ والذي أصابنا حتى وصلنا إلى هذا المستوى الذي وصلنا إليه؟؟؟ لقد دق ما رأيناه من تعاليق حاقدة وشامتة على موت شاب من شباب تونس ناقوس الخطر في مستوى الانحطاط الذي بلغته المنظومة القيمية في بلادنا ونحن نتمنى أن يكون الجميع قد فهم الدرس… بأنه آن الأوان أن يتوقف الكل لحظة صدق مع أنفسهم لمراجعة كل حساباتهم… قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة… فتتعاظم الأحقاد بني هؤلاء وأولئك ويشتد التنافر بما يؤدي إلى لانفجار الذي سيدمر الأخضر واليابس كما نرى ذلك في العديد من المناطق في العالم ….