ما كنت أحسب أن حضور الحفل الذي أقامته جمعية قدماء معهد مجيدة بوليلة بمساهمة من المندوبية الجهوية للثقافة بصفاقس و منتدى الفرابي للدراسات و البدائل سيجهش دموعي و يوقظ فيّ الحنين إلى أيام كنت فيها مع زملائي كالطير بين خمائل و روابي . ما إن ولجت قدماي المعهد الثانوي مجيدة بوليلة حتى رأيت جمعا غفيرا من الزملاء و الزميلات الذين درسوا بهذه المؤسسة التربية العريقة و قد أحيلوا على شرف المهنة و منهم من مازال يواصل رسالته . في الأثناء لمحت الأستاذ الشيخ التوفيق الكراي و هو من الأوائل الذين درسوا مدة التربية الإسلامية بهذا المعهد وصافحت الأستاذين محمد نجيب عبد المولى و إبراهيم بن صالح الذين درسا أجيال و أجيلا و عملا متفقدين أنارا السبيل أمام زملائهم الأساتذة في بداية عهدهم في التدريس كما إلتقيت السيدة هند بين صالح التي قضت ست و ثلاثين سنة بين قاعات الدرس في هذه المؤسسة . كما صافحت العديد من القيمات و القيمين و الإداريين و العملة الذين اشتغلوا و أحيلوا على شرف المهنة . جمع غفير برجال التعليم في جو مليء بالمحبة و المودة بين أسرة واحدة جمعتهم رسالة البذل و العطاء و هي لعمري رسالة النبل و الشرف لا يخرجون في نهايتها لا بالأموال الطائلة و لا بالجاه العظيم و لكن برصيد معنوي مفعم برضاء الضمير في سبيل تعليم و تربية الناشئة . . . وددت لو حضر في هذا الجو البهيج بالود و العرفان بالجميل الأستاذان محمد الحري أستاذ التاريخ و أستاذ العربية الطيب عبيد أطال الله عمرهما و قد عادت بي الذاكرة إلى ذلك اليوم الذي ركب فيه زميلي الدكتور الصحفي الأول زهير بن حمد في حصة اللغة جملة تشتمل على حال جاء فيها : " جاء الأستاذ إلى المعهد راجلا " فعل الأستاذ الطيب قائلا : " تلك في ظروفي و سأسعى لشراء سيارة إن شاء الله " و كم كان إستغرابنا يوم جلست أستاذة العلوم الطبيعية الآنسة " لافارج " في أول لقاء معنا على كرسي مكتبها و قد لبست تنورة قصيرة و لم تنتشر وقتها موضة التنورة القصيرة ( mini jupe) في بلادنا فتناقلت الأبصار إلى بعضنا البعض فمنّا من طأطأ رأسه على الطاولة و منا من أخفى ضحكته و منا أيضا من همس و غمز و غمغم و لم يتوقف المشهد الغريب عند هذا الحد بل ازددنا دهشة حينما همت الأستاذة بإشعال سجارة . كان ذلك في السنة الدراسية 1970/1971 بهذا المعهد و قد وجدت نفوسنا على صغر سننا هوى في ذلك الإختلاط مع زميلاتنا التلميذات خاصة و نحن نستعد لتشدين بداية مرحلة الشباب و ما يهزنا من شوق لدخول و خوض مغامرة مع الجنس اللآخر . إني أهمس في أذني كل مسؤول في وزارة التربية و خاصة داخل المؤسسات التربوية أنه لابد من المحافظة على العلاقة الوطيدة بين الزملاء المربين مهما كان الاختلاف لأننا نبقى أخلاء في عيون بعضنا البعض و سطور كتبت بماء لدى وزارة التربية .