تشهد البلاد منذ عدة أشهر حركة احتجاجية عفوية و متقطعة أعادت إلى الأذهان ما حصل خلال أحداث الثورة من مواجهة للسلطة و تراوحت المطالب بين المطالبة بحق التشغيل و الحق في التنمية إلى المناداة بإسقاط الحكومة و إعادة سيناريو الثورة في حين عبرت الحكومات المتعاقبة بعد انتخابات أكتوبر 2014 عن ارتباك و عجز عن مواجهة بعض التحركات إلا بأسلوب القمع و التسويف. وإذا كانت الحركة تفتقر للتأطير التنظيمي على المستوى الوطني لقصور العنصر الحزبي عن ذلك سواء بسبب موقعه في السلطة أو لطبيعة التنظيم الحزبي القائم على صناعة "الآلة الانتخابية" طريقا للمحاصصة لا غير في قطيعة عن "القضية الوطنية الجامعة" فان ذلك لا يمنع قوى الثورة – فرقا وأفرادا – من التفكير في التأطير السياسي للحركة الاجتماعية بما يؤمن لها أدوات الصراع القادرة على فرض استحقاقاتها و هي في الواقع من استحقاقات الثورة. و المقصود من ذلك هو التفاف مكونات الحركة الاحتجاجية حول لائحة من المطالب الواضحة و الكفيلة بجعلها مستمرة و قادرة على فرض تلك المطالب في مواجهة أساليب السلطة المعهودة في المماطلة و التسويف و المناورة. وفي تقديرنا لابد من توضيح أن ما يسمى بإقامة الحكم المحلي عبر تنظيم الانتخابات البلدية يندرج في إطار المناورة إذ يتجاهل المطالبون به الأزمة السياسية القائمة و التي تتطلب حلولا سياسية لا حلولا تتصل بالتنظيم المحلي، هذا إضافة إلى كون الاستحقاق المحلي لن يخرج في مراميه عن المحاصصة الحزبية ووفق هذا المنهج فالأولى أن يدور الحوار بين الفاعلين في الحركة الاحتجاجية حول لائحة مطالب سياسية جامعة تكون بمثابة البرنامج الذي تقوم عليه التحركات و المفاوضات عند الاقتضاء. و يمكننا تلخيصها في النقاط التالية : أولا : المطالبة باطلاع الشعب عن مضمون العقود المتعلقة باستغلال الثروة الوطنية من ملح و غاز و نفط وغيرها و المبادرة بتشكيل لجنة وطنية تسلم لها تلك العقود للدراسة و التقييم و اطلاع الشعب على مضمونها و اقتراح التعديلات المناسبة لما يضمن حق الشعب في الانتفاع بثروته و حمايتها من نهب الأطراف الداخلية منها و الخارجية – علما وان هذا المطلب يقوم على مبدأ ديمقراطي وهو الشفافية في التصرف في الثروة الطبيعية، و هو الأمر الذي كان غير معمول به في ظل الدكتاتورية. ثانيا : المطالبة بالتوزيع العادل للثروة الوطنية و إعمال مبدأ التمايز الايجابي الذي جاء به الدستور 2014 فلابد من تجاوز المقاربة الجهوية أو المخلية و طرح المسالة من منظور وطني شامل لكل الجهات بما يمكن من مراقبة توزيع الثروة على أساس من العدل. ثالثا : كشف مظاهر الفساد التي تشكل حائلا دون المحافظة على المال العام و أحكام الرقابة في التصرف فيه، وهو ما يقتضي مراقبة الصفقات التي تبرمها المؤسسات وكذلك الانتدابات. رابعا : إصلاح الإدارة التونسية التي بقيت تشكل عائقا في وجه التنمية، تلك الإدارة التي اندمج فيها الحزب الحاكم وجعل منها أداة ريع وفساد لمدة ستة عقود بما استحال معه بناء المؤسسة الاقتصادية العمومية القائمة على مبدأ المردودية والمنافسة و المبادرة. إذ أصبحت المؤسسة الاقتصادية موضوع محاصصة شانها شان الإدارة. خامسا : التخلص من رواسب الاستعمار منها "المنطقة العسكرية بالجنوب" و إعادة بناء الطريق الصحراوية التي تشكل أداة وصل بيننا وبين الجزائر وليبيا و غيرها من دول جنوب الصحراء بما ينشط المبادلات بيننا وبينها. هذا مقترح حركة وفاء لبناء تحرك قادر على استكمال مسار الثورة و استحقاقاتها عبر طرح برنامج ينطوي على لائحة مطالب واضحة و تخدم أهداف الثورة في استملاك الشعب لثرواته و تأمينها من مزيد النهب و التبديد، باعتبار ذلك أحد شروط بناء المنوال التنموي الوطني القائم على التعويل على المقدرات الذاتية وفي قطيعة مع ما كرس طيلة عقودا قبل الثورة عن منوال يقوم أساسا على الريع الإداري و التعويل على التداين الخارجي و السياحة و الاستثمار الخارجي.