الأكيد أننا متساوون في الحقوق لكن في الحقيقة نحن لسنا متساوين في الخطر، و القاعدة تقول أن كل خطر إضافي يتطلب حماية إضافية. لذلك ليس بدعة أن يحاط المحامون بحصانة من التتبعات التي قد تعرضهم لخطر التتبع القضائي نتيجة مرافعاتهم أو تقاريرهم التي يقدمونها في ملفاتهم، ولهذا خصهم الدستور و المرسوم المنظم لمهنتهم بحصانة خاصة. و ليس بدعة أن يتمتع القضاة بحصانة تضمن استقلالية السلطة التي يمثلونها و ايضا بحماية خاصة و عقاب أشد من العقاب العادي إن تعرضوا لإعتداء بمناسبة أمر تعلق بأدائهم لمهامهم فهم معرضون للانتقام و التهديد و الابتزاز من بعض المتقاضين المنحرفين و نفس الشيء لرئيس الجمهورية و الديبلوماسيين و اعضاء مجلس النواب فكلهم يتمتعون بحصانة لا يتمتع بها المواطن العادي رغم تساوي الجميع في الحقوق والواجبات أمام القانون. لكن أليس الامني معرض أكثر من هؤولاء بكثير للإعتداء وحتى القتل؟ بقطع النظر عن كون مشروع القانون المقدم به عديد الإحترازات و يجب تعديله فعلينا أن نعلم أن تونس الآن في حالة حرب ضد الارهاب وهذا يعطي الحق في سن قوانين استثنائية تتلاءم مع حجم التهديد و الخطر، كما اننا نعلم ان الامنيين هم اول المستهدفين بحكم تعمد بعض الأطراف (في اطار مخطط لا فائدة في ذكره) شيطنتهم ونعتهم بابشع النعوت و التحريض ضدهم بما تسبب لهم في العديد من الاعتداءات و حرق مراكزهم و حتى مداهمة منازلهم. وعلينا أن نفهم أن الأمن هو سلطة و السلطة هي أهم مميزات الدولة فبدون سلطة لا توجد دولة و هيبة الأمن من هيبة الدولة. و الهيبة تتكون من عنصرين أساسيين: عنصر القوة الشرعية التي يتمتع بها الأمني بمناسبة أدائه لوظيفته ولا يتمتع بها المواطن العادي كحقه في مسك واستعمال أدوات زجرية كالعصى او الغاز المسيل للدموع أو سلاح ناري وهته الادوات هي عادة ممنوعة على المواطنين العاديين وهته القوة لا تتحقق فقط بهته الأدوات بل يجب أن تقترن بحماية خاصة للامنيين تعيد لهم ما فقدوه نتيجة الشيطنة وتضمن لهم نظرة احترام و تقدير و ايضا طاعة و إذعان من قبل المواطن إن إقتضى القانون ذلك. العنصر الثاني لهته الهيبة هي سلوكيات عون الامن و انضباطه و حسن تطبيقه للقانون على نفسه قبل غيره وعدم الوقوع في المحضور كتعمد ظلم المواطنين أو الارتشاء أو غير ذلك من السلوكيات المشينة، فيجب أن تكون تصرفاته تجلب احترام المواطن و تعكس قوة الدولة و هيبتها. لكن ان كان قانون حماية الأمنيين قادرا على ضمان العنصر الأول لهيبة الدولة إلا أنه لا يحقق العنصر الثاني فهو يحمي الأمني ولا يضمن حقوق المواطن من تعسفه. لذلك لابد أن يقترن صدور قانون حماية الأمنيين ببلورة جهاز رقابي بتركيبة مختلطة تمثل عدة اطراف، جهاز شبه مستقل عن وزارة الداخلية يضمن مراقبة الأمنيين لردعهم وضمان حقوق المواطنين وهو جهاز بوليس البوليس la police des polices و يجب ان يكون حجم الرقابة و الصرامة في المراقبة و المحاسبة يتلائم مع حجم الحماية الإضافية التي يتمتع بها الأمني فكل سلطة تقابلها سلطة مضادة في حجمها. فبقانون حماية الأمنيين و جهاز بوليس البوليس نعيد للدولة هيبتها ونضمن حقوق الأمني و المواطن معا و نضمن جهاز أمن جمهوري حقيقي يضاهي و يساوي الأمن الموجود في أعتى الديمقراطيات.