بطولة مدريد للتنس.. انس جابر تنتصر على آنا كارولينا    طقس الليلة    أثار الجدل.. سحب كُتيّب يروّج للمثلية من معرض تونس للكتاب    "بنات ألفة" يتوج بثلاث جوائز في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    حريق بوحدة تصدير التمور يُخلّف خسائر مادية بدوز الشمالية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    هطول كميات متفاوتة من الامطار خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    عاجل/ انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي ب"خان يونس" خلال خمسة أيام..    صادم في المنستير: مناوشات في مطعم تتطوّر الى اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه!!    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    الداخلية تشرع في استغلال مقر متطور للأرشيف لمزيد إحكام التصرف في الوثائق    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي/"مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح"..رجل الأمن يطالب بالحماية القانونية لا باعتماده آداة للعودة إلى الديكتاتورية

بقلم رئيس المنظّمة التونسيّة للأمن والمواطن عصام الدردوري
وصلنا مقال رأي رئيس المنظّمة التونسيّة للأمن والمواطن عصام الدردوري ، وهو بمثابة قراءة مفصلة لمشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح الذي أثار انتقادات واحترازات من عديد الأطياف كالمنظمات ومكونات المجتمع المدني وجعل كثيرين يدقّون ناقوس الخطر خاصّة في ظلّ ما تضمّنه من ثغرات قانونية عديدة وطغيان العبارات الفضفاضة القابلة للتأويل الواسع عليه مما يتعارض أساسا مع المسؤولية الجزائية على حد تعبيره. وأشار الدردوري الى انه من باب الحرص على تقديم موقف واضح وصريح حرص على تناول مشروع هذا القانون تناولا موضوعيا مس مختلف فصوله بعمق مراعيا المصلحة الوطنية بعيدا عن الذاتية والآحادية .
مقدمة
حسب وثيقة شرح الأسباب المصاحبة لمشروع هذا القانون (مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح) يندرج طرحه ضمن المبادئ الأساسية للأمم المتّحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظّفين المكلّفين بإنفاذ القوانين المعتمدة في مؤتمرها الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين بكوبا سنة 1990.
وقد تصاعدت مطالب الأمنيين والهياكل النقابية والجمعياتية وبعض مكوّنات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية المستقلّة بصياغة قانون يجرّم الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح (يضم هذا القانون 5 أبواب و20 فصلا) خاصّة مع حملة الاعتداءات التي طالت فئة هامّة من هذه القوات ومقرّات عملها وآلياتها ومقرّات سكنها والتي كان مردّها أساسا حالة الفراغ الأمني وتقلّبات الساحة الوطنية خصوصا على المستوى السياسي وفي ظلّ تنامي الجريمة الإرهابية وبروز مؤشّرات استهداف ممنهج للقوات الحاملة للسلاح من عديد الأطراف المارقة عن القانون والهادفة بالأساس إلى خلق حالة من الفراغ وإسقاط الدولة في مربّع الفوضى والعنف والاقتتال.
على هذا الأساس ولئن تبدو الغاية من طرح هذا المشروع ظاهريا تكريس حماية أعوان الأمن من جميع أنواع الانتهاكات المسلطة عليهم أثناء أدائهم لمهامهم القائمة على حماية الوطن والمواطن أو خارجها فإنّ هذا المشروع، ونظرا لما تميّز به من طابع زجري مبالغ فيه، يعدّ انتهاكا مفضوحا لجملة من المبادئ الدستورية كحريّة التعبير والإعلام والحقّ في النفاذ إلى المعلومة وانتهاكا لحقوق الإنسان في صيغتها الكونية مما يحيلنا على بروز بوادر كبرى لمواصلة اعتبار رجل الأمن مجرّد خوذة وعصا غليظة في يد السلطة السياسية ورغبة جامحة لمواصلة فرض الوصاية الحزبية على المؤسسة الأمنية تحت ذريعة تمكينه من نصوص قانونية توهمه بالحماية ولكنّها في الأصل تمثّل قيدا سيعمّق من معاناته في ظلّ عدم فصل القرار الأمني عن القرار السياسي والحفاظ على قدسية التعليمات التي يمكن أن تتعارض في كل لحظة مع روح القانون.
ونحن كمنظّمة أمنية ذات صبغة حقوقية اجتماعية كنّا ولازلنا من دعاة تدعيم الفصول القانونية التي من شأنها أن تدعّم حماية القوات الحاملة للسلاح خصوصا مع حساسية الظرف الراهن. إلا أننا نرفض بصفة قطعية أن يتمّ اعتماد ذلك مطيّة لتمرير قانون زجري لن يحقّق حماية الأمن بقدر ما سيقوّض القدر المتحقّق إلى حدّ الآن من منسوب الثقة بين رجل الأمن والمواطن ويساهم في إعادتنا إلى مربّع الدولة البوليسية التي سيكون رجل الأمن أوّل ضحاياها وظاهريا أبرز المستفيدين منها وهو ما يتعارض والمساعي المبذولة لأجل تكريس الحياد الفعلي للمنظومة الأمنية بعد أن تمّ التنصيص على ذلك دستوريا () في انتظار أن يتحقّق ذلك على مستوى واقع الممارسة والوعي الأمني والتسريع في المسار الإصلاحي المتعثّر.
مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح أثار انتقادات واحترازات من عديد الأطياف كالمنظمات ومكونات المجتمع المدني وجعل كثيرين يدقّون ناقوس الخطر خاصّة في ظلّ ما تضمّنه من ثغرات قانونية عديدة وطغيان العبارات الفضفاضة القابلة للتأويل الواسع عليه مما يتعارض أساسا مع المسؤولية الجزائية. ومن باب الحرص على تقديم موقف واضح وصريح آلينا على أنفسنا تناوله تناولا موضوعيا انطلاقا من طرح الإشكاليات التالية ومحاولة الإجابة عليها:
- كيف يمكن الجمع بين حماية القوات الحاملة للسلاح وضمان نجاعة تدخّلها لتنفيذ القانون وحماية القانون ذاته لحقوق الإنسان؟
- هل أنّ قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح ضمان للحرية باعتباره آلية من آليات حماية المعنيين بتنفيذ القوانين الراعية لها أم أنه تهديد للحريّة؟
- هل أنّ هذا القانون هو فعلا آلية قانونية لحماية القوات الحاملة للسلاح أم أنّه مجرّد ستار مقنّن لتغذية القطيعة بين المواطن ورجل الأمن ودعم لسياسة فرّق تسدّ؟
- هل أننا فعلا أمام فراغ قانوني يستوجب صياغة قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح أم أننا إزاء ترسانة من النصوص القانونية التي تكفل الحماية ولا تستوجب غير التعديل؟
دوافع مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح
الفصل الأول: الدوافع الظاهرة
1- تلافي النقائص التشريعية
هذا المشروع يندرج في إطار تطبيق المعاهدات الدولية في هذا المجال اعتبارا لأهمية الدور الذي تقوم به القوات الحاملة للسلاح في المحافظة على الأمن العام وحقوق الإنسان بما يقتضي تمتعهم بحماية قانونية أثناء مباشرتهم لوظيفهم وبعده.
وفق ما ورد بوثيقة شرح الأسباب المصاحبة لنصّ القانون حيث يهدف إلى حماية القوات الحاملة للسلاح من الاعتداءات التي تهدّد سلامتهم وذلك ضمانا لاستقرار المجتمع بأسره ويشمل مجال الحماية وفق الوثيقة ذاتها الأعوان أنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم والمقرّات والمنشآت والتجهيزات الموضوعة تحت تصرّفهم وأسرار الأمن الوطني.
هذا المشروع المتعلق بزجر الاعتداءات على الأمنيين أُحدث ليتمّ تجاوز النقص الموجود في منظومة التشريع الوطني سواء على مستوى المجلة الجزائية التي تجرّم فقط بعض الاعتداءات خاصة منها الاعتداء على المقرات الأمنية.
إذ تضمنت المجلة الجزائية التونسية بعض الأحكام المتعلقة بجرائم محاربة القوة العامة وحرق أو هدم أملاك الدولة والتعسّف على الموظفين العموميين وهضم جانبهم والاعتداء عليهم أو هدم مخازن الذخائر العسكرية ولكن تهمة هضم جانب موظّف عمومي تمثّل في حدّ ذاتها محورا للجدل حيث يذهب كثيرون إلى اعتبار أنّ هذه التهمة التي غالبا ما توجّه في أغلب الملفّات التي يكون الأمنيّ طرفا فيها مهما كان موضعه القانوني تستوجب المراجعة والتعديل.
نلاحظ أن هذا القانون لم يأت بإضافات كبيرة في ما يخصّ حماية عون الأمن خاصّة على مستوى تقويض قدسيّة التعليمات الشفاهيّة وتقنينها حيث أنّ التعليمات الشفاهيّة تعتبر إحدى أهمّ المصطلحات التي تجثم على صدور الأمنيين منذ انبعاث القوات الحاملة للسلاح. وإذ نذهب إلى تبرير الاعتماد على هذا المصطلح وإعطائه الشرعيّة اللفظيّة والقانونيّة خصوصا وأنّ هذا المصطلح لطالما اقترن وارتبط بالأسلاك العسكريّة وشبه العسكريّة المحمول عليها الانضباط والالتزام بتطبيق الأوامر القياديّة العليا وهنا يحدث المنعرج ويُطرح التساؤل وتندلع حيرة حامل السلاح خصوصا مع المتغيّرات التي تسجّلها الساحة الوطنيّة والإقليميّة وارتفاع منسوب الحقوق والحريّات كالتجمهر والتظاهر والتعبير وبروز نصوص تشريعيّة حديثة وهيئات دستوريّة نابعة من رحم دستور الجمهوريّة الثانية حول مكان تموقعه وحناجر الأغلبيّة تنادي بالنأي بالمؤسّسة الأمنيّة خصوصا وباقي المؤسّسات الحاملة للسلاح عموما عن مختلف التجاذبات والتناحرات السياسيّة. فحامل السلاح يلوح لنا تائها بين الائتمار بالأوامر وعدم التململ والتردّد في تطبيق التعليمات غير المقنّنة أو المكتوبة والمخالفة للقانون مرّات عدّة وبين الرغبة الكامنة داخله في القطع مع صورته المرتبطة بالماضي القريب واعتباره مجرّد خوذة وعصا غليظة في يد السلطة وقربانا يُنحر على موائد الساسة كلّما دعت الحاجة السياسيّة إلى ذلك ليبرز لنا حامل السلاح متأرجحا بين مطرقة التعليمات وسندان المحاكمات وهو ما تجلّى لنا واقعيّا في ما يعرف بملفّيْ شهداء الثورة وجرحاها وأحداث الرشّ بولاية سليانة، حيث انحصرت المسؤوليّة الجزائيّة مع احترامنا للقرارات القضائيّة في بعض الحلقات الضعيفة ليبرز المسدي للتعليمات وباعثها بمنأى عن التتبّع والمساءلة. ولعلّ أيضا الجدل القائم اليوم في ما بات يُعرف بقضيّة التآمر على أمن الدولة والاختلاف المسجّل بين أغلب القيادات الأمنية المتّهمة حول تلقّيها التعليمات من عدمه أو إسدائها باعتبارها مجرّد تعليمات شفاهيّة خير دليل على ذلك.
آراء ومواقف متباينة ومتداخلة بلغت حدّ التناقض أحيانا وذهب بعضها حدّ المطالبة بسحب مشروع قانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح ولكن أغلب هذه الآراء إن لم نقل جلّها إمّا غفلت أو تغافلت أو جانبت تشخيص الوضعيّة على أساس موضوعيّ. فأغلب المنيين الذين ينادون اليوم بالحماية القانونية أصبحوا يشعرون بحالة من التيه والضياع خاصّة مع ما سبق ذكره.
الملفت للانتباه صراحة هو أنّ أغلب من خاضوا في هذا القانون سقطوا في أتون التخوّف من هواجس الماضي القريب أي احتكموا إلى العاطفة واستبعدوا العقل وتناسوا أنّ رجل الأمن كان جزءا من معادلة سياسيّة شديدة وقمعيّة جارت عليه أيضا رغم أنّه أحد أدواتها. فمثلما اعتُمد الأمني عصا السلطة الغليظة وظّف الإعلام بوقا للدعاية واستُعمل القضاء سيفا سلّط على الرقاب، وبين هذا وذاك يتبيّن لنا بعد تمحيص وتدقيق أنّ السلطة السياسيّة ما كان لها أن تؤسّس لديكتاتوريتها وتألّهها إلاّ باعتماد نصوص تشريعيّة مفخّخة لضرب الأصوات الحرّة وإبادة كلّ بذرة من بذور التحرّر والأمل والتأمّل وهنا يُفهم الجدل القائم بخصوص القانون المذكور. فالمعترضون على تمريره يعبّرون صراحة عن خشيتهم من إمكانيّة استعمال هذا القانون كحقّ يُراد به باطل تسوّق له السلطة السياسيّة التي اقترحته على أنّه طوق النجاة للأمني في حين أنّه في اعتقادنا أحد أهمّ الحبال التي قد يتدلّى بها بمجرّد المصادقة عليه. وهذا ليس وليد فراغ إنّما يُستشفّ من مضمون القانون الذي يلوح لنا بعيدا كلّ البعد عن حماية الأمني من حيث تقنين التعليمات وتوفير الضمانات له لتوفير ظروف الحياة الكريمة لعائلته بعد استشهاده أو إصابته لا قدّر الله أثناء أدائه لوظيفه حيث بقي هذا الجانب يقتصر على بعض المبالغ الموزّعة والتي لا تفي بالحاجة.
كثيرون أيضا ذهبوا إلى أنّ المشرّع التونسي لم يغفل عن التنصيص على فصول ونصوص لحماية الموظّف العمومي إجمالا وهنا برز الحديث عن مدى شرعيّة استثناء الأمني وإفراده بقانون خاصّ نوعا من الحصانة له ولعائلته والإجابة وفق اعتقادنا تكمن في طبيعة مهامّ الأمني بدرجة أولى وتطوّر أنواع الجريمة وارتفاع منسوبها من ناحية وتجاوز الاعتداءات الممنهجة التي أصبحت تطاله لتبلغ الاعتداء والتعدّي على عائلات الأمنيين ومقرّات سكنهم وهي نقطة غفل عنها المشرّع ونصّ عليها مشروع القانون المقدّم. لذلك ارتأينا البحث وعثرنا على بعض النصوص ولكن بدت مهترئة ومحلّ نقد هي الأخرى بل إنّ البعض منها على غرار القوانين الأساسيّة المنظّمة لعمل القوات الحاملة للسلاح التي يستقيم وصفها بالبالية والمتآكلة.
المشرّع التونسي نصّ على حماية الموظف العمومي في المجلّة الجزائيّة
حماية رجل الأمن من جميع الاعتداءات فقد جاء بالقسم الثاني "في هضم جانب الموظفين العموميين وأشباههم ومقاومتهم بالعنف".
وقد جاء بالفصل 125 من المجلة الجزائية "يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من يهضم جانب موظف عمومي أو شبهه بالقول أو الإشارة أو التهديد حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها"
كما نصّ الفصل 127 من هذه المجلة صراحة على "يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها اثنان وسبعون دينارا كل من يعتدي بالضرب الخفيف على معنى الفصل 319 من المجلة على موظف عمومي أو شبهه حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها".
ويكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا إذا كان العنف من النوع المقرر بالفصل 218 من هذه المجلة...."
كما جرّمت المجلة الجزائية في بابها الرابع "في الاعتداء على السلطة العامة الواقعة من أفراد الناس" حيث نص الفصل 116 م.ج "يعاقب بالسجن مدة 6 أشهر وبخطية قدرها ثمانية وأربعون دينارا كل من يعتدي بالعنف أو يهدد به للتعسّف على موظف عمومي مباشر لوظيفته بالوجه القانوني.... ويكون العقاب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا إذا كان الجاني مسلحا".
وورد أيضا بالمجلّة الجزائيّة "يكون العقاب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائتا دينار إذا كان العصيان واقعا من أكثر من عشرة أفراد بدون سلاح وإذا كان شخصان على الأقل من الأشخاص المذكورين مسلحين فالعقاب المستوجب لجميعهم هو السجن مدة ستة أعوام".
2- تعديل النصوص الجزائية
ما نلاحظه من أحكام فصول المجلة الجزائية في ما يتعلق بالاعتداءات على الموظفين العموميين أنها نصوص كافية لحماية الجميع من خلال زجر الاعتداءات ولابدّ من مزيد مراجعتها وتنقيحها.
الفصل الثاني: الدوافع الخفية
هذا المشروع من القانون يحمل في طياته نبرة زجرية مبالغ فيها وقد جاءت عباراته مبهمة وغامضة وما يجعلنا نشعر بالخوف هو كلما جاءت عبارات النص عامة في القانون يكون هناك تهديد للحريات وهو ما يوحي بالضرورة بوجود رغبة جامحة في مزيد توظيف الأمني وإقحامه في اللّعبة السياسيّة واعتماده لخدمة الأجندات الخاصّة والضيّقة بما يتنافى ومفهوم الحامل للسلاح باعتباره عون تنفيذ وإنفاذ للقانون مناط بعهدته تطبيقه بما يكفل حماية الحقوق والحريّات والممتلكات العامّة والخاصّة وفق ما تنصّ عليه النصوص والقوانين والمواثيق والمعاهدات الدوليّة.
أسرار الأمن الوطني أو ضرب حقّ النفاذ إلى المعلومة وتكريس ثقافة الإفلات من العقاب
بالرجوع إلى فصول هذا القانون (الباب الثاني: الاعتداء على أسرار الأمن الوطني) فإن أغلبها يجرم كل شخص يكشف عن وثائق أو معلومات أمنية باعتبارها تندرج ضمن الأسرار المهنية وفق مشروع القانون بل إن كل شخص يتعمد ذلك-حتى من منطلق كشف الحقيقة- يعاقب عقوبة بدنية ومادية (10 سنوات و50 ألف دينار).
سنكشف هنا عن أهم الوثائق التي سربت من وزارة الداخلية بعد الثورة والتي اعتبر البعض منها نقطة فاصلة في تاريخ البلاد والتي كشفت تقصيرا إن لم نقل تواطؤ بعض القيادات الأمنية وحتى السياسية وقد يذهب القارئ إلى اتّهامنا بتبرير التسريبات والحثّ عليها والحال أنّ طرحنا لهذه النقطة يأتي من منطلق اعتبار المعلومة حقّ والنفاذ إليها لا يعتبر جريمة كما أنّه وقع إحداث هيئة دستوريّة تعنى بحقّ النفاذ إلى المعلومة وهنا يُطرح الإشكال بين صلاحيات الهيئة الدستوريّة المنبعثة من أجل رعاية حقّ وبين مضمون قانون يعلن صراحة وأده لهذا الحقّ وهو ما يؤكّد على عدم دستوريّة هذا القانون وعدم ملاءمته مع ما يفرضه الواقع ويرنو إليه الأمني الذي يراد تصويره على أنّه متعطّش لمربّع الغطرسة واسترداد الهيبة المفقودة بالعودة للزجر في حين أنّ هذا الأخير ليس بساع بل ومطالب باسترجاع هيبته ولكن من رحم القانون وإليه القانون القادر على حمايته والمدعّم لنجاعة تدخّله والضامن للحقوق وخاصّة الحائل دون تحوّل الحريّة إلى تسيّّب وهمجيّة.
وثيقة اغتيال البراهمي
تعد وثيقة "اغتيال البراهمي" من أهم الوثائق المسربة من وزارة الداخلية باعتبارها كشفت تقصيرا بل تواطؤا صارخا لقيادات أمنية تعمدت إخفاء هذه الوثيقة التي لو تم التعامل معها بجدية وفي الإبان لتفادينا جريمة الاغتيال.
وتمثل هذه الوثيقة إشعارا وجهته وكالة الاستخبارات الأمريكية إلى إدارة الأمن الخارجي التابعة لوزارة الداخلية مفاده إمكانية اغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي (قبل 11 يوما من عملية الاغتيال).
ومنذ تسريب الوثيقة تراشقت بعض القيادات الأمنية بالتهم في محاولة للتنصل من المسؤولية حتى أن وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو أكد عدم علمه بالوثيقة وأمر بفتح تحقيق داخلي كانت نتيجته تجميد بعض القيادات الأمنية دون تحميل المسؤوليات في التقصير بصفة مباشرة وصريحة.
بالمقابل وقع تحميل المسؤولية لكل شخص اشتبه في تسريبه للوثيقة والتعامل معه كمتهم ومحاسبة من سرب والتغاضي على من قصّر.
في حين نوهت عديد الشخصيات الوطنية والقيادات السياسية من مختلف أحزاب المعارضة آنذاك بمسرب الوثيقة ووصف ب"الوطني"، حتى أن حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل توجه في مداخلة له بجزيل الشكر لمسرب الوثيقة التي كشفت علم الجهات المسؤولة مسبقا باستهداف الشهيد محمد البراهمي.
هذه الوثيقة التي ساهمت في كشف جزء هام من الحقيقة تم بمقتضاها فتح تحقيق قضائي وسماع أبرز القيادات الأمنية آنذاك من بينهم المدير العام للمصالح المختصة السابق محرز الزواري والذي أكد لدى استنطاقه بأن الإشعار بإمكانية اغتيال النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي لم يرد فقط من وكالة الاستخبارات الأمريكية بل ورد كذلك من المخابرات الجزائرية.
في اغتيال شكري بلعيد...
أما في ما يخص قضية اغتيال شكري بلعيد فقد تعددت الوثائق والمعلومات والتي كشفت كذلك تقصير قيادات أمنية في التعاطي مع المعلومات الأمنية وهو ما دفع محكمة التعقيب إلى نقض قرار ختم البحث لما اعتبرته تقصيرا لبعض القيادات الأمنية في التعاطي مع وثائق لو تم التعاطي معها بجدية وكشفها في الإبان لكان من الممكن تفادي جريمة الاغتيال أو كشف مخططي ومنفذي الجريمة.
ومن بين الوثائق المسرّبة التي تعلقت بقضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد الوثيقة التي أثبتت تورط قيادات أمنية في تهريب عناصر مشاركة في اغتياله أو تهاونت في إيقافهم.
وقد أكدت هذه الوثيقة أن المتشدد مروان بالحاج صالح تردد بالقرب من منزل شكري بلعيد قبل اغتياله بأسبوع.
وبالرغم من علم وزارة الداخلية بالتهديدات التي طالت شكري بلعيد إلا أنه لم يتم التعاطي مع هذه المعلومات بجدية وبصورة إيجابية ويذهب البعض إلى أن التعامل السلبي مع هذه الوثيقة كان متعمدا.
ونتيجة لذلك فقد تمكن مروان الحاج صالح من الهروب إلى القطر الليبي ثم إلى سوريا أين قتل خلال شهر جوان 2013 .
كما تم الكشف عن معلومة مفادها تواجد السيارة التي تم استغلالها في عملية رصد منزل الشهيد شكري بلعيد بجهة الوردية إلا أنه لم يتم التعامل مع المعلومة بجدية حيث لم تدرج بصفة آنية بالتفتيش ولم يتم جلبها إلا بعد مرور أيام وهو ما تسبب في إتلاف العديد من الأدلة كالبصمات.
عملية نبر بالكاف
العملية الإرهابية التي شهدتها منطقة نبر من ولاية الكاف والتي استهدفت شاحنة تابعة لقوات الجيش الوطني (خلال شهر نوفمبر الفارط) وتسببت في استشهاد عدد من الجنود كشفت وثائق استخباراتية تقصير قيادات أمنية. حيث أثبتت التقارير أنه بعد يوم واحد من العملية تواجد عدد من العناصر الإرهابية (بزي عسكري) بمسرح الجريمة أين كانوا يستوقفون سيارات الأجرة للبحث عن أعوان الأمن والجيش الوطنيين ويقومون بتفتيش السيارات المارة. وقد تبين أن من بينهم الليبي أنس بن فرج بن عبد السلام حوتي ويكنى ب "أبو عامر البنغازي" وحكيم بن حسن الحزي وهو قائد المجموعة.
وبالرغم من توفر هذه المعلومات إلا أن التعليمات الكتابية الصادرة عن مدير الإقليم اقتصرت على ضرورة الترفيع في درجات اليقظة والانتباه وتكثيف الرقابات الترتيبية دون أن تصدر أي تعليمات ميدانية.
كما أكد تقرير استعلاماتي ورد بعد ثلاث أيام من عملية نبر تحصن المجموعة الإرهابية التي نفذتها بأحد المنازل بجهة المحاسن المحاذية لمكان الحادثة.
وقد نبه التقرير ذاته من اعتزام المجموعة الإرهابية الهروب فجر يوم 8 نوفمبر رفقة رعاة أبقار وأغنام أصيلي الجهة نحو المراعي القريبة من الجبال.
وأشار إلى وجود سيارة نوع ايسيزي بيضاء اللون دون لوحات منجمية مخبأة بنفس المكان الذي تحصنت به العناصر الإرهابية الفارة. وبالرغم من تواجد هذه المعطيات إلا أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء يذكر.
مراسلة بن جدو
تسريب مراسلة وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو التي أرسلها إلى رئيس الحكومة السابق علي العريض بتاريخ 18 جويلية 2013 كشفت بدورها عن تساهل السلطة القضائية مع 432 عنصرا متشددا اعتبرهم مورطين في قضايا إرهابية وتم إطلاق سراحهم بعد عرضهم على القضاء.
وقد صاحب مراسلة بن جدو كتيبا تضمن أسماء هذه العناصر مصنفة حسب الولايات.
كما كشفت مراسلة بن جدو تورط محامين في الضغط على السلطة القضائية وذكرت أسماءهم ("ص.ح" و"ض.م" و"ب.ط" و"ب.ش" و"ا.ا" و"س.م" و"س.ط" و"ا.ح") واعتبرهم منخرطين ضمن هذه المنظومة.
وتحدث بن جدو عن وجود ضغوطات تمارس على القضاة وتدفعهم للتساهل مع العناصر السلفية المورطة في قضايا عدلية وذلك من خلال تكرر الاعتداءات على المحاكم بكامل تراب الجمهورية بما في ذلك تعرض مقر محكمة سيدي بوزيد 2وتونس 2 والقصرين للحرق.
فضلا عن حرق منازل عدد من القضاة كمنزل رئيس محكمة التعقيب "إبراهيم الماجري" ومنزل قاضي التعقيب "عبد الخالق مستورة" بعد تهديده.
وأشار وزير الداخلية في مراسلته إلى وجود تهديدات مباشرة وغير مباشرة طالت بعض القضاة من بينهم القاضي "فوزي الجبالي" والقاضيتين "روضة العبيدي" و"كلثوم كنو" وقاضي التحقيق أول بصفاقس "لمياء كمون".
وحذر من ممارسات هؤلاء المحامين سواء منهم المتبنين للفكر السلفي أو المتعاطفين معه واعتبرهم يمارسون ضغوطات على السلطة القضائية من خلال مواقفهم الحادة واتهام القضاة بخدمة السلطة التنفيذية وتجاوز القانون وخدمة أجندات معينة هذا إلى جانب ترهيبهم والتشهير بهم في بهو المحاكم لوضعهم في موقف ضعف.
ولم تستثن مراسلة وزير الداخلية السابق بعض الجمعيات الحقوقية على غرار "حرية وإنصاف" والتي اعتبرت أنهم يمارسون نوعا من الضغط المعنوي على القضاة مع تحريض المساجين من أتباع التيار السلفي على الدخول في إضرابات جوع.
وتحدثت المراسلة ذاتها عن استياء البعض من قادة الأحزاب السياسية والمواطنين من مسألة تكرر إطلاق سراح المتهمين المورطين في قضايا ذات صبغة إرهابية.
ودعا وزير الداخلية لطفي بن جدو السلطة القضائية إلى ضرورة تطبيق القانون على هذه العناصر بأكثر صرامة بهدف حماية أمن المواطن وهيبة الدولة.
ونصت مراسلة وزير الداخلية على جملة من المقترحات من أهمها الإسراع في فض إشكالية قانون الإرهاب (2003) وتعديله، إلى جانب ضرورة توفير الحماية الأمنية للقضاة المكلفين بقضايا الإرهاب وضرورة وضع خطط محكمة من شأنها أن توفر حماية للسلك القضائي ومقراته من "الاختراقات" بالإضافة إلى ضرورة اعتماد أسماء مستعارة للمشرفين على البحث في القضايا الإرهابية (الباحث الابتدائي).
الوثائق الخاصّة بفرقة حماية الطائرات بمطار تونس قرطاج
حيث كشفت الوثائق المسرّبة بعد أيام من اغتيال الشهيد شكري بلعيد من فرقة حماية الطائرات بمطار تونس قرطاج عن وجود مكتب للدراسات والتكوين بهذه الفرقة مهمّته الإشراف على تكوين الأمن الموازي وتدريبه وقد أشرف على تأسيس هذا المكتب في تلك الفترة كلّ من الإطار الأمني المظنون فيه في قضيّة اغتيال الشهيد محمد البراهمي والصادرة في حقّه بطاقة إيداع بالسجن عبد الكريم العبيدي والمدير العام للمصالح المختصّة محرز الزواري ومحافظ المطار السابق فتحي بوصيدة الذي يشغل في هذه الفترة خطّة ملحق أمني بسفارة تونس بمصر.
حماية المسربين
مثل هذه الوثائق وغيرها لو لم تسرب لما تم الكشف عن وجود إخلالات وتقصير في الأداء الأمني بل إن تسريبها لم يساهم فقط في السعي إلى كشف الحقيقة وإنما في الدفع للمطالبة بإصلاح المنظومة الأمنية وتحييدها وبالتالي فإن مشروع هذا القانون كان من الأجدر أن يتضمن فصولا من شأنها أن توفر الحماية القانونية لكل شخص يتقدم بمعلومة أو وثيقة إلى حاكم التحقيق والتعهد بحماية هويته وفي صورة التعرف عليه وجبت حمايته من الهرسلة الإدارية أو تجميد مساره المهني.
بل إن تضمين مثل هذه الفصول القانونية بات ضروريا باعتبار أن السلطة القضائية ليس لها الحق في النفاذ والاطلاع على عمل الجهات الأمنية المختصة والمعلومات الاستخباراتية والمعلومات التي تحت تصرف باحث البداية والتي من الممكن بقرار سياسي تغييرها أو إعدامها أو إخفاؤها أو إتلافها أو حتى إخفاء جزء منها.
نوعان من الوثائق
من المهمّ بعد أن رصدنا أهم الوثائق الأمنية المسرّبة وتداعياتها، أن نتعرّف على طرق تصنيفها، والتداعيات القانونية لكشفها.
إن الوثائق التي ترد على وزارة الداخلية أو التي تتداول داخل أسوار هذه الوزارة وبجميع المقرات الأمنية نوعان:
- وثائق تهم الأمن القومي والعلاقات مع الدول: وهي جميع المعلومات والمخططات الاستخباراتية والتي من شأنها أن تساعد على ضمان حسن إنجاز ونجاعة المهام الأمنية. ويتميز هذا النوع من الوثائق أو المعلومات بطابعه السري المطلق خاصة وأن كشفها من شأنه أن يكشف مصادر الدولة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
أما إذا ما ارتبطت هذه المعلومات أو الوثائق بالحق في الحياة (كالوثائق المتعلقة باغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي) فإنها يمكن أن تفقد شيئا من صبغتها السرية (كشفها للسلطة القضائية) بهدف إنارة العدالة والكشف عن تقصير أو تواطؤ بعض الجهات الذي قد تنتج عنه جريمة إرهابية أو إزهاق أرواح بشرية.
- وثائق تهم السير الداخلي للمرفق العام الأمني: وهي من الوثائق التي تتميز كذلك بطابعها السري باعتبار خصوصية الجهاز وطابعه السري وبالتالي يمنع منعا باتا على جميع أعوان الأمن كشفها نظرا لكون إمكانية تسريبها قد تتسبب في كشف المخططات الأمنية وإفشالها. علما وأن هذا النوع من الوثائق يخضع لما يعرف بالسر المهني.
السر المهني
ويسحب السر المهني على العمل الأمني ككل، سواء العادي (التسيير الداخلي للمهام الأمنية) أو الاستخباراتي أو الأمن العام (وزارة الداخلية والأداء الأمني)، إلا أنه يخضع لحدود حسب النصوص القانونية للمجلة الجنائية أو النصوص الخاصة لقانون الإرهاب علما وأنه في صورة وجود قضية عدلية جارية أو تحقيق مفتوح بإذن من النيابة العمومية فإن كل عون عمومي - بما في ذلك العاملين على إنفاذ القوانين (الأمنيين)- بحوزته وثيقة أو معلومة من شأنها أن تنير العدالة وجب عليه تقديمها إلى القضاء لتفادي التورط في ما يعرف بجريمة إنكار العدالة أو التستر على جريمة (عادية أو إرهابية) أو المشاركة السلبية في جريمة والتي تشمل حالات الإخفاء أو الصمت أو التستر أو الإتلاف أو الإعدام (الركن المادي لإثبات التورط في هذه الجرائم).
مصطلحات مبهمة وغير دقيقة
نماذج لبعض المفاهيم التي وردت في سياقات عامّة دون تدقيق
1 - أسرار الأمن الوطني
يعرّف الفصل الرابع من نص مشروع القانون أسرار الأمن الوطني على أنّها «جميع المعلومات والمعطيات والوثائق المتعلّقة بالأمن الوطني» وهو تعريف عمومي تنقصه الدقّة والتحديد كما يجعل مفهوم السريّة (حسب صياغة النص) يشمل جميع الوثائق الحكوميّة والوثائق أو المعطيات التي تشمل وزارات السيادة. التعريف لا يستثني حتى الوثائق أو المعطيات المتحصّل عليها بصفة رسميّة.
2- العمليات الأمنيّة
يخضع مشروع هذا القانون بنص فصله السابع التصوير أو مسك أدوات تصوير أو الأجهزة الهاتفيّة أو آلات التسجيل أو أي تجهيزات استقبال إذاعي وتلفزي في «مواقع العمليات الأمنية» إلى ترخيص مسبق ولكن دون أي تعريف دقيق لما يمكن اعتباره عمليات أمنية تستوجب السريّة مما يسحب المفهوم على عمليات تفريق المظاهرات أو حتّى تأمينها وعمليات التتبّع والمراقبة التي لا يمكن أصلا العلم بحدوثها لسريّتها وغيرها من العمليات التي يعد منع تصويرها دون ترخيص حقا بديهيّا.
3- العربات
يمتد إخضاع التصوير إلى ترخيص إلى حد العربات التابعة للوحدات الأمنيّة دون تحديد ليشمل المفهوم العربات المدنيّة التي تخلو من أي إشارة ظاهرة مما يجعل من مجرّد حمل آلة تصوير في أي مكان جريمة موجب للعقوبة.
4- التحقير
يجرّم الفصل 12 من مشروع هذا القانون تحقير القوّات المسلّحة دون إضافة أي تعريف دقيق لمفهوم التحقير ليترك المجال مفتوحا لاعتبار أي تعبير نقدي للقوات المسلحة شكلا من أشكال التحقير.
التعدّي على حرية التعبير والصحافة
1- أسرار الأمن الوطني
يقوّض تعريف «أسرار الأمن الوطني» الوارد في الفصل الرابع وتحديد عقوبة سجنيّة لذلك بنص الفصلين الخامس والسادس أبسط مقوّمات حريّة العمل الصحفي ويلغي إمكانيّة النفاذ إلى المعلومة وكلاهما حق دستوريّ.
2- التحقير
ترك مفهوم التحقير دون ضبط دقيق لهذا المصطلح يجعل من أي عمل صحفي أو تعبير عن رأي يعتبر نقديّا ضد القوّات المسلّحة جريمة عقوبتها السجن مدة عامين وخطيّة ماليّة قدرها 10,000 دينار.
3- التصوير
إخضاع التصوير إلى ترخيص مسبّق وفرض التراخيص على النشر حتى في حال وجود ترخيص للتصوير هي رقابة مقنّنة.
مشروع قانون مخالف لمبادئ الدستور
يضمن الدستور حرية الفكر والنشر والإعلام والنفاذ إلى المعلومة
يحمل مشروع قانون زجر الاعتداءات طابعا زجريا مفرطا لا يتلاءم مع الحقوق والحريات الواردة بالدستور وفي مقدمتها حرية التعبير المكسب الوحيد الذي ناله الشعب من الثورة.
وقد نص الفصل 31 من الدستور "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات".
كما نص الفصل 32 من الدستور "تضمن الدولة الحق في الإعلام والحق في النفاذ إلى المعلومة وتسعى الدولة إلى ضمان الحق في النفاذ إلى شبكات الاتصال".
تهديد المساواة بين المواطنين
يساوي الدستور التونسي بين جميع التونسيين والتونسيات في الحقوق والواجبات دون أي تمييز وذلك حسب الفصل 21 الذي ينص "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز".
"تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم".
المس من حق الحياة
يمنح الدستور الحق في الحياة والحرمة الجسدية حسب الفصلين 22 "الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به الا في حالات قصوى يضبطها القانون".
و23 "تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي".
في المقابل يمنح مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين "الحصانة" القانونية لرجل الأمن الذي تسبب في إطار عمله في إصابة أو قتل أحد المواطنين وذلك بإعفائه من أية مسؤولية جزائية وجاء هذا التنصيص في الفصل 18 من هذا المشروع: "لا تترتب أية مسؤولية جزائية عن عون القوات المسلحة... في إصابة المعتدي أو في موته".
هناك مبالغة مفرطة في وضع العقوبات التي تصل حد السجن عشر سنوات أو حتى مدى الحياة مقارنة ببعض التهم التي تعتبر غير خطيرة كالاعتداء على عربة أو سيارة رجل أمن أو التهديد دون الفعل أو غيرها من الجرائم.
هذا القانون من شأنه أن يخلق حالة من الصراع بين المواطنين والأمنيين ينتج عنها تهديد للنظام العام.
مشروع القانون يراجع بالتشديد عقوبات مدرجة بالفعل في قوانين موجودة وجاري بها العمل:
1-الدخول إلى مباني غير مفتوحة
مشروع القانون يشدّد في عقوبة جريمة الحق العام المتعلّقة بالدخول عنوة لمحل الغير لتشمل التجهيزات والعربات والآليات البريّة والبحريّة والجويّة والأراضي المسيجّة وغير المسيّجة بمجرّد وجود علامة ظاهرة.
2- تعطيل حريّة الخدمة
يقر الفصل 136 من المجلّة الجزائيّة عقوبة لجريمة تعطيل الخدمة في حين يذهب الفصل 11 من مشروع هذا القانون إلى تجريم حتى السير العادي للعمل، وبأي وجه من الأوجه، بالمؤسسات والمنشآت التابعة للقوات المسلحة دون تعريف دقيق لمصطلح «السير العادي» ولا لكيفيّة التعطيل.
3- الإضرار عمدا بملك الغير
يحوّل نص الفصل 13 من مشروع هذا القانون جريمة الإضرار عمدا بملك الغير من مجرّد جنحة كما ورد في الفصل 304 من المجلّة الجزائيّة إلى جريمة عقوبتها السجن مدى الحياة.
4- التهديد
يحوّل الفصل 15 جريمة التهديد وهي جنحة بسيطة حسب الفصل 222 من المجلّة الجزائيّة إلى جريمة موجبة لعقوبة ب5 سنوات إذا كان المستهدف عون أمن أو قرينه أو أحد أصوله أو أحد فروعه أو أي شخص تحت كفالته القانونيّة وذلك لمجرّد صفته. هذا المستوى من الحماية لا تتمتّع به عائلات نوّاب الشعب المنتخبون أو رئيس الجمهوريّة نفسه.
مخالفة مشروع القانون للمواثيق والمعاهدات الدولية
هذا التشديد في العقوبات منافٍ لما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الانسان وتحديدا الفصل29 منه وبالتالي هذا القانون لا يحمي الحريات بل يقمعها ويبالغ في زجريتها.
هذا القانون مخالف للنصوص الإقليمية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأساسية لحماية حقوق الإنسان والحريات.
ما تقوله المعاهدات إن الحقوق الأساسية التي تؤثر مباشرة على وسائل الإعلام هي حرية الرأي والتعبير والمعلومات التي يتم التعبير عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. في المادة 19 "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والافكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية".
أبرز القوانين التي تعنى بالقوات الحاملة للسلاح
- القانون عدد 70 لسنة 1982 مؤرخ في 6 أوت 1982 المتعلق بضبط القانون الأساسي العام لقوات الأمن الداخلي. (قانون بصدد المراجعة)
- القانون عدد 4 لسنة 1969 والمؤرّخ في 27 جانفي 1969.
- القانون عدد 46 لسنة 2005 والمؤرخ في 6 جوان 2005 المتعلّق بالمصادقة على إعادة تنظيم بعض أحكام المجلّة الجنائية وتنظيمها وصياغتها ومنها الفصول 125 و126 و127 و128 التي تجرّم فعل "هضم جانب موظّف".
- الأمر عدد 784 لسنة 1984 المؤرخ في 30 أفريل 1984 المتعلّق بضبط النظام الأساسي الخاص بإطارات وأعوان الأمن والشرطة.
- الأمر عدد 406 لسنة 1972 المؤرخ في 21 ديسمبر 1972 المتعلّق بضبط النظام الأساسي الخاص بأعوان الحرس الوطني.
- الأمر عدد 250 لسنة 1975 المؤرخ في 25 أفريل 1975 المتعلّق بضبط النظام الأساسي الخاص بأعوان الحماية المدنية.
- الأمر 220 لسنة 1973 المؤرخ في 19 ماي 1973 المتعلّق بضبط النظام الأساسي الخاص بأعوان السجون والإصلاح.
- المرسوم 69 من مجلّة المرافعات والعقوبات العسكريّة.
- المرسوم عدد 70 لسنة 2011 المؤرخ في 29 جويلية 2011 المتعلّق بالنظام الأساسي العام للعسكريين.
بعد كلّ ما سبق ذكره يمكننا أن نستخلص أنّ حماية القوات الحاملة للسلاح ضرورة ملحّة وأنّ مشروع القانون المقدّم يتطلّب كثيرا من التعديل في عدد من فصوله التي تهدّد صراحة الحقوق والحريّات وتكشّر عن أنيابها لنسف المكتسبات المتحقّقة على مستوى حريّة الإعلام كما نستخلص أيضا أنّ واقع الإدارة التونسية عموما والمؤسّسة الأمنية خصوصا باعتبارها العمود الفقري المكرّس للقانون والضامن للحرّيات في حاجة حتميّة لثورة تشريعيّة وهيكليّة. كما أنّ هذا الجدل المرافق لما يعرف بقانون زجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسلاح وأزمة التسيّب التي أضحت تهدّد التجربة الديمقراطيّة التونسيّة تدفعنا إلى مراجعة أطر التفكير والنقاش والمصطلحات والآليات لكي نتمكّن من الرقيّ بواقعنا على أساس واع وتشاركي وحواريّ بنّاء بعيدا عن التخوين والأحكام الجاهزة وعُقد الماضي وأحقاده وتراكماته التي تستوجب هي الأخرى النبش في بعض إيجابياتها من منطلق اعتبار أنّ الإنسان ثلاثيّ الأبعاد ذكريات ماضية.. علاقات حاضرة وطموحات مستقبليّة. فالأنظمة تزول ولكن تستمرّ المؤسّسات ويبقى كيان الدولة الذي تحدق به الأخطار ويتربّص به المشروع الظلامي والثقافة الدخيلة التي تسعى إلى ضرب التماسك المجتمعي وهو ما يضعنا أمام تنمية الشعور بالحسّ الوطني وتغذية عقيدة الانتماء والبذل للحفاظ على وطن قد نبكيه بحرقة ولكنّنا لن نستردّه إذا ما ضاع. ولن يضيع طالما أنّ هناك إرادة شعبيّة ترنو إلى الحريّة وتنبذ الفوضى في الآن ذاته ومخلصون يصدقون ما عاهدوا الله عليه ويطلبون الشهادة في سبيل الذود عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.