لا أحد بإمكانه اليوم أن ينكر النتائج الكارثية التي خلفها النظام السياسي البرلماني المعتمد على وضع البلاد الاقتصادي و المالي والسياسي و عجز الحكومة عن اتخاذ القرارات الضرورية لادارة البلاد إلى درجة كون الدعوة الى تنقيح الدستور لم تعد دعوة محتشمة بل أصبحت تتصدر أولويات و خطابات عدة أحزاب سياسية. و لا احد ينكر أن هذا النظام فرض علينا من جهات أجنبية الى حد ان العديد أكدوا تواجد اطراف تنتمي لسفارات أجنبية تحت قبة البرلمان يوم التصويت على دستور 2014. و المفزع في الأمر أن نفس هذا النظام هو نفس النظام الذي سرب في "وثيقة واشنطن" المعدة من خمس دول هي امريكافرنسابريطانيا والاْردن والسعودية و التي تتحدث عن صياغة دستور للدولة السورية وهو نظام أساسه نظام برلماني لا يتمتع فيه رئيس دولة إلا بصلاحيات رمزية فهو لا يعيّن رئيس الحكومة و لا يحق له حل البرلمان مع صلاحيات واسعة للمحافظات أو الجهات تحت مسمى الحكم اللامركزي. نفس هذا النظام هو المتبع اليوم في تونس و العراق و على نفس المنهج سيكون النظام السياسي في كل من اليمن و ليبيا أي في كل دول الربيع العربي. نفس الشيء إعتمدناه في قانوننا الإنتخابي الذي هدف إلى تشتيت السلطة بين عدة أطراف متنافرة يصعب معه تنفيذ أي برنامج انتخابي لأي حزب بعينه مهما علا شأنه و الغريب في الأمر أننا لم نتعظ من هذا الفخ المنصوب في الدستور و في النظام الانتخابي المعتمد في الانتخابات التشريعية بل أعدنا تكريسه مرة ثانية في قانون 14 فيفري 2017 المتعلق بالانتخابات البلدية وهو نظام الانتخاب بالقوائم مع إعتماد أكبر البقايا، وهذا النظام سيفرز لنا طبعا صورة مشابهة للبرلمان بحيث أن جل الأحزاب وحتى القائمات المستقلة ستتواجد داخل المجالس النيابية بنسب لا تخول لأحدها أن يقود السفينة دون أن يخضع للعبة التوافقات والبيع و الشراء مع أحزاب و أطراف تتنافر معه شكلا و مضمونا. والنتيجة بطبيعة الحال ستكون كارثية دون أن يتحمل أحد غير ذاك المواطن المسكين مسؤولية هذا الفشل. لكن ما يزيد الطين بلة أن البرلمان اليوم بصدد مناقشة مشروع مجلة الجماعات المحلية وهذا المشروع الذي في ظاهره يهدف لتركيز السلطة المحلية هو في الحقيقة تكملة لمجموعة نصوص بدء بالدستور ثم النظام الانتخابي هدفها زعزعة اركان الدولة فهو و حسب الخبير الدكتور رضا جنيح ينطوي على عدة مخاطر تهدد بزعزعة أركان الدولة و تحتم التريث في سنه لكونه: 1/ نظام مسقط لا ينسجم مع خصوصية الدولة التونسية الموحدة دينا و عرقا و تاريخا و لغة وهو مستمد من تجربة دول شمال اوروبا وهي دول اتحادية او جهوية تتسم بوجود تجمعات بشرية لها خصوصيات تفرض الاعتراف لها بسلطة محلية متحررة 2/ أن جعل البلديات تغطي كامل التراب التونسي هو مضيعة للوقت و للمال و متعارض مع طبيعة الوطن التونسي ضرورة ان 61 بالمائة من التراب التونسي يتكون من صحاري و غابات و اودية وهي لا تصللح للعمران و غير مسكونة بتاتا 3/ ضرب المركزية يساهم في اعادة احياء النزاعات القبلية و العشائرية 4/ النظام الانتخابي المعتمد على نظام القوائم مع اعتماد اكبر البقايا ستتشكل منه مجالس غير منسجمة من حيث التركيبة و لن يتمكن احد من اخذ القرار. 5/ ضعف موارد الدولة لدعم 350 بلدية جلها يفتقد لاي موارد متاتية من الجباية المحلية. و لسائل أن يتساءل بعد كل هذا: هل أننا حقا بصدد تركيز نظام جديد لدولة عصرية أم نحن فقط بصدد تنفيذ أجندة خفية لهدم الدولة دون أن نعلم؟