الأكيد أن النظام الانتخابي ويتبعه النظام السياسي الهجين الذي تم اعتماده في دستور 2014 ركز دولة الأحزاب على حساب الدولة الوطنية، فهذا النظام هو في الحقيقة يخدم مصلحة الأحزاب على حساب مصلحة الوطن بفرضه نظاما يفرز حكومة لا يمكن لحزب واحد أن يسيرها وان ينفذ فيها برنامجه الانتخابي. فعمليا يستحيل على اي حزب مهما علا شأنه أن يفوز بأغلبية مريحة تأهله لتشكيل حكومة لوحده بل عليه أن يلجأ للائتلاف والتوافق بينه وبين أحزاب تتنافر معه ايديولوجيا و ثقافيا بما يستوجب تنفيذ برامج متعارضة شكلا ومحتوى و تشكيل حكومة اعضاؤها غير متحدين وفي بعض الأحيان متناحرين. هته التجربة الفاشلة في اختيار نظام سياسي وانتخابي فاشل لم نتعظ منها بل تعمدنا تكريسها مجددا في الانتخابات البلدية عند تنقيح القانون المتعلق بالانتخابات و الاستفتاء في فيفري 2017. فهذا القانون كرس نفس النظام الانتخابي المعتمد في الانتخابات التشريعية وهو نظام التصويت على القوائم بإعتماد أكبر البقايا. والاكيد ان أحزاب الأغلبية داخل البرلمان لم تختر هذا النظام جهلا و عدم معرفة بعواقبه الكارثية بل تعمدت اختياره لكونه النظام الوحيد الذي يضمن لها البقاء و السيطرة على المجالس البلدية رغم فشلها الذريع في ادارة الحكم وهو ايضا النظام الوحيد الذي يقطع الطريق امام اي حزب آخر يحاول الصعود وافتكاك الزعامة منها. بإختصار إختارت أحزاب الأغلبية البرلمانية الفوضى و خلط الأوراق و تشويه المشهد السياسي للبقاء في المرتبة الأولى ولو كلفها الأمر تدمير ما تبقى من هذا الوطن، وهنا بالضبط تكمن خطورة دولة الأحزاب ومعاداتها للدولة الوطنية. فأحزاب الأغلبية ستحاول توريط كل مكونات المجتمع وتشريكهم في فشلها فقوائمها الإنتخابية ستكون مزيجا هجينا من المتناقضات نصف أعضائها من الكوادر الحزبية و النصف الآخر من المجتمع المدني وسنشاهد التقدمي ضمن قوائم النهضة كما سنشاهد الاسلامي ضمن قوائم النداء كما سنشاهد المستقل داخل القوائم الحزبية بل و المتحزب داخل القوائم المستقلة لقاء تمويل حملتها الانتخابية. سيقع خلط كل الأوراق و سنخرج بقوائم ضبابية لن يستطيع أحد أن يفرق بينها لا سياسيا و لا مذهبيا والنتيجة هو اشتراك كل التونسيين في تحمل نتيجة فشل محتوم، فلن يستطيع أحد أن يحمل الآخر مسؤولية هذا الفشل. بإختصار ستكون النتيجة هي قناعة وطنية بكوننا جميعا فاشلين في مجتمع فاشل داخل دولة فاشلة وتلك هي سياسة التوزيع العادل للفشل. أما بعد الانتخابات فحدث ولا حرج فستكون نتيجتها على النحو التالي: _ ستتشكل مجالس بلدية عبارة عن مزيجا غير متجانس من الأعضاء وستتوالى الاستقالات بمجرد التصويت على من سيترأس البلدية فجل رؤساء القوائم الانتخابية لا تعنيهم العضوية بقدر اصرارهم على التمسك بالرئاسة، كما ان كل أقلية لن تقبل أن تذعن لأحكام أغلبية تعتبرها ايديولوجيا و مذهبيا عدو سياسي، هذا بالطبع علاوة على شراء أصوات بالمال لقاء الفوز بالرئاسة. _ و على المستوى الجهوي فستتداخل الصلاحيات بين هو موكول للمجلس البلدي و ما هو موكول للمجلس الجهوي كما سنشهد صراعات كبيرة بين هته المجالس البلدية و الادارات العمومية و الحكومية و أولها الادارات الجهوية للتجهيز. _ أما على المستوى الوطني و بالنظر لضعف الدولة و افتقارها للأموال الضرورية لتمويل البلديات فسنشهد تناحرا و حرب استنزاف بين المجالس البلدية و السلطة المركزية بين من يحمل الدولة مسؤولية اضعاف السلطة المحلية و ضرب اللامركزية وبين من سيحمل هته المجالس سوء ادارتها للشأن البلدي و سوء تصرفها في المال العام نتيجة قلة و ضعف خبرتها في الشؤون الإدارية. و النتيجة قد تكون أكثر من كارثية لأن هته الحرب ستغذي النعرات الجهوية و ستزيد من تفكك اللحمة الوطنية.