قرأتُ مقالا بالموقع حول التعليم لم يعد مهنة شاقة بل هو مهنة قاتلة.. و أنا أؤكد ذلك من موقعي و زملائي كذلك.. و لكن صدمتُ صدمة كبيرة جدّا و أنا أتابع التعليقات على الفايسبوك.. كلها استهزاء و تكذيب و تهجّم عنيف على المربّي.. من بين ما قالوا لو كانت مهنة شاقة ما درّستم ليلا نهارا الدروس الخصوصية.. و قد تحدّثوا كثيرا عن هذه الدروس.. فعلا في هذه عندهم الحق.. شخصيا لا أستطيع التدريس من س 13 إلى س 17 ( دروس عادية ) و أضيف بعدها دروس تدارك ( في المدرسة ) من س 17 إلى س 18 و 30 دق خاصة أنني سأحضر لها بكل جدية و من الغد عمل كذلك.. و في النهاية شدوا رواحكم في سابقة تاريخية أتحصل على 54 دينارا و 500 مي مقابل شهر لهذه الدروس !!!! و لم أفهم يخبروننا أن دروس التدارك و الدروس الخصوصية تدرّسان في المدرسة و لكن لكل واحدة ثمنها و لا يقترحون عليّ سوى دروس التدارك لأن الدروس الخصوصية الأغلى ثمنا محجوزة لغيري ! أما من بنى الديار و درس ليلا نهارا و أجبر التلاميذ على ذلك فلا بارك الله له.. و لكن هل كل الأساتذة كذلك ؟ هل كلنا يدرّس دروس تدارك ؟ ثم إن الأستاذ المتوفّى مات و هو مباشر للعمل و ليس بعد التقاعد.. و في النهاية زوروا الأطباء و اسألوهم عن أمراض الأساتذة خاصة في هذا العصر عصر التلميذ المشاغب غير المركّز بصفة عامّة و لا تستطيع في حالة عجز ( كما حكم المباراة أو الشرطي أو غيرهما ) أن تعاقب بل أنت الأستاذ من تخشى من تشكيات السيد التلميذ.. أردت أن أكتب و لكن لمن ؟ لمن لا يفهم ؟ لمن لا يقدّر ؟ لا يعرف صعوبة هذه المهنة إلا من يباشرها.. و في الابتدائي هناك تعاسة كبرى.. مقاربة بالكفايات لفظها أساتذة الإعدادي و الثانوي منذ 2004 و عمل بها المعلّمون الذين يعشقونها و النقابة التي لا تحرّك ساكنا.. هل استفاد التلميذ شيئا من تعقيدات هذه المقاربة الحقيرة التي أنجزها جامعيّون ؟ يا عيني.. رأيت الكيل بمكيالين بأمّ عيني.. تجريم إضراب أساتذة الثانوي الأسبوع الفارط و لا يحرّك الأولياء و لا الشارع ساكنا أمام إضراب " الجامعيّين " في فترة امتحانات ؟ يعني نفس التحرّك و في الجامعة أتعس و لكن هؤلاء لا يقترب منهم أحد.. كنتُ سعيدا جدا حين كتبتُ عن الجامعيّين في الموقع و لكن مهما تحدّثت فلم أقل شيئا ! الأساتذة في الابتدائي و الثانوي يصابون بكل الأمراض و فوقها مشتومون محسودون.. الزهايمر أو الخرف.. البحة في الحنجرة.. غزو الشيب للشعر..تساقط الشعر.. ضغط الدم و السكري.. الانفعالات و الضغوطات.. كل المهن هكذا.. عليكم أن تجرّبوا هذه المهنة بضمير.. و لهذا العلماء ورثة الأنبياء.. ليس من السهل التبليغ و التذكير مع من يقدّر و من لا يقدّر و إيصال الفكرة للجميع مع اختلاف درجات الإدراك و خاصة في زمننا هذا.. كل هذا مع أجور متدنية في ظل تضخم مالي رهيب.. محيط متعفّن و أجواء سلبية بين الزملاء و مع الأولياء و التلاميذ و المديرين و المتفقدين و الوزراء و المندوبين.. عن أي تعليم تتحدّثون ؟ فقط حين أعترض تلامذة يعترفون بالجميل أنسى التعب.. و لكن أكثرهم جاحدون.. أما المعلمون و الأساتذة العاشقون للمال الحرام و للدروس الخصوصية و الذين يخفون المعلومة أثناء الدرس و ليس لديهم ضمير و لا كفاءة و لا أخلاق و لا توازن نفسي فهؤلاء شوّهوا سمعتنا و لا يمثلوننا.. و هم عبدة الدنانير و يستطيع الوليّ أن يفعل بهم ما يشاء لأنه يدفع لهم.. ما أرخصهم و ما أرذلهم ! و الشارع ووسائل الإعلام التي تسبّ كل الأساتذة و تحقّرهم ستنتج أجيالا مائعة لا تحترم المربّي و لا تعمل بنصائحه و تحبّ المنحرفين… هناك إجماع على الاستنقاص من قيمة المربي و هذا يزعجني.. و لكن عزائي أن البلاد كلها تسير بالمقلوب و المعاناة مشتركة.