تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدروس الخصوصية، نزيف لا بدّ منه
نشر في الشروق يوم 22 - 11 - 2009

إذا كانت الدروس الخصوصية تحوّلت الى ظاهرة عامة في كل المدن وكل المستويات التعليمية تقريبا، فإن أسباب الإقبال عليها والانخراط فيها مختلفة ومتعدّدة، فالبعض يقبل عليها راغبا ومستعدا لدفع كل المبالغ المالية بحثا عن «الامتياز» الذي أصبح هدفا للتباهي بين العائلات، والبعض الآخر ينخرط فيها لاستمالة المدرّس وتحسين علاقة ابنه به وخاصة في ما يتعلق بالاعداد وتقديم الدروس.
ويلجأ شق ثالث الى الدروس الخصوصية لنزع مسؤولية مصاحبة الابن أو الابناء في المراجعة واعداد الدروس والتمارين لانعدام الوقت الكافي أو لعدم القدرة على استيعاب الدروس الجديدة بعد تغيير البرامج والبيداغوجيا المعتمدة.
ويبحث آخرون عن تكافؤ الفرص بين أبنائهم وبقية زملائهم اذ يقولون ان المدرسين يميزون في تعاملهم واعدادهم بين الخاضعين للدروس الخصوصية وغيرهم في حين يرى كثيرون إنهم مضطرون لتسجيل أبنائهم تحت ضغط المدرسين وخشية من ردود فعلهم اذا رفضوا الاستجابة الى عروضهم.
«الشروق» وعبر شبكة مكاتبها ومراسليها في عديد جهات البلاد رصدت الظاهرة وتحدثت الى كل كافة أطراف الموضوع فكان التحقيق التالي.
* قابس: واقع جديد فرضته المدرسة
الشروق مكتب قابس:
تعد الدروس الخصوصية من الظواهر الجديدة المتفشية في صلب المجتمع القابسي فمنهم من اعتبر انها ايجابية ومنهم من رأى فيها الجانب السلبي في الممارسة التربوية في حين اعتبرها آخرون سمة استهلاكية متصاعدة تدريجيا في الجهة خاصة وان عددا محترما من المواطنين يكلفون المختصين في الشأن التربوي بمرافقة أبنائهم في شؤونهم الدراسية.
... هذه انطباعات من تحدثنا اليهم عند رصد الظاهرة.
يقول الولي فرحات س انه حريص على أن ينضم ابنه الى الدروس الخصوصية خاصة وانه يدرس في الباكالوريا وما يعرفه هذا المستوى الدراسي من ضرورة المتابعة الدقيقة لكل البرامج الدراسية وتحيينها واعتقد أنها تكملة حقيقية لما يقوم به الاستاذ في القسم فما يلاحظه ابني من صعوبات بامكانه تجاوزها بتعدد التمارين التطبيقية خاصة في مادتي الفيزياء والرياضيات وارى انني غير قادر على مسايرة نسق هذه الدروس حتى يحقق ابني امانيه الدراسية في آخر السنة ويتوجه الى الجامعة التي يريد بعد تحقيقه التميز أما الأم نجاة ي فترى ان الدروس الخصوصية عبارة عن دروس دعم وتدارك وهي نوع من المواد الاستهلاكية الجديدة بالجهة فحتى تلميذ السنة الاولى يريد والده ان تكون له دروس خصوصية خاصة وان التنافس على أشده بين الأهل في العائلة الواحدة لبلوغ التميز وللتباهي واعتبر ان هذه الدروس اضافة نوعية لما يقدم في حجرة الدراسة، لكن تبقى اشكالية هامة وهي ان الأم العاملة غير قادرة على المتابعة الفورية لدروس ابنائها لهذا تلجأ الى هذا النوع من الدروس لتجعل من أبنائها دائمي الحضور الذهني في دروسهم.
أما التلميذ محمد فرحات وهو في الباكالوريا اعلامية فأكد ل«الشروق» أنه في وضعنا الحالي لا يمكن الاستغناء عن هذه الدروس طالما ان التوقيت المدرسي لا يكفي بأن نأتي على كل البرامج الدراسية في أوقاتنا الدراسية زد على ذلك فإن طموحاتنا تكبر رغبة في مزيد التميز واعتقد أنه من الضروري ان يحتكم المربون الى العقل في اختيارهم للتمارين التطبيقية وان يبتعدوا عن العاطفة وان لا يجعلوا التلميذ الذي يمارس معهم الدروس الخصوصية مفضلا عن البقية ولتبقى الدروس الخصوصية حتى لغير القادر طالما وان مجتمعنا التونسي دائما متضامن.
أحد الأساتذة الذي استجوبناه ورفض ذكر اسمه أكد أن هذا النوع من الدروس هو وجهان لعملة واحدة فهو أولا فرصة للتلاميذ الذين قد يحرمون لضيق الوقت من ممارسة العديد من التمارين التطبيقية وخاصة وان المتفقدين يلحّون بأن لا تكون الدروس اليومية في القسم مجالا لانجاز التمارين بل يؤكدون بأن يبقى النمط البيداغوجي والذي يضمن التدرج عند تقديم الدرس مع مراعاة كل المستويات داخل الفصل الواحد ومن الجانب الآخر أرى ان الجانب المالي مهمّ طالما وان المربّي في حدّ ذاته يسخر من وقته لإفادة ابنائه من جهة وللمنفعة المالية من جهة أخرى.
رشاد مرابط
* سوسة: تذمّرات وتشكّيات
الشروق مكتب الساحل:
«... الأمر أصبح لا يطاق... ماذا يريد هذا المعلّم؟... لقد سئمت من تصرفاته معي ومع غيري من الأولياء... انه في كل مرّة يؤكد على ضعف مستوى ابنتي ووجوب تلقيها دروسا خصوصية... كنت أظن أنّ الأمر يخص ابنتي فقط لكنني وجدته يطلب نفس الشيء من جميع الأولياء».
هكذا كانت تتحدث السيدة بسمة بن فرج حرم شيبة التي وجدناها تشتكي من تصرفات المعلم الذي يدرّس ابنتها ملكة شيبة المرسمة بالسنة الاولى د بمدرسة سوسة يريدها معلمها الحضور بمنزله لتلقي دروس خصوصة مقابل مبلغ بسيط (حسب رأيه) ولا يتجاوز 30 دينارا مثلما ذكرت السيدة بسمة لكن المسألة حسب رأيها ليست مادية بقدر ما هي سلوكية... السيدة بسمة صرحت ل«الشروق» بأن المعلم يصرّ إلحاحا على أن تتلقى ملكة وغيرها من تلاميذ قسمه دروسا خصوصية بمنزله وهي تعارض مبدأ تلقي تلاميذ المرحلة الابتدائية لدروس خصوصية، وقد وصل بها الأمر الى الاستعداد النفسي لتقبل نتائج ابنتها التي حسب رأيها ستكون هزيلة حتى يؤكد المعلم وجوبية دروسه الخصوصية، وبالتالي سوف لن يجتهد هذا المعلم في القسم وسيكتفي بمتابعة من يتلقى عنده الدروس «المنزلية» السيدة بسمة بن فرج وقبل أن تختتم حديثها معنا ذكرت أن منزل هذا المعلم شهد حادثة كادت أن تكون خطيرة عندما ترك ذات مرّة التلاميذ ينجزون تمرينا وتحوّل الى إحدى غرف منزله وعند عودته وجد أحدهم ينزف دما... لقد تحوّلت قاعة الدرس بمنزل هذا المعلم الى حلبة صراع تضرر منها هذا التلميذ المسكين الذي شجّ رأسه!!؟
السيد سليم جغام موظف بإحدى الدوائر البلدية بمدينة سوسة أبناؤه سهى (12 سنة) تدرس بالسنة 7 أساسي، وسامي (10 سنوات) السنة خامسة ابتدائي وأيضا اسكندر (9 سنوات) يتلقى تكوينه بالسنة 4 ابتدائي... جميعهم يتمتعون بدروس خصوصية والأمر عادي حسب رأيه اذ ذكر ل«الشروق» بأنه وجد نفسه مجبرا على ذلك حيث أن الحيز الزمني غير كاف للتلاميذ حتى يتمكنوا من مراجعة دروسهم بالمنزل، مفيدا في الآن ذاته أن التلميذ يخرج من منزله صباحا ليعود اليه مساء وبالتالي لا يمكنه السهر للمراجعة بما أنه مطالب بالخلود الى النوم باكرا... الخيار الوحيد حسب رأي السيد سليم هو استغلال أوقات الراحة بين حصص الدراسة لتلقي الدروس الخصوصية والمراجعة.
الجولة الاستطلاعية التي قمنا بها في ربوع مدينة سوسة لمعرفة آراء الأولياء حول الدروس الخصوصية قادتنا أيضا الى الحديث مع السيد مبروك بن نصر (تارزي) الذي أفادنا بأن ابنته إكرام بن نصر (14 سنة) التي تدرس بالسنة التاسعة أساسي تتلقى هي أيضا دروسا خصوصية لدى أحد أساتذتها، وذكر السيد مبروك أنه «مكره أخاك لا بطل» وأنه وجد نفسه مجبرا على دفع ستين دينارا شهريا حتى تواصل ابنته امتيازها في الدراسة وتحقق النتائج الجيّدة... السيد مبروك بن نصر صرّح أن ما يقدم لابنته اليوم خلال الدروس الخصوصية، يقدم غدا في القسم وبالتالي يحصل الفهم السريع لمن يتلقى هذه الدروس في منزل الاستاذ بينما يبقى الآخرون «مفتوحي الأفواه» ولا يفهمون شيئا مما قدّم لهم في القسم... الأمر أصبح عاديا لدى السيد مبروك وتوفيره لمبلغ الدروس الخصوصية عند بداية كل شهر بات من أولوياته، بل قبل الخبز أحيانا... مثلما قال ضاحكا.
أنيس الكناني
* معلمون يؤكدون: طلب الأولياء من المعلم تقديم دروس خصوصية ليس بريئا
موقف بعض المعلمين من الدروس الخصوصية واضح وهو الامتناع عن تقديم هذه «الخدمة» درءا لما ينجر عنها من تداعيات يرون أن لديها أثرا كبيرا على نتائج التلاميذ ومستوياتهم.
ويرى البعض من المدرسين ان الأولياء هم من يضغطون على المدرسين ليقدموا الدروس الخصوصية لأبنائهم وفق اتفاق مسبق وجزاء مجزيا. بينما يزعم بعض الأولياء أنهم أصبحوا عاجزين عن تحمل عبء هذه الدروس المفروضة.
أولياء يساومون
السيد محفوظ الصماري (معلم تطبيق ونقابي) موقفه قطعي ألا وهو رفضه المطلق تقديم الدروس الخصوصية. رغم مرور ربع قرن عن مسيرته التربوية الا أنه ظل عصيا عن المحاولات والدعوات. وأكد أن الولي يأتي الى المعلم ويسأله عن «الدروس في الدار» لفائدة ابنه وبالمقابل فإن طلب هذه الدروس يبدو أن له غاية يستشفها السيد الصماري بفضل خبرته الطويلة.
ويقول: «كل عام يأتيني الأولياء يسألون عن سبب تراجع نتائج أبنائهم ويطلبون مني ان أسند لهم ملاحظة «امتياز» محتجين على ذلك بدعوى أنهم كانوا من أصحاب تلك الشهائد خلال العام السابق لدى مدرسين آخرين...».
وأمام الرغبة المتواصلة في الحصول على الامتياز بصفة آلية، يلقي الأولياء بمنظوريهم في حضن الدروس الخصوصية حسب قول هذا المعلم أملا في المراتب الأولى والمقاعد الأولى وهو ما يثير التساؤل عن العلاقة بين الدروس الخصوصية والنتائج.
تداعيات العرض والطلب
ويقول المعلم الصماري ان الولي يرى في الدروس الخصوصية ما «يؤهل» ابنه لنيل مراتب عليا يفاخرون بها الجيران والأقارب. بينما يرى هذا المربي عكس ذلك مؤكدا أن هذه الدروس عادت بالوبال على جميع الأطراف رغم تحقيق البعض للأرباح وساهمت في هبوط المستوى التعليمي للتلاميذ رغم حصولهم على الامتياز. وأكد المعلم محفوظ أن مسألة التقييم هي التي ولدت التنافس المسعور من أجل الحصول على الشهائد والتباهي بها. وأكد أن التلميذ أصبح يفهم وجود علاقة مباشرة بين الدروس الخصوصية والنتائج. وتتجلى تداعيات هذه الظاهرة عند المرور الى الإعدادي ثم الثانوي أين تنكشف مستويات التلاميذ رغم تواصل تغطية الضعف بالدروس الخصوصية التي تصبح أكثر حدة بشكل جامح.
البعض يشتكي من كثرة مصاريف الدروس الخصوصية وغلاء الدروس ويضطر الى التداين لكنه لا يستنكف عن طلب هذه الدروس وبذل النفيس في سبيلها بسبب الاعتقاد السائد بأن عدم تسجيل الأبناء في «حلقات» الدروس الخصوصية قد يلقي التلميذ في أتون من التهميش ونقص العدد والحرج أمام زملائه .
مسؤولية مشتركة
«الولي ليس وحده من يتحمل مسؤولية ما بلغته حكايات الدروس الخصوصية التي فاقت حكايات ألف ليلة وليلة شهرة»، يؤكد المعلم إبراهيم جراي الذي أحيل على شرف المهنة قبل أعوام دون ان يترك في سجله أي اثر للدروس الخصوصية، ان المسؤولية مشتركة بين الولي الذي يطمح تحت ضغط المباهاة والمنافسة بين الجيران والأقارب الى أن يحصل ابنه على نتائج «مشرفة» وفي نفس الوقت تحت ضغط الخوف من أن يؤثر عدم التحاق التلميذ بمجموعة الدروس الخصوصية على نتائج التلميذ.
* القصرين: أساتذة يستنكرون وأولياء يتذمرون وتلامذة مجبرون
مكتب «الشروق» الكاف:
أصبحت مسألة دروس الدعم او الساعات الخصوصية كما يحلو للبعض ان يسميها حديث الشارع في القصرين ومحل جدال بين مساند لفكرة الخروج بالتلميذ من مأزق تردي المستوى كما يقول البعض وبين رافض لها لأنها اصبحت تجارة رخيصة يمارسها من ليس له ضمير، حسب تعبير آخر.
«الشروق» رصدت جميع المواقف وخرجت للشارع في القصرين وجمعت آراء مختلفة من جميع الاطراف اساتذة وأولياء وتلامذة وطرحت الاسئلة التالية: هل تحولت الدروس الخصوصية من اختيارية الى إجبارية؟ وهل فعلا هناك من يتاجر بالتلميذ مستغلا تردي المستوى؟ وما هو موقف الولي من كل هذا وهل التلميذ مجبر على تلقي هذه الدروس خاصة إذا لاحظنا انه يفضل تلقيها من أستاذه الذي يدرسه في القسم ام أنه اختيار له مبرراته؟
أفضل أستاذي
نحن لا نرغب في هذه الدروس لأنها لا تضيف شيئا وإنما نتلقاها عند نفس أستاذنا في المعهد لإرضائه فقط من أجل حصولنا على المعدل: هذا ما صرّح به بعض التلامذة الذين التقيناهم وطرحنا عليهم السؤال.
الأساتذة بين قبول ورفض
الأستاذ رياض بالطيبي أكد انه ليس ضد دروس الدعم رغم انه لا يمارسها لأن تلميذ اليوم أصبح في حاجة ماسة لدروس الدعم نظرا لتراجع المستوى بصفة ملحوظة ولكن شريطة ان تكون هذه الدروس مقننة بعيدة عن عقلية المتاجرة وشريطة ان يكون الأستاذ الذي يقدّم هذه النوعية من الدروس صاحب رسالة وشريطة ايضا ان يتوفر فضاء محترم وقانوني للتدريس وان نبتعد عن التدريس في المنازل والحوانيت.
لا للدروس الخصوصية: هو شعار رفعه عديد الاساتذة الذين التقيناهم والذين رفضوا تقديم الدروس الخصوصية خارج المؤسسة التربوية فالأستاذ توفيق نصري وهو أستاذ عربية فإنه يرفض الظاهرة أصلا لأن التكوين حسب رأيه يكون داخل المدرسة او المعهد ولأن 99٪ من الدروس الخصوصية مشبوهة حتى ان بعض الأساتذة أصبحوا يجبرون التلامذة على تلقي هذه الدروس مستعملين الأعداد وسيلة للتهديد فيجد التلميذ لاسيما تلميذ الباكالوريا الذي يسعى الى الحصول على شرط25 بالمائة ووصف الاستاذ الظاهرة بالمهزلة التي يجب القضاء عليها انطلاقا من مبدإ توفير الفرص المتكافئة لجميع التلامذة خاصة الفقراء.
من جانبه يرى الأستاذ فتحي محمدي ان ظاهرة دروس الدعم تتناقض مع مبدإ التكافؤ في الفرص بين التلامذة لتفاوت القدرة المادية بينهم وأنها تغرس عقلية التواكل لدى التلميذ وهي تساهم في تردي المستوى وليس العكس كما انها تشوّه سمعة الأستاذ لدى الرأي العام وترسخ لدى التلميذ عقلية انتقاء المواد اذ يجد نفسه يركز على المواد العلمية وهي المواد التي يتلقى فيها التلميذ دروس الدعم ويهمل المواد الأدبية والانسانية رغم اهميتها.
مع الدروس الخصوصية لكن
الأولياء لهم أيضا رأي في الامر باعتبار انهم معنيون بدفع المعلوم فالسيد كمال عمري تاجر ملابس جاهزة ووليا لتلميذ يتلقى دروس الدعم يؤكد انه مع هذه الدروس لكن شريطة ان يلتزم الأستاذ بتلقينها في المؤسسات التربوية وهو ما جاراه فيه السيد كمال الدلهومي وهو ولي تلميذ يتلقى دروس دعم يوم الأحد بالمدرسة الاعدادية التي يزاول فيها تعليمه.
محمد صلاح حقي
* بنزرت: ضمان المراجعة والبحث عن الامتياز
مكتب «الشروق» بنزرت:
ما تزال الدروس الخصوصية تلقي بظلالها كاحدى الاشكاليات المتجددة على امتداد السنة الدراسية. «الشروق» حاولت انطلاقا من سبر آراء بعض الأولياء والإطار التربوي بجهة بنزرت تحديد الأسباب العميقة التي قد تفسّر الى حد ما الاقبال المتزايد على تعاطي هذا الصنف من الدروس.
السيدة «ألفة» اصيلة مدينة بنزرت أكدت انها كوليّة عانت الأمرّين من جراء المصاريف المتعلقة بهذا النوع من الدروس وخاصة من جراء بعض سلوكيات الأساتذة الذين يرفعون في أسعار ساعات الدعم بالنسبة للأقسام النهائية من التعليم الثانوي.. ومع هذا استدركت المتحدثة قائلة: «مثل هذه الدروس الاضافية اضحت بمثابة الضرورة لتأمين النسق الأفضل للأبناء في متابعة الدروس في مختلف السنوات والمراحل الدراسية» .
طريقة بيداغوجية!!
السيدة روضة كان لها موقف مغاير من المسألة. اذ ابرزت ان افتقاد بعض المدرسين لمنهجية سليمة وطريقة بيداغوجية ناجعة لإيصال المعلومة الكاملة والواضحة بقاعة الدرس عامل كاف وحده لتشجيع الآباء على دفع أموال طائلة في سبيل تلقي الابن ساعات دعم بأي فضاءات..
وقد شدّدت هذه الوليّة بأن الهاجس الأعظم في نظر الأولياء هو نجاح الأبناء ولو دون امتياز.. وترى ان الدروس الخصوصية تبقى ضرورية في المستوى الثانوي من التعليم نظرا لكثرة المواد العلمية وتشعب محاور عديد الدروس ضمن الاختصاص..
عوامل كثيرة ولكن!!
بالنسبة الى السيدة دنيا فإن عوامل كثيرة تحدد رغبة الآباء في إلحاق الابناء بفضاء يقدم دروسا للتدارك. ولعل ابرزها بالنسبة إليها كثرة المواد وثقل البرنامج السنوي لفائدة الاطار التعليمي حيث يجد المربي نفسه شبه عاجز عن اتمام كل المحاور وأما العامل الثاني فإن تنوّع وسائل الترفيه بالمنزل دفعت ايضا التلاميذ الى العزوف المبكر عن المراجعة إضافة الى عدم تفرغ الأباء كامل اليوم تقريبا لمراجعة الدروس معهم.. وهذا الامر هو ما يشجع كل ولي على البحث عمن يوفّر مراجعة الدروس للأبناء ولو كان بصفة جماعية.. وأكدت السيدة سنية انه بمعزل عن ضمان الدروس الخصوصية الامتياز من عدمه فإن هذا الصنف من حلقات التعليم الاضافية تحول مع الوقت الى دعم محبب من الجميع.
عقلية ونفسية الآباء..
«الشروق» حملت معظم هذه التساؤلات الى ثلة من الإطارات التربوية بولاية بنزرت حيث اعتبر الأستاذ يوسف الحاج سالم المختص في الرياضيات ان رغبة التلميذ في التعويل على مصادر خارجية لاستيعاب ما يقدم له من دروس قلص على حدّ سواء من مجهوده الشخصي للنجاح عن جدارة كما ساهم في انتشار مثل هذا الصنف من الدروس الاضافية المتوفرة سواء داخل الفضاء التربوي او خارجه. وعن ذات المسألة شددت استاذة التاريخ والجغرافيا «آمال» ان المنافسة بين الآباء في ظفر أبنائهم بالامتياز عوامل دفعت قدما بدروس التدارك الى التغلغل في صفوف التلاميذ وكل الاقسام والمستويات التعليمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.