تطورت أنماط الإنتاج عبر التاريخ البشري و تغيرت و قد تميزت البلاد التونسية منذ استقلالها منتصف القرن العشرين بنمط إنتاج تبلور تدريجيا حتى إكتمل ألا و هو نمط الإنتاج الغنائمي . في باقي أنماط الإنتاج تختلف سبل خلق الثروة و طرق إقتسامها أما في تمط الإنتاج التونسي فلا وجود لخلق للثروة بل فقط سعي من الجميع للإستيلاء عليها . في باقي الأنماط توجد طبقات و يختلف دور الدولة في علاقاتها بهذه الطبقات من نمط إلى آخر أما في نمطنا التونسي فالدولة ذبيحة و الكل يريد أن يغنم نصيبه من هذه الذبيحة لهذا كان نمطنا هو نمط الإنتاج الغنائمي . في النمط التونسي يغنم السياسيون وكبار مسؤولي الدولة مناصبهم إذ لا سبيل إلى إختيار الكفاءات , ثم يواصل هؤلاء جمع الغنائم فيسعون إلى تعيين الأقارب و الموالين في مختلف المناصب و يسعون إلى تحصيل نصيبهم من صفقات الدولة و يكون آخر همهم إنجاز أعمالهم على الوجه الأكمل و البحث عن مصلحة الدولة . نقل هؤلاء السياسيين و المتنفذين مرض الإستغنام طيلة العقود الماضية إلى من كانوا دونهم في السلم الوظيفي فعمت عقلية الغنيمة و ثقافتها لدى الجزء الأكبر من العاملين في الدولة . و لم يعد بكفي موظف الدولة ما غنمه من دولته الذبيحة فانطلق الكل ضد الكل بحيث أصبحت الرشوة بمختلف أشكالها نظاما إجتماعيا . طيلة عقود حاربت دولة الغنيمة الشرفاء من رجال الأعمال حتى كادت هذه الفئة تنقرض و حلت محلها فئة من المستثمرين الغانمين الذين يغنمون الصفقات العمومية فينهبون مال الدولة و ينجزون الأشغال أو يقدمون الخدمات بشكل مخالف لكراس الشروط.. يغنم رجال الأعمال أيضا من الدولة من خلال التهرب الضريبي و التهريب و الإستيلاء على المؤسسات العمومية التي يتم التفويت فيها في ظروف غير شفافة كما يغنمون آللاف المليارات في شكل قروض لا يقع إرجاعها . نمط الإنتاج الغنائمي ولد و ترعرع تحت حكم بورقيبة رحمه الله و استكمل بناءه زمن بن علي لكن أزمة النظام الغنائمي تفاقمت قبل إنطلاق الثور البارك و استفحلت بعده حيث أن جزءا من التونسيين لم يجدوا لهم مكانا بين الغانمين فانطلقوا يحاربون كي يصبحوا من الغانمين حتى وصل الأمر إلى أن المدرس الذي تنتدبه الدولة يرفض أن يقع تكوينه و تأهيله لمهنته لأنه لا يرى في عمله وظيفة إجتماعية بل هي في نظره غنيمة في شكل مرتب في انتظار التمكين و زيادة الغنيمة إن توفرت فرصة الدروس الخصوصية التي لا ترهق …نمط الإنتاج الغنائمي لا يقع فيه خلق الثروة بل فقط نهبها و هذا ما سبب أزمته . مشكلة تونس اليوم أن الدولة قد أنهكها النهب ولم تعد قادرة على إشباع رغبات كل الغانمين فأصبحت تبحث بدورها على أن تغنم من ناهبيها لكي تضمن إستمرار نهبهم لها ..في نمط الإنتاج الغنائمي لا يمكن لهيئة شوقي الطبيب إلا إتخاذ إجراءين . فأما الأول فهو تغيير تسمية المناظرات و طلبات العروض العمومية بحيث تصبح " مغنمة وظيفة " و " مغنمة صفقة عمومية" , و أما الإجراء الثاني فهو أن تحل الهيئة نفسها هذا إن لم يكن أعضاءها بدورهم من الغانمين ..