السلام عليكم... هل تدرونَ بمن التقيتُ أمس؟... لقد التقيت بصديق عزيز طال غيابه عنّي، وانقطع خبره منّي... حتى كدتُ أجزُم برحيله عن دنيانا و تركه لقيانا ... هل عرفتم من هو؟... هو “أبو يفهم”... نعم هو بعينه، و بنظراته، و بشكّه و استرابته في كلّ من يحيط به، و بوقاره، و صمته الذي يوحي بعلمه و فكره و منهجه... إلاّ أنّ العمرَ قد عملَ فيه معولَه، و الدّهرَ قد بدأ منه مأكلَه، فهجم عليه الشّيبُ، و رَهَلَ منه الشّدُّ، و أخذ منه الهمُّ مأخذ الوحش من الفريسة. إنّي أعرفُه منذ مدّة ليست بالقصيرة، و أعلم جّيدا أنه من أهل العلم والفكر و الرأي و أنّه ذو فصاحة و لمح... و أعلم أيضا، أنّه و لجرح عميق في لسانه، تسبّب له فيه منشارٌ كثير الأسنان حادّ الّلسان، عاشر الصمتَ سنين عديدةٍ ، ممّا زاد في ملَكَةِ السّمع لديه، فأصبحت صمتا بتأمّلٍ، و فكرا بتحليلٍ، و علما بنقدٍ... و بتسرّع الأطفال، لم أتمالك نفسي عنده، فارتميت عليه حاضنا صائحا بأن كيفكَ؟ و أينك؟ و أيّ فجّ لفظك؟ و أمامي أوقعك؟... و كعادته التي عهدّتُها عليه... رمقني بعينٍ فيها كثيرٌ من كلام دون فصحٍ، و صوتٍ دون همسٍ... ثم قرنَ حاجبيه، و مطّطَ شفتيه و بادرني: هل سمعتَ بالانتخابات؟ وهل حلّت الدّيمقراطية في قريتِكَ؟ و هل سيُمرّرُون الاستفتاء؟... و هل سينجح المستقلّون؟ و هل سيخلعون سبسيكم؟ و سيُبزِّعُون فؤادَكم؟... و هل سيجلبون مخلوعَكم؟... و هل ستستعيدون أموالَكم؟ و هل ستحبِسون أُمراءَ حربِكم؟ و عصاباتكم و سرّاقَكم؟ ... و هل سجّلتم لتنتخبون؟... و هل سُمِح لكم بالكلام فتُقنعون؟... ثمّ قل لي: ما حكاية الأحزاب الوقحة...؟ و النّساء الوقحات؟... و الرجال الفرقاء؟... و كيف سمحتم لمحترفي مصّ الدّماء بأن يؤسسّوا أحزابا؟ ... و يتقدّموا لمجلسكم؟ و هل بقي فيكم من لم يُشكّل حزبا أو قائمةً؟... لعمري أصبحتم يزيد مُرشَّحوكم عن ناخبيكم عددا، و أمسيتم تُضحكون غيركم ممّن تابعكم؟ ثم صمت برهة انعقد فيها لساني أمام وابل الأسئلة التي ألقاها عليّ كالمطر، ثمّ و قبل أن ترجع لي بديهتي لأنطق، بادرني من جديد بأن قال لي: قل لي... كيف حال حمارك؟ و غابتك؟... و ذاك الثعلب الذي ركبَ حمارك؟ و هو يغنّي لهُ و ينهق؟... بأن لا ثعلبَ سواه، و لا راكب عداه؟... هل قلت لي أين الرّاكب و المركوب؟... و هل تقول لي من سمعك غيرُك في تلك الغابة ليتدارك أهلها أمرهم؟... و سكت ليتلفّظ النفس، وما إن وجدت هذه الفرصة، حتى اغتنمتُها، لأسألَه داهشا: كيف لك أن تنطق بهذا الكلام سؤلاً؟... و قد كنتَ للصمت أكثرَ ميلا ؟ و هل ذنبي ما سردتُ؟ أو بسببي كلَّ ما منه عجبت؟... عندها، ربّت على كتفي و همهم و هو يتراجع القهقرى أمام دهشة بادية على وجهي، بكلمات لا أذكر منها سوى....... عجبتُ لانتدابكم سارقٌ يحكم على ناهبٍ ماكرٍ بحُكمٍ.... يقرأه البسيط: مُدانٌ... و يقرأه أمثالي من اليسار إلى اليمين ب.....نادم.