ذات مساء، كنت قد التقيتك عندما كنت اتجوّل بين اروقة المعرض كنت متأكدة انني سألتقي بك او على اقل سألمح طيفك عابرا في احدى اللوحات، فما ان هممت بالدخول حتى قابلتني حاولت الهروب منك ولكنك تصديت لي... جمعت قواي نظرت اليك ثم طأطأت رأسي، كنتِ تعاتبينني كما تعاتب ام ابنتها، كان صوتك آنذاك، دافئا حنونا، رقيقا ثم صحت ورفعت صوتك في وجهي معلنة عن غضبك مني: لماذا لم تزوريني!! ثم اغرورقت عيناك دموعا: انتظرت طويلا ولكنك لم تأت... كنتِ آنذاك تحتضرين وقلتِ لي: هل يعقل هذا؟! وكنت تنظرين الى عيون الزائرين والى صديقاتك اللوحات، كنت حائرة، تبحثين عن جواب يشفي غليلك... هل يعقل ان تهجر الطفلة، امها وهي في امسّ الحاجة اليها؟!! ايعقل هذا!! كيف ارضيك واجعلك تتوبين عني وتغفرين لي... اشتريتك رغم انني لا احبّذ هذه العبارة لأنك جزء لا يتجزأ مني... طلبتُ من الحمّال ان يعتني بك وان يلصقك في قاعة الجلوس ولكن ظلت نظرة الحزن تعتليك رغم ان الرسام رسمك بالالوان وجعلك فاتنة الا انني فضّلت لو تركك على طبيعتك لكنتِ اجمل... لما اردت التحدث اليك كنتِ تحتقرينني بعد مدة، اصبحت امني نفسي بأن تعاتبيني كالمعتاد ولكنك لم تفعلي ضجرت منك فحاولت ان احطّمك فجأة صحت ايتها المتكبرة من تظنين نفسك، عودي الى اصلك والى حجمك الحقيقي، ما انتِ؟ انت لست الا مجرد تافهة، مغرورة ولكنك حقيرة... اعدتك الى مكانك وكأنك بهذا الكلام قد صفعتني صفعة جعلتني انهض من سبات عميق فارتميت على الأريكة اغمضت اعيني وأنا افكر مليّا في كلامك فعادت بي الذاكرة الى تلك الذكريات ان قلت جميلة فهي ليست كذلك وان قلت مريرة فهي ايضا ليست كذلك فتذكّرت تلك الارجوحة التي تتدلى من شجرة التوت وذلك البيت الصغير الذي يميّزه القرميد والوجة ما اشهى الطابونة خاصة عندما تطبخها للاّ مريم! وصديقتي ايمان ترى كيف حالها هل مازالت تلك الطفلة الشقيّة؟ وهل مازالت تذكر ايام الصبا ايام كنا نجري بين السهول والجداول نصطاد الفراشات فنملّ فنجلس على ضفاف الجدول لنروي لبعضنا حكايات ينسجها خيالنا وصخرة ابي القاسم الشابي اين بدأت اخط اولى حكاياتي... كم هي جميلة تلك الايام، جمعت قواي ونهضت اجريت بعض الاتصالات والغيت كل المواعيد دوىّ المحرّك وانطلقت كنت استمع الى اغنية عبد الحليم حافظ. كنت اردد هذا المقطع بنشوة.. ماهي الا ساعات حتى وصلت... فرحت اقفز كطفلة صغيرة بين احضانك ولكن ولأول مرة احسّ بهذا الاحساس الغريب الذي اعتراني في تلك اللحظة هل ترى لأنني لم اعد تلك الطفلة الصغيرة؟ هل انتزعت نظرة البراءة من اعيني؟ ام انك هرمت ولم تعودي تستطيعين مداعبتي؟ ذهبت الى البيت الصغير لأجمع بقايا ذكريات مندثرة هنا وهناك فكانت الصدمة انني لم اجده فرحت افتّش عن ارجوحتي التي شهدت ميلاد فتاة حالمة تبحث عن ذاتها في الافق البعيد فلم اجدها حتى شجرة التوت العامرة التي شهدت سقطاتي وعثراتي فلقد قطعت ولكن ظل جذعها صامدا كالجبل الذي لا تهزّه لارياح ولا اعاصير... سألت عن للاّ مريم فأجابوني بهذه العبارة: «البركة فيك عطاتك عمرها» منذ خمس سنوات ماتت للاّ مريم ولكن ظلت القوجة... سألت عن ايمان فاخبروني بأنها تزوّجت وارشدوني الى منزلها... طرقت الباب ففتحت لي امرأة سألتها: اهذا هو منزل ايمان؟ فراحت تحضنني وتقبلني.. لا اصدق اعيني.. صدمت من هو ذلك الوجه الصبوح الطفولي؟ أين هي تلك الابتسامة الى تعلو محيّاها؟ فلقد اصبح وجها شاحبا اما عيناها العسليتان فصارت حافظتين. كل شيء تغيّر.. حتى انا تغيّرت... لم اقضي سوى يومين هنا.. رحلت ومعه طويت شريط الذكريات.. * صفاء بلعيدي (بنزرت) --------------------------------------------------- **وجع المتنبي في زمن الجرح العربي لم اخطئ حين تقمصتك في ليل المحن لم اخطئ حين تقمصتك وتركت شراعي مرفوعا في ريح العفن لم اخطئ حين رفعتُ صليبك فوق نفايات التاريخ وشربت عصارة اقداحك وسكرت بأشجان الوطن فلماذا تخذل ايماني؟ وتكبّل بالعقم لساني لم يبق سواك ساحات الغربة ألقيت دلائي في بئرك ورميت شباكي في بحرك اني الصياد المخذول ضيّعت درب الاحلام ووقفت ببابك فارفعني لسماء جنونك يا وجعي يا جرح التاريخ الغائر في جسد الوطن *** شبّاك يفتح من الظلمة هل عدت اليّ بغداد اخيرا تعبت راحلتي بحثا عن وجه يشبهني ما خنت الحلم المجنون لكن الأقدار تخون صحراء ديار الأهل والخلّ خُرافه لا ظل يعانق وجه الصفصافه ما اثقل وجع الصفصاف ما اثقل حِمْلك حين تثور الريح وحين تثور كلاب الحي عليك حين يثور كلاب الحيّ علي مدّ يديك.. مُدّ يديك.. * بلقاسم عباس (نقة سوق الاحد) ------------------------------------------------ **تراجيديا الشتات انا لا اعرف من اي اتجاه هبت الريح ولا في اي درب سوف نمضي انا لا اعرف اسرار الليالي السود ولا اعرف في اي ارض نضرب الاوتاد ينقطع الرحيل المرّ في طول وعرض ايها الآتي سلاما كن كما شاءت سماء الغيب او كما يحكم ارباب الذهب انا لا اعرف من اي اتجاه هبت الريح ولا في اي دربْ سوف نمضي.. سوف نقضي.. *** يا عصافير الوطن يا ليالي الحب والأعراس يا ارض الشجن نحن محكومون بالغربة في هذا الزمن نشحذ الأقبر في المنفى بعيدا عن ليالي دافئة ما امرّ الموت ما امرّ الصمت في ليل الشتات *** تمضغ الامواج احلام الغريب وليالي الفندقه تمضغ الامواج احلامي ويقذفني السفر في نفايات الموانئ: «لا تقل حقي ارض لا تقل حقي خُبز لا تقل حقي حلم لا تقل حقي حرف او رترْ لا حقوق اليوم تنهشك الكلاب في الضياع المرّ والصمت الامرّ». * الاستاذ بلقاسم عباس( نقة سوق الاحد) ------------------------------------------------ **الى زوجي عساك تعود بقلبي الحزين أمازلت تذكر اجمل ليلة.. وكنت قطعت طريق طويلا لتخطف قبلة ودقات قلبك كالموج حين يثور وعيناك كانت تراني جميلة..؟ واذكر انني حين وصلت اليك تحديت كل حدود القبيلة واسرعت اخفق بفستان ازرق وقبلت ثغرك والقيت رأسي الحزين بصدرك لأمحو عذاب الليالي الطويلة حبيبي تراك نسيت ليالي الحنين ستنسى حبيبي.. وتنسى منى وجرحي الدفين أراك نسيت وأهديتك عمرا جميلا وشعرا وعطرا عساك تعود بقلبي الحزين ولعلك ستبقى الرجل الوحيد لأنك جعلتني امرأة المستحيل عد يا فاروق لأمحو عذاب الليالي الطويلة * منى بن سالم (بوعرادة) ------------------------------------------------ **تحدّ لا تتوغل في تفاصيل حواري ولا تحاول فهم افكاري ولا تتسلق متاهات اسواري ولا تبحث في موازين قراري فأنا امرأة كنت لا اكون لولا قصائد الشعر ودغدغة الاوتار انا امرأة... ارتوي بألمي وأسدّ رمقي بضمتي وانتظاري انا امرأة تمرست على الادوار وكسرت قوانين الكرّ والتكرار وبنت عرشها على اجنحة الجبال ومصادر الاخطار واسست تاريخ انثى.. جفنها نور ودمعها من نار انا امرأة اتحدى ان اكون مجرد انثى وارفض ان يدوّن اسمي في سجل الانتصار. * حميدة الوسلاتي (سوسة) ------------------------------------------------ **ردود سريعة * سعيدة الخضراوي سبيبة مرحبا بك صديقة جديدة لواحة الابداع ننتظر منك نصوصا اخرى. * يوسف البسطي تونس «هيام» ننتظر افضل منها، دمت صديقا لواحة الابداع * عبد الكريم بن عمر اريانة «العذاب» تكشف عن موهبة ندعوك لتطويرها بتكثيف قراءاتك لعيون الادب العربي وشكرا على ثقتك في «الشروق». * علي المعمري نابل شكرا على مشاعرك تجاه «الشروق» ننتظر منك نصوصا أخرى.