صورة الفتاتين اللّتين تزغردان في موكب زفّ والدهما الشهيد إلى القبر قبل يوم ، وصورة الفتاتين اللّتين تلوّحان بشارة النصر وهما على ظهر شاحنة عسكرية تقلّ جثمان أبيهما الشهيد إلى مثواه الأخير قبل حوالي ستة أشهر ، وصورة الأيتام الستة بعضهم رضيع في حضن أمّه وهم يحيطون بأرملة مكسورة الجناح قبل عام ، صور لا يجب أن تغيب عن مخيّلة كل التونسيين ولا أن تلفّها غياهب النسيان كما هو حال التحقيق في الجرائم الثلاث نعم لا بدّ أن نستحضر ونستذكر ضحايا الإرهاب والاغتيال السياسي ولا تغيب عنّا صور الأيتام والأرامل من أجل ألاّ تتكرر الجريمة ثانية ، لأن من طبيعة البشر أنهم إذا نسوا ما ذُكّرُوا به ، كرروا الفعل ، فالجريمة التي لا تُستذكر هي نوع من أنواع الاستحسان لها، فلماذا لا يفكر مجرم آخر في تكرارها ؟ أما الجريمة التي يتذكرها ضحاياها دائما فان من المستحيل على أي حاكم ، مهما تفرعن ، أن يفكر في تكرارها ، ولذلك ففي المجتمعات التي تستذكر ضحاياها التي قضت بالجرائم المروّعة على يد الحاكم الظالم وأذنابه فان نسبة تكرار جرائم النظام السياسي تكاد تكون معدومة أو قليلة جدا ، على العكس من حال المجتمعات التي تنسى جرائم السلطة الحاكمة، فالجريمة عندها تتكرر كأمر عادي . ولهذا السبب فان جرائم السلطة عندنا تتكرر دائما وأبدا، لانّ ذاكرتنا ضعيفة من جانب ، ولانّ هناك جوقة المطبلين والمزمرين سواء من وعاظ السلاطين أو أيمّة الفتنة على منابر المساجد أو من حملة الأقلام المأجورة من الذين يقفون مصطفين ومتأهبين وعلى أتم الاستعداد لتبرير أية جريمة يرتكبها الحاكم الأوحد والمرشد العام يجب علينا كتونسيين أن نستذكر جرائم حكم النهضة وحلفائها خلال أقلّ من عامين ، دائما وأبدا ، ليس من أجل الانتقام والتشفي ، والعياذ بالله ، أبدا ، وإنما لننتبه لحالنا ولنحول دون تكرار مثل هذه الجرائم البشعة التي راح ضحيتها نقض وبلعيد والبراهمي وبصراحة أقول إن الجريمة ستكون مضاعفة رغم مظاهر و رُدود الفعل المُجمعة لكلّ التونسيين -إلاّ من كان في قلوبهم مرض حبّ القتل والدماء- على إدانة الجريمة ورفضها ، لو يدبّ النسيان إلى نفوسنا وننسى ضحايا الإرهاب والاغتيال السياسي ونتذكّر بالكاد أيتامه والذين لا أشك في سعي أكثر من طرف بدءا بالدولة للتعويض لهم . الضحايا لن ينسون أحياء كانوا أو أموات ، إمّا نحن فيجب ألاّ ننسى أبدا أنّه إذا تذكّرنا ، حتّى وإن عجزنا أن نأخذ بحق الضحايا ، فليكن ، وذلك أضعف الإيمان ، بالبكاء والعويل وندب الحظ ، واللّعنة على من كان سبب أمّا دولتنا السّليبة التي سطا عليها الغزاة من العصور الغابرة بقيادة تنظيم "الإخوان غير المسلمين" وانبلج فجر تحريرها من أمام مقرّ هولاكو في باردو ، فلا نشكّ أنّها ستكون الحافظ الأمين لذاكرة أبنائها وأبطالها وشهدائها عبر التاريخ والأزمان بدءا بشهداء 9 أفريل مرورا بشهداء ثورة 14 جانفي وصولا إلى شهداء الإرهاب والاغتيال السياسي نقض وبلعيد والبراهمي وأن تخصّ يوم استشهاد أحدهم كيوم وطني لمناهضة الإرهاب والعنف السياسي … تنويه : الآراء الواردة في ركن الرأي الآخر لا تلزم إلا أصحابها