كلما حل شهر رمضان حل نقاش حاد إلى الجدل بين أهل علم الفلك وأهل الفقه المتمسكين بالتقاليد الدينية حول أول يوم في شهر الصيام. جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة في الآية 185 بعد بسم الله الرحمن الرحيم "فمن شهد منكم الشهر فليصمه". فهل يؤدي فعل شهد معنى رأى أم معنى آخر؟ حتى نقترب من حقيقة المعنى يجب علينا الرجوع إلى أصول اللغة العربية وأحسنهم هو القرآن الكريم. "شهد" فعل ثلاثي مجرد حروفه أصلية ومصدره شهادة. وضّح ابن المنظور في لسان العرب في سورة آل عمران الآية 18 أين قال العزيز "شهد الله أنه لا إله إلا هو" بمعنى قضى الله وعلم الله وبيّن الله… ذلك لأن الشاهد هو العالم الذي يبين ما علمه – وليس ما رآه – فتكون الشهادة هو خبر قاطع، ومنه قوله تعالى في سورة المائدة الآية 106 "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم". أما "شاهد" ومصدره مشاهدة معناه المعاينة، والمعاينة لا تكون إلا بالعين. وشاهد فعل رباعي على وزن فاعل، وزيادة الألف فيه هي زيادة بنائية تغير من بناء الأصلي للكلمة، وينتج عن ذلك كلمة جديدة، ويتولد معنا جديدا للفعل الأصلي (شهد) للدلالة إما على المتابعة أي الاستمرارية مثال ذلك قاوم المريض المرض أي استمر في مقاومته أو للدلالة على معنى فعّل لإفادة التكثير مثال ذلك ضاعف الجهد بمعنى ضعّفه. وما تكون الاستمرارية في فعل شاهد إلا بإطالة النظر في شيء ما، وتكون المعاينة ( من العين). فعل شهد في الآية الكريمة لم يجيء بمعنى المعاينة بل أتى بمعنى قضى وعلم وبيّن. قضى الشيء معناه صنعه بإحكام وقدّره، وعلم حصلت له حقيقة العلم والشيء عرفه وتيقن منه، أما بيّن معناه اتضح وظهر. فمن شهد الشهر معناه من قضى وعلم وبيّن الشهر، وعلم الفلك (بعلم دوران القمر حول الأرض والأرض حول الشمس) يمكن أن يقضي ويعلم ويبيّن الشهر بدون رؤية ومعاينة الهلال. وعبارة شَهِدَ والذي مقابله في اللغة الفرنسية:TEMOIGNER ou ETRE TEMOIN ليست ب شَاهَد ومقابله voir, observer, scruter, apercevoir, regarder. أفضل مرجع لفهم فعل شهد هو القرآن بعينه خصوصا وأن العزيز انزل في كامل القرآن مائة وتسعة وخمسين مرة مشتق من فعل شهد وكلها تقريبا تدل على الشهادة بمعنى LeTémoignage. في سورة يوسف في الآية عدد 26 يقول الرحمن "وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت" وفي سورة الزخرف الآية 86 "ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق" وفي سورة الأقحاف في الآية 10 "وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم" كل هذه الآيات تدل قطعيا أن فعل شهد الذي ورد في تلك السور لا يدل على المعاينة. معنى شهد في الآية " فمن شهد منكم الشهر فليصمه" هي الشهادة كشاهد وليس كمشاهد، والشهادة يمكن أن تكون بعملية حسابية (يقوم بها الفلكيون) تضبط دخول رمضان وتبدد الاختلافات على بداية رمضان في عدة دول اسلامية متجاورة. يقول الله تعالى في سورة فصّلت الآية 20 "حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم"وهذا دليل قاطع من الله عز وجل أن الشهادة le temoignage يمكن أن تكون بحواس أخرى ماعدا العين منها اللمس (الجلد) والسمع (الأذن). فلما لا تكون بحاسة العقل الذي نبه عليه القرآن الكريم في قوله كم مرة "أفلا يعقلون" أي أفلا يربطون ذلك الشيء بالحدث الذي وقع، والربط يستوجب الاستنباط والاستنتاج والتحسب، علما وأن كل القرآن ذكر تسعة وأربعين مرة مشتق من فعل عقل، يريد العزيز من ذلك التأكيد على عملية الربط بين الأحداث. أفلا يمكن القول بأن دخول شهر رمضان هو حدث كبير للغاية عند المسلمين!! المتشبثون برؤية هلال رمضان هو ناتج عن العقل الباطني الجماعي للمجتمع الإسلامي L'inconscient collectif des musulmans فالمخيال البشري عند المسلمين لفعل شهد أعطى تصورا لحدث ولوج شهر رمضان منذ أكثر من ألف وأربع مائة سنة على أن معناه هو شاهد ورأى الهلال حتى يخال لكل فرد مسلم أن الرؤية هي الحقيقة المطلقة. فالعقل الباطني الجماعي يسبق في هذا الجدل التفسير العلمي ويصبح عند كثير من المسلمين في قضية أول يوم من رمضان "حقيقة علمية" لا يمكن النقاش فيها.