من أهم وسائل النقل التي اعتمدها أهل صفاقس في التنمية والنهوض الاقتصادي خلال السنوات الستين والسبعين من القرن الماضي هي الدراجة التي يعبر عليها الصفاقسية بالبسكلا. لا أحد ينكر أن التنقل ووسائل النقل يمثل العمود الفقري للنمو الاقتصادي. تعطي وسيلة النقل الفردية للشخص حرية التنقل لقضاء كل شؤونه اليومية. كنت أشاهد زمان طفولتي أناسا تتنقل يوميا على البساكل (ج: بسكلا) مسافات تفوق العشر كيلومترات ذهابا ونفس المسافة إيابا بدون ضجر أو تذمر وذلك لقضاء شؤونهم من تجارة وصناعة وغيرها… كما صارت البسكلا وسيلة تنقل عائلية، نرى في أول الستينات أن الأب يحمل ابنه على سرج صغير مثبت على القضيب الأمامي للبسكلا والزوجة تركب على المحمل الخلفي ثم تطورت الأمور وصار للبنت وكذلك للزوجة بسكلا لحالها. كيف ننسى أن جل تلاميذ إناث وذكور المعاهد الثانوية كانوا يروحون ويرجعون إلى بيوتهم على البساكل والمحفظة المدرسية مثبتة على المحمل الخلفي. وكم رأيت باعة متجولين على البساكل بين الزقاق والأنهج والمسالك الفلاحية بين طوابي الهندي يشهرون سلعهم متحدين الشمس والمطر والرياح. لازلت أتذكر في بداية طفولتي وكان عمري حوالي ست سنوات كان لجارنا دراجة وعجلتيها (دولابيها) متكونة من قطع مطاطية مستديرة الشكل حجمها لا يفوق مائة مليم الحالية وبها ثقب بالمركز من أين يمر سلك أو خيط قوي. يُجمع في هذا لسلك مئات ومئات من تلك القطع المطاطية ثم يلف هذا السلك على الدولاب الحديدي للبسكلا ويصبح المجموع عبارة على عجلة مطاطية. سمعت جارنا يردد أن هذه الحيلة ظهرت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لما نفذت مصادر التوريد وصار الشح يطول كل المنشآت الاقتصادية. تواصلت الحياة اليومية للصفاقسية على هذا المنوال إلى أوساط السبعينات حتى دخلت الموبيلات الزرقاء وأخذت تكسح كل العائلات وكل قطاعات الاقتصادية لمدينة صفاقس وذلك للراحة البدنية التي تحصل من استعمالها وللسرعة التي توفرها… ثم غمرت السيارة المدينة والأحياء ومعها كل التلوث… تخليدا لهذه الوسيلة للنقل البيئية: البسكلا، أبعث بنداء إلى كل من يحب صفاقس ويتنمى إحياء تراثها لبعث جمعية مدنية سميتها على بركة الله "البسكلا" وذلك للحصول على مقدار مالي يسمح لنا بصنع بسكلا عملاقة يكون قطر عجلتها ثلاثة أمتار وتنصب في دوار باب الجبلي. آمل أن يرجع الصفاقسية إلى صوابهم لإعادة استعمال تلك الوسيلة للتنقل لما فيها من الحفاظ على البيئة والرياضة البدنية لتفادي أمراض العصر من ارتفاع ضغط الدم والجلطات القلبية والدماغية.