أصبحت الساحة التونسية مرتعا للكثير من الساسة الذين يصيبون الفرد بالتقزز عندما يتابع سياساتهم أو تصريحاتهم التي يدلون بها ، وخاصة من الأحزاب اليمينية وأيضا بعض القوى اليسارية والأهم من هذا كلّه أنّ حزب النهضة اليميني الديني لا يجد معارضة يسارية قوية تستطيع مواجهته بحزم ، بل والأخطر من هذا كلّه أنّنا وبعد انتخابات التأسيسي منذ سنتيْن ، بدا التونسيون وكأنّهم أصبح محكوما عليهم مسبقا بأن يحكمهم اليمين بشقّيْه الديني واللّيبرالي. والواقع أننا الآن أمام يمين أقلّ ما يقال عنه إنه يمين متعفّن ويسار مراهق وانتهازي لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن نقبل أن يحكمنا أيّ من المعسكريْن . وهذا الواقع المقزز للحكم أعطانا انطباعا بأنّنا في مجتمع يعيش في حالة من الموت السريري ، خاصة مع عدم وجود طرف ثالث يحكمنا ، والأهم من هذا كله عدم وجود حزب قوي يمثل هذا التوجه سواء لليسار أو اليمين معا وما زاد في قتامة المشهد أن نظام حكم الترويكا بزعامة النهضة أثبت أنّه لا يعرف كيفية التعامل مع الأزمات السياسية ولعلّ تخبط قادة مونبليزير في التعامل مع الحوار الوطني هو أكبر دليل على ذلك ، حيث بات الغنوشي متخبّطا في التعامل معه واتخاذ القرارات الحاسمة بشأنه والواضح حسب ما تشير الدلالات السابقة وجميع الشواهد الحالية ، أنه من الصعب على الحكومة الحالية أن تستمر، الأمر الذي يجعل من سقوطها مسألة وقت ليس أكثر، خاصة إنْ وضعنا في الاعتبار أنّ المعارك التي تواجهها هذه الحكومة هي في الأساس معارك سياسية داخلية وليست معارك خارجية وبالتالي فإن صمّام الأمان الخاص بهذه الحكومة سيتم تدميرُه ذاتيا بالصورة التي تعجِّل بمزيد تأزيم الأوضاع في بلادنا إن أحزاب الحكم في تونس منذ سنتيْن وخاصة النهضة وخادمها المُطيع "المؤتمر من غير الجمهورية" أثبتت أنّها في الحقيقة عبارة عن شركات وهمية ، لم يكن هدفُ إنشاءها من طرف نصّابين ومحترفي الدعارة السياسية ، سوى الظهور عشية الموعد انتخابي لتنهل من مزايا الحكم وإدارة شؤون الدولة منافعَ ومواقعَ لها ولأتباعها ، ثمّ تخدّر نفسها وتصمّ آذانها وتغطّي أعينها لغاية الموعد المقبل إن حال التعددية في تونس بعد حوالي ثلاث سنوات من الثورة ، هو أشبه بدكتاتورية فعلية ، لكن في نفس الوقت تظهر للعيان بأنها ديمقراطية ، وهذا ليس عيب السلطة وحدها بل عيب الأحزاب التي باعت شرفها وهي تمتهن الدعارة السياسية في أمقت صورها . فالأحزاب منطقيا موجودة لخدمة الأوطان سواء كانت في السلطة أو في المعارضة ، وكل حزب يريد أن يصل إلى السلطة بدون أن يبذل أي مجهود ، لكن أيّا كانت مبررات الساسة من حولنا فإننا الآن وبالفعل نواجه أزمة سياسية كبيرة تجعلنا نتحسّر على العهر السياسي الذي بتنا فيه والذي يتصاعد بقوة هذه الأيام ولا مناص بعد هذا من الإقْرار بأنّ الأحزاب التي تمتهن الدعارة السياسية ليست جديرة بالشرعية الممنوحة لها وليست جديرة أن تحمل اسم تونس أو أن تتكلّم باسمها وتدّعي تمثيل مواطنيها … تنويه : كل ما ينشر في ركن "الرأي الآخر" لا يعبّر إلا هن رأي كاتبه