بخصوص إتخاذ اجراءات قضائية.. النادي الصفاقسي يصدر بلاغا    النيجر تصعد ضد الشركات الأجنبية بمصادرة المعدات وإغلاق المكاتب    القسام توقع ب19 جنديا صهيونيا في عملية "ابواب الجحيم"    صفاقس.. تواصل اعتصام عدد من المعلمين بمقر مندوبية التربية    لجنة التشريع العام تعقد جلسة استماع حول مقترح القانون الأساسي المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد    من هو البابا ليو الرابع عشر؟    في أحضان الطبيعة ...«ماراطون» بازينة تظاهرة رياضية بأبعاد سياحية    بعد انتصار السنغال .. منتخب الأواسط يودّع ال«كان»    3 سنوات سجنا لرضا شرف الدين مع خطايا تناهز 72 مليون دينار    منسّق تظاهرة «خمسينية رحيل أم كلثوم» يردّ.. و«الشروق» تعقّب    بومرداس ..رفض أصحابها تلقيحها.. نفوق 8 أبقار بمرض الجلد العقدي    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تعقيب المحرّر    تحذير من الاستعمال العشوائي للمكملات الغذائية    أيمن كراي يطلق جديده الغنائي "ما نلوم" ويعد بمفاجآت قادمة    إثر تواتر الجرائم: أهالي هذه الجهة يطالبون بتعزيز الحضور الأمني.. #خبر_عاجل    عاجل/ انفجارات قوية تهُز مطارا في الهند    خيمة الفلاحة تعود إلى شارع الحبيب بورقيبة: الجودة والأسعار في متناول الجميع    الدورة السابعة من مهرجان ألتيسيرا الدولي للمونودرام من 11 إلى 14 ماي 2025    جراحة السمنة تُنهي حياة مؤثّرة شهيرة    الكاف: الكريديف ينظم تظاهرة فكرية ثقافية    نابل: انطلاق الدورة التاسعة من مهرجان الخرافة بدار الثقافة حسن الزقلي بقربة تحت شعار التراث والفن    السعودية: غرامة تصل إلى 100 ألف ريال لكل من يؤدي الحج دون تصريح    تونس تحتضن النسخة العشرين من دورة تونس المفتوحة للتنس بمشاركة 25 دولة وجوائز مالية ب100 ألف دولار    موعد مباراة باريس سان جيرمان وإنتر ميلان والقنوات الناقلة    اتحاد الفلاحة: نفوق عدد من رؤوس الماشية بالكاف بسبب الأمطار والبرد.. ومطالب بالتعويض    لا تستيقظ إلا بالقهوة؟ إليك بدائل صحية ومنشطة لصباحك    Titre    عاجل/ باكستان: "لا مجال لخفض التصعيد مع الهند"    وزارة التجارة: استقرار شبه تام لأغلب المواد الإستهلاكية مطلع 2025    أنس جابر إلى الدور الثالث من بطولة روما دون خوض المباراة    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة 29) : طاقم تحكيم مغربي لكلاسيكو النادي الافريقي والنجم الساحلي    تسجيل كميات هامة من الامطار في اغلب جهات البلاد خلال الاربع والعشرون ساعة الماضية    عاجل/ والي بن عروس يصدر قرار هام..    سوق الجملة ببئر القصعة: ارتفاع أسعار الغلال خلال أفريل 2025    المديرة العامة للمرحلة الابتدائية: وزارة التربية على أتمّ الاستعداد للامتحانات الوطنية    تراجع التوجه إلى شعبة الرياضيات من 20% إلى 7%    منوبة: حجز أكثر من 650 كلغ من لحوم الدواجن في حملة مشتركة على الطرقات ومسالك التوزيع والأسواق    عاجل/ احالة هذا الوزير على أنظار الدائرة الجنائية المختصة من أجل شبهات فساد..    عاجل/ الداخلية: ضبط 217 عُنصرا إجراميّا خطيرا بهذه الولايات    نصائح طبية للتعامل مع ''قرصة الناموس'' وطرق للوقاية منها    عاجل/ بعد تنفيس سُد ولجة ملاق الجزائري نحو تونس..اتحاد الفلاحة يكشف ويُطمئن التونسيين..    زغوان: افتتاح معرض التسوق على هامش الدورة 39 لمهرجان النسري    تطوير منظومة اللحوم الحمراء: تشكيل فرق عمل بين 3 وزارات لتحسين الإنتاج والتوزيع    هيئة السلامة الصحية تتلف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس    الأمطار مستمرة في الشمال: التوقعات الجديدة لحالة الطقس هذا الأسبوع    الاتحاد التونسي للفلاحة: الفلاحون يلجؤون إلى الفايسبوك لبيع خرفان العيد وتجاوز الوسطاء    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية برئيسي البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم..    فضيحة ''المدير المزيّف'' تطيح بأعوان بإدارة الفلاحة    اليوم: طقس ممطر والحرارة تصل إلى 38 درجة بأقصى الجنوب    أزمة كشمير: ضحايا وجرحى في قصف باكستاني.. وإسقاط "درون" هندية    ثلاثة جرحى في حادث دهس في باريس وهذا ما قالته الشرطة الفرنسية    عاجل/ سيناريو ماي وجوان 2023 سيتكرر بقوة أكبر وأمطار غزيرة متوقعة..    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نفوس سوداء .. لعدالة انتقام(ل)ية … بقلم : رشيد الكرّاي
نشر في صحفيو صفاقس يوم 15 - 12 - 2013

ليس في تونس اليوم ما يسرّ ، ولا نسمع عمّا يجري فيها غير المحزن والمثير للغضب والاستنكار ، وما رشح بالأمس في جلسة التأسيسي المخصّصة لمناقشة مشروع العدالة الانتقالية أكّد هذا الانطباع السائد لدى أغلب التونسيين باستثناء تدخليْن تجاوزا مشاعر الحقد والكراهية واجترار الماضي وحبس النفس بين أركانه وجدرانه
صاحبا التدخليْن لم يُعرف لهما في الحقيقة في رحاب قصر باردو غير المواقف المثيرة للجدل والمُكرّسة لحال التجزئة والتفرقة بين أبناء البلد الواحد ، لكنّ ما صدعا به بالأمس أكد أنّ رجاحة العقل وإعلاء الصّالح العام عند بعضهم كما "فورمة" لاعب الكرة تحضر وتغيب ، وأنّ معين الخير والأَثرة لم ينقطع بالنّهاية عند سياسيينا باختلاف مشاربهم كلّما تعلّق الأمر بمستقبل تونس
تحدّث بالأمس الشيخ الصادق شورو أحد صقور حركة النهضة في جلسة التأسيسي بكلام مؤثّر قوبل بتصفيق كبير من زملائه النوّاب ، فدعا إلى أن يكون قانون العدالة الانتقالية أساسه المغفرة والعفو والصفح الذي يأتي بعد الاعتراف بالذنب وبالإساءة وطلب الصفح والعفو . وقال شورو إنّ كلّ من تعذّبوا وتمّ إيذاؤهم في العهود السّابقة هم أهل صفح وكرم واقتداء بأخلاق الرسول الأكرم محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قال "اذهبوا أنتم الطلقاء" مؤكدا في ذات السياق أنّ كل ضحايا التعذيب يصفحون عن جلاّديهم السابقين
وتحدّث في ذاتب الجلسة الشيخ الآخر المُثير للجدل الطاهر هميلة المنشق عن حزب المؤتمر قائلا : "كأنّي بقانون العدالة الانتقالية جاء لتصفية الحساب مع بورقيبة" ، مؤكّدا أنّ هذا القانون محشوّ بالحقد والكراهية قبل أن يضيف "إنّنا سنُحاسب بهذا القانون ، ونحن أفسدنا في الثورة أكثر من فساد بن علي في الجمهورية الأولى"
موقف النائبيْن شورو وهميلة وكَلاَمُهُما ، شكّلا الرجّة الأبرز فيما سمعنا من مواقف وحديث الكثير من النوّاب والتي لخّصها أحدهم في وصفه لقانون العدالة الانتقالية ب "بوس خوك وروّح" ، وهي العبارة التي تختزل مشاعر ثقافة الانتقام والثأر السياسي التي تسكن عقول الكثير من السياسيين وخاصة من أحزاب اليمين الحاكم
إنّ ما حصل في التأسيسي يوم الجمعة يطرح أسئلة عديدة تتعلّق بما يمكن تسميته بالأخلاق السياسية للمشروع الثوري ، وهي مسألة هامة جدا على مستوى بناء الدولة العتيدة المزمع إنشاؤها مكان النظام القديم.
فعندما تبدأ المجموعات السياسية التي عارضت النظام السابق وتلك التي تحاول إلباس نفسها الجبّة الثورية بعد الثورة ، باستخدام ذات أسلحة النظام الذي عارضته وعملت على تغييره ، فإنه من الصعب عدم التساؤل حول كيفية تسمية الأمر ثورة إذا كانت هذه الثورة لم تقدم نهجا جديدا يختلف عن نهج النظام الذي تمت إزاحته باسم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
من المكن أن يتفهّم المرء قيام شخص ما بالانتقام لمقتل عزيز عليه ، لكن انتقامَ الثورات لا يكون إلاّ عبر تقديمها نموذجا أفضل سواء على مستوى الخطاب السياسي أو على مستوى السلوك السياسي ، واذا ما فشلت الثورة في ذلك فإنها يمكن أن تُسمّى بأي شيء لكن ليس بثورة.
فأهمية الثورة أنها لا تقدم فقط خطابا سياسيا وإيديولوجيا مختلفا عن النظام السابق وحسب ، الأهم أنها تقوم بممارسات على الأرض تقدم فيها المثل والدليل والبرهان القاطع أنها تمثل نهجا جديدا يختلف عن نهج النظام السّابق . فاذا كان هذا النظام يُقصي المعارضين ويعذّب الأبرياء أو يقتلهم بلا محاكمة مثلا فإن الثورة التي يفترض أنها تشكّل مشروع الدولة القادمة أنها لا تلجأ لذات الأساليب التي قامت لمحاربتها وإلاّ ستصبح مشروعية الثورة موضع تساؤل.
إنّ نهج مشرّعي قانون العدالة الانتقالية اعتبارَ حقبة تاريخية مهمّة من حياة الشعب التونسي تناهز الستّين عاما هي عُمُرُ دولة الاستقلال ، حقبةً لم يكن فيها غير القهر والاستبداد والفساد كذب على التاريخ وتعكس عقلية "المُنتصرين الفاتحين" ، بل إنّ اختيار التاريخ الرمز وهو غرّة جوان 1955 كنقطة بداية لمشروع القانون وهو يوم عودة الزّعيم الحبيب بورقيبة مظفّرا من منفاه ، يختزل لا فقط أطنانا من الكراهية والحقد على مؤسس تونس الحديثة ودولتها العصرية بل وأيضا دلالات عميقة لا تخفى على عاقل على وقوف الحكّام الجدد على نقيض المشروع المجتمعي التحديثي المدني الذي ارتضاه الزّعيم الراحل لدولة الاستقلال مقابل مشروع الدولة الدينية التيوقراطية التي يعمل هؤلاء على إرسائها عبر حزمة غير قليلة من القوانين أو مشاريعها المثيرة للجدل وآخرها مشروع قانون الأوقاف ومشروع قانون المساجد الذي تروّج له وزارة الخادمي
والغريب في كلّ ما يحدث والبلاد على كفّ عفريت جرّاء افتقار الحكّام الجدد لثقافة الدولة وتمسّكهم المرضي بالسلطة ، وعبر سعيهم لتمرير مشروع قانون العدالة الانتقالية المثير للجدل ، بعد تسريب كتاب رئيسهم الأسود ، لا يدركون أنّهم بصدد الإساءة لأهداف الثورة التي يتكلّمون باسمها ، بل وصادرها بعضهم وجعلها ملكية شخصيّة كعيّادي وبادي "وفاة" ، وألحقوا أذى يصعب تقديره الآن بمشروع بناء الدولة التونسية الحديثة
وقد علّمتنا تجارب شعوب أخرى ، أنّ الخطر الأكبر يكمن عندما تسيطر ثقافة الغرائز على مشروع التغيير ، عندها لا تؤسس الثورة مشروعَ خلاص للمجتمع بقدر ما تصبح على الأرجح تطبيقا لنظرية ابن خلدون في السلطة السياسية حيث تظلّ الدولة حبيسة العصبيّة الأقوى التي ما إنْ تضعف حتى تحلّ مكانها عصبيّة تمارس ذات النهج وإنْ بمسمّيات أخرى ، وهذا بطبيعة الحال قد يقود المجتمع نحو أيّ شيء لكن ليس نحو الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية …
تنويه الآراء الواردة في ركن الرأي الآخر لا تلزم إلا أصحابها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.