على عادتهم في التخفّي والتواري ، وعلى الشكل الذي وفدوا به على حياة التونسيين متسلّلين في جنح الظلام على رؤوس أقدامهم ليلعبوا بعقول العامّة والفئات الشعبية الفقيرة تحت عباءة عمائمهم ولحيّيهم وشعارهم الكاذب "ناس هاربة لربّي" حتى يظهروا في لباس الثوّار الأشاوس الذين لا يُشقّ لهم غبار بل هم صانعو الثورة نفسها والمؤتمنين عليها ، على نفس إيقاع هذا الشكل "اللّصوصي" وفي الهزيع الأخير من اللّيل ، ليلة التصويت النهائي على قانون المالية للسنة القادمة المثير للجدل ، عمدت حركة النهضة عبر التسعين "حرامي" التابعين لها في مجلس العار المسمّى بالمجلس التأسيسي إلى تسريب فصل جديد في قانون المالية لم يكن مبرمجا ولم تطرحه حكومتهم "الترويكيّة" يقضي بإنشاء صندوق تعويض للمساجين السياسيين ضحايا الاستبداد ، واستماتت في الدفاع عنه رغم المعارضة الشرسة من عديد وجوه المعارضة ونجحت في تبنّيه بأغلبية 87 صوتا الحادثة ذكّرتني بمثلنا الشعبي القائل "جيعان وطاح في قصعة" وترجمته في موضوع الحال تكون "جيعان وطاح في التأسيسي" ، وهي الحجّة الألف بعد المليون بأنّ تونس لم يصبح حالها بأحسن ممّا كانت عليه زمن الطرابلسية وهتافات الجماهير إبّان أيام الثورة القائلة "لا لا للطرابلسية اللّي نهبوا الميزانية" ، بل هي سقطت بأيدي طرابلسية جدد يحملون السّبحة في اليد واللّحي على الوجوه لا همّ لهم سوى ما يصادرونه من عرق وكدّ أبناء هذا الشعب تحت مسمّيات واهية ومصطلحات سريالية تجعل من "النضال" سلعة تباع في أسواق النّخاسة ولعنة وشرّا مستطيرا يكفر به كل الذين يحملون هموم الأوطان وهواجس الخوف على مصير أجيال المستقبل عوضا عن معاني العبارة الحقيقية السّامية في حبّ الوطن والأثرة ونكران الذات وتغليب المصلحة العامّة على الخاصّة . فالنضال عند هؤلاء "غير المناضلين" يعني ببساطة "ناضل اليوم تقبض غدا" ، ويعني "أرمدا" من القوانين والتشاريع يخيطونها على المقاس تجعلهم مواطنين فوق العادة لهم الأولوية المطلقة في التشغيل وفي الوظيفة العمومية وإثقال كاهل دولة مترهّلة تكاد تعجز عن صرف أجور موظفيها ، وفي الترقيات وشغل الخطط الوظيفية في غياب كل مقاييس الخبرة والكفاءة ، إلى جانب التمتع بما نصّ عليه القانون الكارثة قانون العفو التشريعي العام وعشرات الملايين من التعويضات التي صرفت لهم ولم تُشبع إلى الآن نهمهم وجشعهم وحبّهم اللاّمحدود "للرّزق اللّي ماتت أمّاليه" أو لرزق البيليك في مقابل كلّ ذلك يزداد في عهد هذا الرهط من "المناضلين" الفقير فقرا وتزداد البطالة انتشارا ويتهاوى اقتصاد البلاد إلى الحضيض ، ويتنامى القتل والاغتيال السياسي والإرهاب الديني الأعمى ، وترتع عصابات الإجرام في المساجد والأحياء والشوراع ، وتوشك الدولة على التفكك والإفلاس والارتهان للخارج يحضرني بالمناسبة ما صرّح به السيد سامي الرمادي رئيس الجمعية التونسية للشفافية حين كتب يقول : لا تؤجل سرقة الليل إلى الغد : عملية براكاج على خزينة الدولة ، مضيفا في السّابق كان السرّاق يتسلّلون خلسة لسرقة الممتلكات الخاصة ، أمّا البارحة بينما كان الشعب في معظمه نائما ، كنّا شاهدين على المباشر في التأسيسي على عملية سرقة موصوفة للممتلكات العامة ، إذ صادق الإخوان على قانون التعويضات لمساجينهم الذين من بينهم هناك من فجّر الفنادق ، من حرق آدميين أحياء ، ومن حمل السلاح ضد الجيش والحرس الوطني . هم من جهة يثقلون كاهل المواطن بالأتاوي والأداءات ، ومن جهة أخرى يفاقمون الديْن ، ويجرّون البلاد نحو الإفلاس ، من أجل التمتع بالتعويضات ، إنها عملية نهب لأموال الشعب الذي اغتصبوا ثورته ولا أملك بعد هذا من تعليق سوى ما قاله مُزراع مصري : كلّماعرفت الإخوان واقتربتُ منهم ازداد احترامي للكلاب … تنويه : ما ينشر في ركن الرأي الآخر لا يلزم إلا كاتبه