قضية اغتيال الشهيد الزواري .. السجن مدى الحياة لأغلب المتّهمين    بنزرت: أكثر من 400 كغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك... التفاصيل    تورّط شبكات دولية للإتجار بالبشر .. القبض على منظمي عمليات «الحرقة»    عمليات جراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت الأولى من نوعها في تونس    مع الشروق : فصل آخر من الحصار الأخلاقي    كأس إفريقيا للأمم – المغرب 2025: المنتخب الإيفواري يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف دون رد    "طوفان الأقصى" يفجر أزمة جديدة في إسرائيل    الغاء كافة الرحلات المبرمجة لبقية اليوم بين صفاقس وقرقنة..    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة تنظم ثلاث دورات تكوينية في المحاسبة الكربونية لفائدة الأساتذة الجامعيين    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    مناظرة 2019: الستاغ تنشر نتائج أولية وتدعو دفعة جديدة لتكوين الملفات    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    بابا نويل يشدّ في'' المهاجرين غير الشرعيين'' في أمريكا: شنوا الحكاية ؟    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    توننداكس ينهي معاملات الإربعاء على منحى سلبي    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    تمديد أجل تقديم وثائق جراية الأيتام المسندة للبنت العزباء فاقدة المورد    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    الرابطة الأولى: علاء الدين بوشاعة رئيسا جديدا للمستقبل الرياضي بقابس    زلزال بقوة 1ر6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل: شوف شنيا قال عصام الشوالي على الماتش الجاي لتونس    عاجل: بعد فوز البارح تونس تصعد مركزين في تصنيف فيفا    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    مرصد حقوق الطفل: 90 بالمائة من الأطفال في تونس يستعملون الأنترنات    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    قفصة: إصدار 3 قرارات هدم لبنانيات آيلة للسقوط بالمدينه العتيقة    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    قائمة سوداء لأدوية "خطيرة" تثير القلق..ما القصة..؟!    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    هام/ المركز الفني للبطاطا و القنارية ينتدب..    عاجل: هذا موعد الليالي البيض في تونس...كل الي يلزمك تعرفه    ندوة علمية بعنوان "التغيرات المناخية وتأثيرها على الغطاء النباتي والحيواني" يوم 27 ديسمبر الجاري على هامش المهرجان الدولي للصحراء    رد بالك: حيلة جديدة تسرّق واتساب متاعك بلا ما تحسّ!    عركة كبيرة بين فريال يوسف و نادية الجندي ...شنوا الحكاية ؟    قابس: أيام قرطاج السينمائية في الجهات ايام 25 و26 و27 ديسمبر الجاري بدارالثقافة غنوش    درجة الحرارة تهبط...والجسم ينهار: كيفاش تُسعف شخص في الشتاء    هذا هو أحسن وقت للفطور لخفض الكوليسترول    بول بوت: أوغندا افتقدت الروح القتالية أمام تونس في كأس إفريقيا    عاجل: تغييرات مرورية على الطريق الجهوية 22 في اتجاه المروج والحمامات..التفاصيل    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    راس السنة : جورج وسوف بش يكون موجود في هذه السهرية    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    البرلمان الجزائري يصوّت على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    تونسكوب تطلق نشيدها الرسمي: حين تتحوّل الرؤية الإعلامية إلى أغنية بصوت الذكاء الاصطناعي    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    عاجل: اصابة هذا اللّاعب من المنتخب    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    اتحاد المعارضة النقابية: استقالة الطبوبي ليست نهائية ولم تكن مفاجئة    كأس الأمم الإفريقية المغرب 2025: برنامج مباريات اليوم والقنوات الناقلة..#خبر_عاجل    اليوم: الدكاترة الباحثون المعطلون عن العمل يحتجون    عبد الستار بن موسى: المنتخب الوطني قادر على التطور.. والمجبري كان رجل مباراة اليوم    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    في رجب: أفضل الأدعية اليومية لي لازم تقراها    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الجمعة : إظهار فضائل الاستغفار
نشر في صحفيو صفاقس يوم 07 - 04 - 2017

الاستغفار مسلك الأبرار، والساهرين للأسحار، وتوبة المذنبين بالليل والنهار. والاستغفار عبادة اللسان، وتوبة المقال، والاعتذار في الحال، والنجاة في المآل، وفيه صلاح الأهل والمال. والاستغفار سم الشيطان، وترياق الإنسان، وطرد للنسيان. والاستغفار يرد القلب أساريره، ويعيد النور للوجوه العابسة، ويخلص البال من شغله، والفكر من همه.
الاستغفار في اللّغة طلب المغفرة، وأصل الغفر التّغطية والسّتر، يقال: غفر اللّه ذنوبه أي سترها. وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "المَغْفِرَةُ مَعْنَاهَا وِقَايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لا يُعَاقَبُ عَلَى الذَّنْبِ، فَمَنْ غُفِرَ ذَنْبَهُ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَيْهِ". وَقَالَ رحمه الله: "فَمَنْ غُفِرَ لَهُ لَمْ يُعَذَّبْ وَمَنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ عُذِّبْ وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَالأَئِمَةِ".
وفي الاصطلاح: طلب المغفرة بالدّعاء والتّوبة أو غيرهما من الطّاعة.
حث الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على سؤاله المغفرة. قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:106] وقال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3] وقال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19] حث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين وجميع خلقه على طلب المغفرة، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:221]، وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت:6].
حتى أولئك الذين أسرفوا على أنفسهم بمعصيتهم لربهم، لقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]، وقوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49-50].
وينادي الله على عباده ويحثهم سبحانه على سؤاله المغفرة لذنوبهم كما في الحديث القدسي: «يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ» (مسلم [2577]) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: «أَذْنَبَ عَبْدُ ذَنْباً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ! اغْفِر لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أذْنَبَ ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ: اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرتُ لَكَ» (أخرجه أحمد [2/296، 405، 492]، والبخاري [7507] ومسلم [2758] واللفظ له).
وعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (أحمد، ومسلم [(2749])، وفي رواية لأحمد والترمذي: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» (صحيح: انظر: صحيح الجامع [5253] عن أبي هريرة رضي الله عنه)، وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: كُنْتُ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ، لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ يَغْفِرُ لَهُمْ» (رواه مسلم [2748])، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «قَالَ الله تعالى: يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغت ذُنُوبُك عَنَانَ السماءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا، ثُمَّ لَقَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً، لأَتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً» (حسن: أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن، الضياء، وانظر: صحيح الجامع [4338]، المشكاة [2336]).
من فضائل الاستغفار:
1- مغفرة الله تعالى للمستغفرين:
قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110] وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135-136].
2- الاستغفار دلالة على الإيمان:
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» (أحمد [24665]، مختصر مسلم [88]، ابن حبان [330]، صحيح الجامع [7806]). قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "هل ذلك نافعه؟" معناه: هل ذلك مخلصه من عذاب الله المستحق بالكفر، فأجابها بنفي ذلك، وعلله بأنه لم يؤمن، وعبّر عن الإيمان ببعض ما يدلّ عليه وهو قوله: «لم يقل يومًا ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين» (المُفْهِمْ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تلخيصِ كتابِ مُسْلِمْ: للإمام أحمَدُ بن أبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ الحافظ الأنصاريُّ القرطبيُّ)، والدليل على ذلك قوله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82].
وهاهو شاهد إيماني من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يستغفر له عما بدر منه لما كان عمر رضي الله عنه في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن اعتزل نساءه في المشربية وكانوا يظنون أنه صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وجاء ليعظ ابنته حفصة رضي الله عنها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلَاثَةٍ فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ"، فَجَلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اسْتَغْفِرْ لِي… " (البخاري [5191]) ويدل على ذلك أيضاً حال المنافقين من الإعراض عن سؤال المغفرة، لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64]، ولقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون:5].
وفي قصة الأعرابي الذي أعرض عن سؤال رسول الله صلى الله وعليه وسلم له المغفرة، وأخبر بأنه لأن يحد جمله الأحمر خير له شاهد كاف أيضًا من السنة على ذلك، فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ، فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» قَالَ: "فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ"، ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَكُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ». فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ" (رواه مسلم).
وحتى طلبهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك كان قولا بألسنتهم دون عمل قلوبهم لكذبهم في اعتذارهم، لقوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11]. وعَنْ عُمَارَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَال: "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ" (صحيح موقوف: رواه أحمد في المسند [3627، 3629] تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح، والترمذي [2497]، ومسند أبو يعلى [5177]).
3- رفع العذاب وجلب الرحمة بالاستغفار:
لقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال:33]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: "انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ، ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ، ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ، ثُمَّ رَفَعَ، وَفَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ فَقَالَ: أُفْ، أُفْ، ثُمَّ قَالَ: «رَبِّ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ، وَأَنَا فِيهِمْ؟ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنْ لاَ تُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ؟» فَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صَلاَتِهِ وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ" (صحيح: أخرجه أبو داود [1/1194] وذكر فيه ركوعًا واحدًا، والنسائي [3/1495]؛ احمد في مسنده [2/159، 163، 188، 198]، وابن خزيمة [(901، 1389، 1392، 1393] من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ وصحح إسناده العلامة أحمد شاكر رحمه الله، وصححه الألباني في مختصر الشمائل [288]).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أمران نجى الله بهما أمة محمد صلى الله عليه وسلم من العذاب، رفع واحد، وبقى الثاني. قيل: يا أمير المؤمنين فما هما؟ قال: يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وقد رُفع النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي الاستغفار، فمن داوم عليه مخلصاً منيباً، حرم جسده على النار". وقال أيضاً: "العجب ممن يهلك ومعه النجاة. قيل: وما هي؟ قال: الاستغفار"، وقوله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147]، وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف:55] وسنّة الأولين: العذاب الذي يرسله الله على المكذبين للرسل وفي حال خسوف الشمس أو القمر، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ، وَدُعَائِهِ، وَاسْتِغْفَارِهِ» (متفق عليه).
وأما الدليل على أنه من أسباب جلب الرحمة قوله تعالى عن نبيه صالح لقومه: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل:46]. قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب، وتقدمون الكفر الذي يجلب لكم العقوبة؟ هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك، رجاء أن تُرحموا، أو كي تُرحموا فلا تُعذبوا، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر" (فيض القدير [4/179]).
وفي قوله تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم:10].
في تفسير الجلالين لقوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} -{مِنْ} زائدة، فإن الإسلام يغفر ما قبله، أو تبعيضية لإخراج حق العباد. {وَيُؤَخِّرَكُمْ} بلا عذاب. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أجل الموت- (تفسير الجلالين ط. دار الحديث، ص: 331 الطبعة الثالثة).
وعن السماك بن حرب عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] يقول: "إذا أذنب أحدكم فلا يُلقين بيده إلى التهلكة، ولا يقولن لا توبة لي، ولكن ليستغفر الله وليتب إليه، فإن الله غفور رحيم" (شعب الإيمان للبيهقي [7092]).
4- الاستغفار بعد الذنب سبب لصلاح القلب:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عز وجل فِي الْقُرْآنِ: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}» (حسن: أخرجه أحمد [2/297]، والترمذي [3334]، وابن ماجة، وابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الجامع [1670]).
5- إن الله تعالى ليعجب ممن يستغفره عالماً بأنه لا يغفر الذنوب غيره:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذا قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لي ذُنُوبِي، وهُو يعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» (صحيح: رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع [2069]، و الصحيحة [1653]).
6- الاستغفار من جماع خيري الدنيا والآخرة وتعليمه صلى الله عليه وسلم لمن أسلم وفي الصلاة:
لقوله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]. وقد ذكر البخاري رحمه الله في" كتاب (الدعوات – باب أفضل الاستغفار) هذه الآية. وقال الحافظ في (الفتح [12/82]): "وكأن المصنف لمَّح بذكر هذه الآية إلى أثر الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً شكا إليه الجدب فقال: استغفر الله. وشكا إليه آخر الفقر فقال: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال: استغفر الله. وشكا إليه آخر عدم الولد فقال: استغفر الله. ثم تلا هذه الآية". قال الحافظ: "وفي هذه الآية الحث على الاستغفار، وإشارة إلى وقوع المغفرة لمن استغفر".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.