ليس الصوم الحقيقي الإمساك عن الطعام والشراب، ولكنه مدرسة تربى فيها النفوس على البعد عن المباحات، حتى تألف بعدها وتعتاد عليه، فيصبح البعد عن الشرور والمعاصي سهلاً يسيراً ومن باب أولى، وفي الأثر: «ليس الصيام من الطعام والشراب، وإنما الصيام من اللغو والرفث». قال الحافظ أبو موسى المديني هو على شرط مسلم. قال بعض السلف: "أهون الصيام ترك الشراب والطعام". وقال جابر: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم". إذا لم يكن في السمع مني تصاون *** وفي بصري غض وفي منطقي صمت فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت قال ابن رجب: "وسر هذا، أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات.. ولهذا المعنى والله أعلم ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار، ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل". واعلم وفقك الله.. إنك بصبرك عما تقوم عليه حياتك، من أكل وشرب، وعن شهواتك من جماع وغيره، في نهار كامل، في شهر كامل، فأنت على الصبر عن معاصي الله وعلى طاعته باقي عمرك أقدر وأصبر. ومتى ما تعلمنا من شهرنا الصبر على طاعة الله، والصبر عما حرم الله، فقد حققنا التقوى التي أرادها ربنا سبحانه وتعالى بفرضية الصيام علينا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] فالقضية ليست تعطيشاً وتجويعاً، وإنما هي تربية على المبادرة للطاعات، والاستجابة للأوامر، وفي الأمر بتعديل الفطور وتأخير السحور، وتفضيل ذلك، ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر». أسأل الله أن يجعلني وإياك ممن صام رمضان، وقامه إيماناً واحتساباً، وأن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر الكريم من النار.