أظلنا شهر رمضان شهر الصوم ,شهر القرآن ,شهر العتق من النيران، إنّه الشهر الذي يقوم فيه كلّ مسلم قادر وكلّ مسلمة قادرة بواجب الصوم والتقرّب إلى الله تعالى, ولذا فمن واجب كلّ واحد أن يتّقي ربّه في صيامه ويقوم به أحسن قيام حتى ينال الثواب, فيحفظه عمّا لا يليق من الرفث والغيبة والنميمة وغيرها من الآثام. قال الله تعالى في حقّ الصائم في حديث قدسي (إنّه يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) رواه البخاري. ذلك أنّ الصائم يتقرّب إلى الله بترك هذه الشهوات في حالة الصيام, ولا يتمّ له ذلك إلآ بترك ما حرّم الله عليه في كلّ حال من الكذب والغدر والغشّ والخيانة والظلم والعدوان وشهادة الزور والتعدّي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم, فهذه الأمور محرّمة لا محالة ولكنّها في حقّ الصائم أشدّ حرمة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. فالتقرّب إلى الله بترك المباحات لا يتمّ ولا يكتمل إلآ بعد التقرّب إليه بترك المحرّمات, فمن ارتكب المحرّمات ثمّ تقرّب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرّب بالنوافل, وردفي مسند أحمد بن حنبل عن عبيد مولى رسول الله أنّ إمرأتين صامتا على عهد رسول الله فأجهدهما الجوع والعطش في آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله تستأذناه في الإفطار, فأرسل إليهما قدحا وقال: (قل لهما قيئا فيه ما أكلتما) فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا أي طريا وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه, فعجب الناس من ذلك فقال الرسول (هاتان صامتا عمّا أحلّ لهما وأفطرتا على ما حرّم الله تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم). وعن أبي هريرة قال رسول الله: صلى الله عليه وسلّم (الصيام جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنّي صائم ) رواه مسلم.