جدل عقيم عاشته تونس مؤخرا وهي تودّع عاما وتستقبل آخر كان ابطاله هذه المرة بعض الأيمة الّذين ندّدوا من فوق منابرهم وحذّروا من سيصلّي خلفهم من مغبّة إستهلاك الدجاج ليلة رأس السنة وأكل المرطّبات بإعتباره تشبّها بالنصارى في إحتفالاتهم وأفتوا بتحريمه وإن لم يُكفّروا وهذا من فضل ربي مرتكبيه .. وقد أثار هذا الموضوع جدلا واسعا داخل العائلات والمجتمع بين مؤيّد ورافض لهذه الفتاوي .. وشخصيا أمام الكمّ الهائل من الرسائل التي وصلتني عبر بريدي الإلكتروني بعضها يدعوني لمناصرة القرار وتأييده وبعضه يدعوني لإنتقاده والتنديد به راودني سؤال وسط زحام الافكار.. وهو تُرى ونحن فيما عليه من ظروف معلومة للقاصي والداني ألم يبق لنا سوى البتّ في أمر الدجاج ليلة رأس العام لنحشر فيه أنوفنا ونُدلي فيه بدلونا في المطابع وفوق المنابر..؟ وهل إنتهت مشاكلنا وإستوت بلادنا وبلغنا حدّا من النغنغة والرفاهية حتّى بتنا نحرّم ونحلُّ ونحلّل كلٌّ على هواه في مواضيع ليس الآن بأيّ حال من الأحوال وقت طرحها ولا الظروف الملائمة إجتماعيا وإقتصاديا لتناولها، ثمّ عن أيّ تشبّه بالنصارى يحدّثنا السادة الأئمة المحترمون وإحترامهم واجب لا شكّ فيه مثلما نقدهم ومحاورتهم واجب أيضا ولماذ لا يُنظر للموضوع من زاوية اخرى ترى في لمّة العائلة صلة رحم وتحابب وتزاور مادام ليس فيها ما يُضير ومادامت خالية من أي منكر تأباه الشريعة وتنكره القيم، لماذا نُفسد فرحة عائلة إجتمعت على دجاجة وهي الأقلّ ثمنا والأرفق بجيب المواطن، و ننسى أن نقدّم البديل الّذي يصبح باختصار أن يلتزم المواطن بيته أو يسهر على وليمة تتناطح فيها أسعار الخرفان والعجول بعشرات الدنانير... ثمّ أيهما كان الأجدر بالقول تحريم أكل الدجاج والمرطبات في رأس السنة أم تحريم الإضرابات والإعتصامات التي أنهكت البلاد والعباد والمطالبة بتجريم مرتكبيها ومحاسبتهم بقوّة القانون طبعا ورفض مثل تلك الممارسات التي لا تختلف في شيء عمّا كان يقوم به المخلوع وعصابته مع فارق وحيد أنّ الاموال المهدورة كانت تمضي إلى جيب بن علي وآله وصحبه .. واليوم تذهب في قتل الوطن ونحره ... والمواطن المُثقل ابدا هو من يدفع دائما فاتورة كلّ ذلك من جيبه وأعصابه ودمه .. نحن نقدّر أئمّتنا .. ونُجلّ بيوت الله ونحبّها .. وكم تمنينا أن يكون الإمام الخطيب أشهر من لاعب كرة القدم أو فنّان أو راقصة ترقص على طار بو فلس .. واليوم وقد بدأت امانينا تتحقق فعلينا أن نعلم بأنّ ذلك يُضاعف المسؤولية على كتف هؤلاء الأيمة .. ويزيد من ثقلها على عاتقهم، بما يدعوهم للتحرّي والتدبّر قبل أن يُطلقوا قولا أو يُرسلوا بين الناس فتوى ، خاصة ونحن نعلم إنحدار الإعلام ونفور المواطنين منه وأصبح الرجاء بعد الله تعالى طبعا في علمائنا ومشايخنا، ولكن على أن يأخذ هؤلاء بالأهم قبل المهم، وأن يكونوا جزء من المجتمع ولا ينفصلون عنه، وأن يتدبّروا الرأي ويأخذوا بالنصح والمشورة .. وألاّ يركب كلّ حسب هواه مطيّة الفتوى .. وليتذكّروا بأنّه ليس كل أستاذ تربية إسلامية هو مفتي .. وليس كلّ من يدّعي العلم فهو عالم .. وأنّ إمامة الناس ليست فسحة .. وليست مجلسا في مقهى .. وليست آراء خاصة ومواقف شخصية .. وأنّ بحث الإمام وتحرّيه وتدقيقه واجبٌ، وهو على قدر من الخطورة والمسؤولية بمكان .. وليكن كل صاحب علم على قناعة راسخة بأنّه لم يؤت من العلم إلاّ قليلا .. حتّى نكون بالقول والفعل خير أمّة أُخرجت للناس .. ولا نكون أمّة تضحك من جهلها الأمم لا سمح الله