في مثل هذا اليوم، وقبل سنتين تحديدا، امتدّت يد الغدر الجبانة لتغتال ابنا من أبناء تونس البررة، الشهيد المناضل والقيادي السياسي والحقوقي "شكري بلعيد"، الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، وأحد أبرز مؤسّسي الجبهة الشعبية، في محاولة يائسة وبائسة لإخماد صوته الطليق المنتصر للحرية ولحقوق الغلابة والمحرومين، والرافض لكلّ أشكال العنف والإرهاب المتغوّل والمدمّر والذي طال السياسيين والعسكريين والأمنيين. سنتان مرّتا، ولا تزال العائلة الديمقراطية والحقوقية على لوعتها، وعلى غضبها، وعلى إصرارها لمعرفة من قتل شكري بلعيد ومن أوعز بقتله ومن تكتّم عن قتله إلى اليوم. رحلت حكومة الترويكا وهاهي حكومة التكنوقراط ترحل اليوم دون أن يأتي الجواب الشافي، ولا يزال الغموض والتكتّم سيّد الموقف، ولا نزال نحن على إصرارنا لمعرفة "من قتل شكري بلعيد؟". لم يبق لنا من عزاء سوى التسليم بالوعد الذي قطعه رئيس الجمهورية الحالي للكشف عن ملابسات اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي، ولا أخاله من أولئك الذين يخلفون الوعد. ولن يهدأ لنا بال حتّى نقف على تفاصيل الحقيقة… كلّ الحقيقة. لقد فقد فيك الاتحاد العام التونسي للشغل صديقا وفيّا، خدوما، منحازا لقضايا الشغالين ولحقوقهم المادية والأدبية، ونصيرا لا يساوم لمبادئ الحرية والديمقراطية، وسندا قويا للجهات المفقّرة والمحرومة المنتفضة من أجل حقّ متساكنيها في التنمية وفي العيش الكريم. لن تنساك ساحة محمد علي الحامي، نصيرا لنضالات العمال، ومدافعا مستميتا لقضايا النقابيين العادلة ولحرمة مقرّاته، ولن تنساك محاكم الرأي العام مرافعا متطوّعا عن المعتقلين السياسيين بمختلف انتماءاتهم ومعتقداتهم، ولن تنساك رحاب الجامعة مناضلا صلبا في الحركة الطلابية من أجل حريّة الفكر واستقلالية القرار، ولن تنساك الخطوط الأمامية للمسيرات والمظاهرات المنتفضة ضدّ الاستبداد والفساد والحيف الاجتماعي. فلتكن أيّها الصديق العزيز على ثقة من أنّ النقابيين سوف يبقون أوفياء لدمائك الطاهرة، ولمواقفك المشرّفة، وسوف يحملونك في ذاكرتهم كما حملوا من قبل، بكلّ فخر واعتزاز عظماء تونس البررة أمثال محمد علي الحامي وفرحات حشّاد وأحمد التليلي والحبيب عاشور، ولتكن أيّها الصديق العزيز على ثقة بأنّك سوف تبقى رمزا خالدا من رموز ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كما سوف تبقى حيّا لدى كلّ التونسيات والتونسيين. فأنت وإن كنت معنا فقد أصبحت فينا. رحمك الله أيّها الصديق العزيز، وتغمّدك الله بواسع رحمته وغفرانه، ورزق أهلك وذويك ورزقنا جميعا، تونسيّات وتونسيين، جميل الصبر والسلوان.