نلتقي اليوم في هذه المناسبة الأليمة، مناسبة أربعينية المناضل السياسي والناشط الحقوقي الشهيد شكري بلعيد، لنجدد باسمي الخاص ونيابة عن مناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل, تعازينا الحارة إلى أرملة الشهيد وبناته وأهله وذويه، وإلى مناضلي ومناضلات حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد والجبهة الشعبية وإلى كل (حراير) و أحرار تونس. رحم الله شكري بلعيد و رزق أهله و ذويه ورزقنا جميعا جميل الصبر والسلوان. والحقيقة أننا في الاتحاد العام التونسي للشغل أحوج إلى العزاء والمواساة لفقدان عزيز خبرناه فكان أعز الاصدقاء وأوفاهم و أكثرهم اخلاصا وعطاء. فقد عرفناه نصيرا لقضايا النقابيين والشغالين المظلومين، محاميا شهما وسبّاقا لإعلاء كلمة الحقّ, لا يعرف التردّد ولا الكلل. عرفناه صوتا مدوّيا عاليا حرّا طليقا، مشهّرا بالظلم والاستغلال مدينا لممارسات القمع والتنكيل وللانتهاكات والاعتداءات المكرّسة للاستبداد. عرفناه منتصب القامة صامدا إلى جانب ضحايا الحوض المنجمي من العمّال والمعطلين، حاسما قاطعا لا يتردد في الافصاح بكلمة الحق. عرفناه في الصفوف الأمامية في سيدي بوزيد، في الكاف وفي سليانة وفي قفصة وفي شوارع العاصمة متصدّرا للمسيرات الشعبية صادحا بشعارات الثورة شغل حرية كرامة وطنية، داعيا إلى الحقّ في التنمية وفي التشغيل وفي الأمن وفي حماية القدرة الشرائية. عرفناه منحازا جريئا لقضايا الشغّالين ولمواقف المنظمة الشغيلة المنادية بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. عرفناه مدافعا لا يكلّ في قضية التحقيق في ملابسات اغتيال الشهيد الزعيم فرحات حشاد وفي الاعتداءات الهمجية التي استهدفت مقرات الاتحاد ورموزه ومناضليه. عرفناه صريحا جريئا لا يرهب وهو يواجه بكلّ جرأة دعاة العنف والمتستّرين عنهم، والمتغوّلين المتلهفين للالتفاف على استحقاقات الثورة و ابتزاز تضحيات الشهداء و الجرحى الابطال, منبّها إلى خطورة ما يحصل من اختراق لدواليب الدولة، ولسياسات المحاصصة، والتوظيف ومحاولة التضييق على الحريات العامة والفردية. لقد كان فعلا كما قالت أرملته بسمة: «شديد الثقة في الشعب، شديد الثقة في الذكاء البشري، شديد الثقة في ذكاء التونسيين». واليوم وبعد أربعين يوما من اغتياله لا تزال البلاد في حالة حداد على فقدانه ولا يزال السؤال على كلّ لسان «من قتل شكرى بلعيد؟». إننا وان ننسى, فلن ننسى تلك الكلمات التي أدلى بها الشهيد سويعات قبل اغتياله ليلة الثلاثاء 5 فيفري الماضي في حصة تلفزية والتي دعا فيها الى مؤتمر وطني ضد العنف استباقا للمخططات الارهابية التي تتربص بالبلاد فكان الرد سريعا قاتلا, غادرا, جبانا. لقد كان لاغتيال الشهيد شكري بلعيد وقعا سياسيا مزلزلا غير مسبوق، يشهد على ذلك الهبة التلقائية لأكثر من مليون ونصف مواطنة ومواطن جاؤوا للتعبير عن رفضهم القاطع لمنزلق الاغتيال السياسي والجريمة المنظمة، ومع ذلك فإنّ القاتل مازال طليقا، ومازالت الحقيقة حول ملابسات اغتياله في طيّ الكتمان. من قتل شكري بلعيد? سؤال لن نكف عن ترديده في وجه الحكومات المتعاقبة حتى يقف شعبنا على الحقيقة, كل الحقيقة. لقد مثّل اغتيال الشهيد شكري بلعيد لحظة فارقة في سيرورة الصراع بين قوى الثورة وقوى الثورة المضادة، بين القوى الدافعة نحو الانتقال الديمقراطي وقوى الجذب والشدّ إلى مربّع الاستبداد. إنّنا في الاتحاد العام التونسي للشغل على قناعة بأنّ الاغتيال السياسي يعني بالأساس أنّ مدبّر الجريمة والمتستّر عنها أصبح عاجزا عن إدارة الصراع السياسي بشكل ديمقراطي، هذا ما انتهت إليه حكومة حمّادي الجبالي، وهذا ما ننبّه إليه حكومة علي العريض الحالية. إنّنا في الاتحاد العام التونسي للشغل بقدر تمسّكنا بمبدإ الحوار مسلكا لا بديل عنه للانتقال الديمقراطي، والتقدّم جماعيا لتحقيق أهداف الثورة، فإنّنا سوف نبقى مجنّدين إلى جانب أسرة المحامين وعمادتهم، وأسرة القضاة الغيورين على استقلالية القضاء وحياديته وفرسان الإعلام الأحرار، وكلّ القوى السياسية التقدمية، ونشطاء المجتمع المدني لسدّ الطريق أمام الساعين لجرّنا إلى أَتُونْ العنف والحرب الأهلية وإعادتنا من جديد إلى مربّع الاستبداد والفساد. فلْنكن صفّا واحدا من أجل الانتصار للحقيقة، حقيقة اغتيال الشهيد شكري بلعيد، و لنكن صوتا واحدا لنقول: لا للعنف, لا للاغتيال السياسي, لا للجريمة المنظمة, لا لميليشيات ما يسمى برابطات حماية الثورة. المجد و الخلود لشهداء و جرحى ثورة الحرية و الكرامة. المجد و الخلود للشهيد شكري بلعيد رمزا للتحدي و نصيرا للزواولة و نبراسا لعشاق الحرية و الديمقراطية.