القى صباح اليوم الامين العام لاتحاد الشغل حسين العباسي في ساحة محمد علي كلمة بمناسبة الاحتفال بعيد الشغل وذلك قبل انطلاق المسيرة العمالية التي دعا اليها الاتحاد في ما يلي نصها: بنات وأبناء الاتحاد الأحرار، أيّتها العاملات والعمال، للمرّة الثالثة من عمر الثورة.. ثورة الحرية والكرامة.. يحتفل الشغالون التونسيون، أسوة بسائر عمّال العالم، باليوم العالمي للشغل.. وفاءا وتكريما لنضالات وتضحيات عاملات وعمال شيكاغو في أمريكا، الذين استبسلوا حتّى الموت في مقاومة جبروت قوى الاستغلال وغطرسة رأس المال المتغوّل، واستماتوا لإثبات ذاتيّتهم كمكوّن أساسي من مكوّنات التنمية، وكطرف رئيسي في الإنتاج، وفي خلق الثروات، وفي تأمين الرّفاه والعيش الكريم للإنسانية جمعاء. وللمرّة الثالثة من عمر الثورة.. نقف في هذه الساحة الرمز، ساحة محمد علي الحامي، لنترحّم على أرواح شهدائنا الأبرار من الروّاد النقابيين ومن أبناء شعبنا الأحرار الذين رسموا بدمائهم طريق التحرّر والانعتاق. ولنجدّد لهم خالص عبارات الامتنان والوفاء والتقدير. بنات وأبناء حشّاد العظيم، حماة الاتحاد وفرسان الحرية، لقد علّمنا تاريخ شعبنا وتاريخ الحركة العمالية في تونس وفي العالم، أنّه ما ضاع حقّ وراءه طالب.. ونحن، في البداية وفي النهاية، طلاّب حقّ.. الحقّ في العمل اللائق.. الحقّ في التنمية.. الحقّ في المساواة.. والحقّ في الحرية.. والحقّ في الكرامة وفي العدالة الاجتماعية… وسوف نبقى، وبالرغم من المساعي المحمومة لإلغاء دورنا وارتهان قرارنا وارباك مبادراتنا، دعاة حقّ، وقوّة تعديل وتوازن داخل المجتمع، كلّفنا ذلك ما كلّفنا.. لقد عاهدنا روّادنا أن نبقى أوفياء للحرية.. أنصارا للديمقراطية وللحوار ولحق الاختلاف والتنوّع. عاهدناهم أن لا نركع للابتزاز.. أن لا نستسلم للعنف وللخوف.. أن لا نساوم في استقلالية قرارنا وفي حقوق الشغالين.. عاهدناهم على حبّ البلاد كما لا يحبّ البلاد أحد.. على حدّ تعبير الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد. عاهدناهم أن نحمي الضعيف وأن نقاوم المتسلّط والمستبدّ وأن نبقى على الدوام مُؤْتَمَنِينَ على استحقاقات هذا الشعب، وعلى ذاكرته، وعلى مكتسباته. وقدرنا أن نبقى أوفياء لِمَا تَعَهَّدْنَا به. بنات وأبناء الاتحاد الأوفياء،يا حماة الثورة وعشّاق الحرية، يحقّ لكم في مثل هذه المناسبة العمالية أن تفخروا باتحادكم الذي توفّق بفضل كفاءة مناضليه وَحُسْنِ أدائهم، وبالرغم من كلّ المحن التي تعرّض لها، والتي نترفّع عن الإتيان على ذكرها وتعدادها، إلى تسجيل العديد من المكاسب، بَدْءًا بالمفاوضات الاجتماعية التي أفضت إلى زيادات هامة في الأجور، وإلى تفعيل الاتفاق الخاص بإلغاء العمل بالمناولة، وتوحيد الأجر الأدنى الصناعي والفلاحي، وصولا إلى العقد الاجتماعي الذي أبرمناه تحت قبّة المجلس التأسيسي مع الحكومة والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وبحضور الرئاسات الثلاث، تجسيدا للرغبة المشتركة في تأمين العمل اللائق، وديمومة المؤسّسة، وحرصا على دعم مقومات السّلم الاجتماعي. إننا على يقين من أنّ ما نحن مقدمون عليه مع شركائنا، من شأنه أن يساهم في تراجع نسبة التوتّر والاحتقان ويعيد الثقة وينمي روح البذل والعطاء. أما من يروّج بشأن مسؤولية الإضرابات في تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وفي تراجع الاستثمار في بلادنا،إِنَّمَا هو إِدِّعَاءٌ الهدف منه تمرير مخطّطاتٍ استغلالية الغاية منها، الالْتِفَافُ على مطلب دسترة الحقّ النقابي، والحقّ في الإضراب،وَهْوَ مَا يَعْنِي إلغاء حقّ الدفاع عن المصالح المشروعة للشغالين. الأخوات والإخوة، إنّ ما تحقّق من انجازات ومكاسب لا ينبغي أن يحجب عنّا عديد الجوانب السلبية التي لا مناص من التصدي لها ومقاومتها لأنها، وببساطة، تتعارض مع أهداف العقد الاجتماعي الذي تفاءلنا بإمضائه، وَتَضْرِبُ في الصميم مصداقية المفاوضة الجماعية التي جعلنا منها في بلادنا أحد المقومات الرئيسية للحوار الاجتماعي ولتطوير التشريع الاجتماعي. لقد أصبحنا اليوم نعيش حالة من العصيانِ في مجالِ العلاقاتِ الشُغْلِيَّةِ: امتناع سافر عن تطبيق الاتفاقيات القطاعية..وانتدابات وتعيينات مشبوهة صلب الإدارة والمؤسّسات العمومية دون اعتبار عنصر الكفاءة والحرفية والأهليّة. إنه تَمَرُّدٌ على القانون لا بدّ من التصدي له ومقاومته.. ولن نَتَرَدَّدَ في استعمال حقّ الإضراب للردّ على مثل هذه التجاوزات لأنها تستهدف استحقاقات الشغالين المشروعة، وَتُكَرِّسُ التمييز واللاّمساواة في الفرص. لقد أصبحنا نعيش أيتها العاملات، أَيُّهَا العمال، وَضْعًا مُدَمِّرًا لقدرتنا الشرائية أفقد الزيادات الناجمة عن المفاوضات الاجتماعية مفعولها، وَأَبْطَلَ مَقَاصِدَهَا.. فقد أَحْكمت عصابات التهريب قبضتها على مسالك التوزيع دون رادع يردعها، إلى حدّ أصبحت تتحكّم في الأسعار بحسب مشيئتها. أصبحنا مسكونين بهاجس الاستسلام للخوف، نتيجة تفشي مظاهر العنف المنظّم والتستّر على جرائم ما يسمى برابطات حماية الثورة، والذي طال مركزية الاتحاد ومقرّاته في الجهات، وأودى بحياة المناضل لطفي نقّض وبلغ أَوْجَهُ باغتيال القيادي الحقوقي والسياسي شكري بلعيد.. ولكن أيضا بسبب الانتشار غير المسبوق والخطير للأسلحة بكلّ أنواعها، وتحوّل البلاد إلى سوق للمخدرات ولتجار الموت من المرتزقة، الذين يغرّرون بفلذات أكبادنا للزجّ بهم في معارك لا علاقة لهم بها. أيتها المناضلات.. أيها المناضلون، إنّ شعبنا في حاجة اليوم إلى رسائل، واضحة وملحّة، تصالحه مع مؤسّساته، وتُنَمِّي لديه قيمة العمل، وَتُحْيِي لديه الرغبة في رفع التحديات.. اقتصادنا هو الأخر في حاجة إلى رَسَائِلٍ مطمئنةٍ تشجّع على جلب الاستثمار الأجنبي وتزيل مخاوف رجال الأعمال التونسيين المتردّدين، رَسَائِلَ تفتح أمامه أفاق التطوّر المستديم والمتوازن، وتفجّر الطاقات الكامنة في جهاتنا الداخلية المهمّشة، وتوّلد الرغبة لدى متساكنيها في حبّ البقاء والاستقرار، وتبعث الأمل في نفوس مئات الآلف المعطلين من شبابنا الذين أخذ منهم اليأس مأخذه فاختار الكثير منهم طريق الانتحار حرقا أو الموت غرقا, في حين إنساق الكثير منهم إلى مستنقع الجريمة والإرهاب. مجتمعنا هو أيضا في حاجة إلى رسائل مطمئنة لكي تتفرّغ نخبه ومكوناته بمختلف تعبيراتها لصياغة مشروع الدولة المواطنة، وفق الاختيار الحرّ، وعلى قاعدة الإدارة المشتركة والتمشي التوافقي. من بين هذه الرسائل المطلوبة والمتأكّدة: على المستوى الاجتماعي، مباشرة المفاوضات الاجتماعية في اقرب وقت لتدارك ما لَحِقَ بالمقدرة الشرائية للأجراء من ضررٍ جرّاء التهاب الأسعار والارتفاع القياسي في التضخم المالي الذي قارب نسبة 5،7% انعكس سلبا بالخصوص على الطبقات العاملة وذات الدخل المتوسّط. التعجيل بتسوية ملف شهداء وجرحى الثورة والمنتفعين بالعفو العام وإحاطتهم وعائلاتهم بكلّ متطلّبات التعويض والرعاية. التصدّي بحزم لعصابات التهريب التي أصبحت متنفذة في السوق ومتحكمة في مسالك التوزيع دون رادع يردعها. التقيّد بالشفافية والمساواة في الفرص في مجال الانتدابات والتعيينات والالتزام بمقاييس الكفاءة والأهلية والخبرة. التخلي نهائيا عن نيّة تقييد حقّ الإضراب والالتزام بإقراره كحقّ دستوري مضمون. على المستوى الأمني: التصدي لظاهرة العنف والتعجيل في حلّ رابطات حماية الثورة وتتبّع ومقاضاة كلّ من ثبت تورطه في الاعتداءات على مقرات الاتحاد العام التونسي للشغل وعلى المعالم الأثرية والفنية وعلى التجمعات السياسية والمدنية. التعجيل بالكشف عن قتلة الشهيد شكري بالعيد والأطراف المورطة في التخطيط والتمويل والتنفيذ، من أجل مقاضاتهم على جريمتهم السياسية النكراء. تحييد دور العبادة والإدارة العمومية والمؤسّسات التربوية والنأي بها عن التوظيف الحزبي والتجاذب السياسي. الكشف عن مخابئ الأسلحة وعن الأفراد والجماعات المسؤولة عن جلبها إلى بلادنا وتشديد المراقبة على حدودنا. على المستوى الاقتصادي. المباشرة الفورية للاستثمار العمومي والخاص في الجهات الداخلية مع التركيز على المشاريع ذات الكثافة التشغيلية العالية. العمل على إقامة آلية واضحة وفاعلة تضمن شفافية المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي وبقية المؤسّسات المالية وتؤمن مشاركة القوى الاجتماعية والاقتصادية المعنية، بما يسمح لهذه القوى بتحليل أثار المفاوضات على القطاعات الإنتاجية وعلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. على المستوى السياسي: التعجيل بتنظيم الجولة الثانية من مبادرة الاتحاد المتعلقة بالدعوة إلى مؤتمر وطني للحوار يجمع كلّ الفرقاء السياسيين دون استثناء أو إقصاء، ومختلف مكونات المجتمع المدني، للتوافق حول خارطة طريق تضبط بدقّة آليات وآجال المرحلة الانتقالية المقبلة. تفعيل دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين والمعهد العربي لحقوق الإنسان، لتنظيم مؤتمر وطني لمقاومة العنف يبحث في مسبّبات الظاهرة وتبعاتها على الحياة السياسة وسبل استئصالها داخل مجتمعنا. أيتها المناضلات.. أيّها المناضلين، لا يفوتنا ونحن نحتفل بالعيد العالمي للشغل إلاّ أن نعبّر من جديد عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل التحرّر وبناء دولته المستقلّة وعاصمتها القدس الشّريف، آملين أن يتمّ استكمال خطوات توحيد الصفّ الفلسطيني ضمن برنامج تجتمع حوله كلّ فصائل المقاومة. كما لا يفوّتنا أن نجدّد رفضنا لأي تدخّل أجنبي في سوريا، ونعتبر أن الحلّ السياسي بين الفرقاء السوريين هو الأقدر على تجاوز المحنة في هذا البلد الشقيق. عاشت وحدة العمال – المجد والخلود لشهداء الوطن – العزّة لتونس عاش الاتحاد العام التونسي للشغل، حرّا مستقلا ديمقراطيا ومناضلا