السّلام عليكم... بعد ظُهر يوم حافل مرّت عليّ فيه جميع صنوف الهمّ و الغمّ، وكلّ مظاهر الكرّ و الفرّ، والتي زاد في حدّتها كثير من الحرّ و قليل من الأمل في البِرّ، جعلاني أدخل بيتي ألعن السّياسة و السّياسيين و المنافقين منهم إلى يوم الدّين، ممنّيا نفسي بقيلولة تنسيني ما وقر في قلبي و صدّقه عقلي من أنّ الأوضاع في بلدي ارتطمت بالحائط و انتهت، و هاهي راجعة القهقرى و بآمال شعب كامل اختفت بالورى... قلت لكم أني و ما إن استلقيت في مكاني الذي لا يستقيم اختياري له مع رأي زوجتي كل يوم... و ما إن بدأت استمتع بالنّوم في القايلة... حتّى رنّ جرس الباب المزعج المصنوع في الصين و المعدّل صوتُه على اسم صانعه هناك، فجمع منكرَين:صوتٌ عالٍ و معنى مبهمٍ. قمت و كُلّي كَللٌ، و من الطّارق مللٌ، وولّيت وجهي شطر باب الدار مستحضرا ضحك ذلك الصينيّ صاحبنا عليّ، و تمكّنه منّي في خطّته بجرسه، إذ ليس لي حلٌّ سوى فتح الباب وإن لم أفعل فذلك الصوت المزعج.... و لا تنسوا أن الوقت قايلة كما أردفتُ لكم... فتحت، فإذا بحمارٍ عند الباب يرمقني مستهزئًا بعين فيها مكرٌ و حيلةٌ، فهمَ بها حيرتي و دهشتي، لأنّي كنت أبحث عن شخص آخر لعلّه كان معه و اختفى عند ظهوري أمامه... ثمّ بادرني بالقول بأنّه الطّارق عينُه. فقلت له: كيف لحمار مثلكَ أن يطرق جرسًا أو يتكلّم فصاحةً ؟ ...فهَمهَم و قال: يا من تدّعي في العلم معرفة... دهشتَ لحمار تكلّم و لم تدهش لمفكّر صمتَ و لربٍّ يهان؟ فسألته و قد بدأ الذهول ينقشع عنّي عن سبب مجيئه إليَّ في هذا الوقت و قد خرجنا لتوّنا من ثورة؟ و لماذا لم يظهر أيّامها؟ بل أين كان قبلها؟... عندها بدأتُ ألمح غضبا بين عينيه، و حنقا في وجنتيه قبل أن ينقلب منّي ساخرا، و بسؤالي ضاحكا قائلا: هل رأيتَ كمَّ جهلكَ و عِظم علّتكَ و سقمكَ الذي أصاب منك العقلَ و الرأيَ؟ ... بربّك ألم تكن تراني منذ بدأتَ تقرأ نصوصَ مادّة القراءة في مدرستكَ ؟... ألم تلحظني عند أحداث الخبز؟... ألم نتقابل في المظاهرات التي خرجت تساند العراق لمّا تهافتَ عليها الإنس و الجنّ و كلّ من له حقد على المربد؟... ثم دعك من التّاريخ... ألم أكن عماد الاستقلال ببلدك الذي تُحب؟... ألم تلحظني في صور الزعيم المرصّع بالنياشين الكاذبة؟ ثم من يعود له الفضل في استتباب الأمن لعشرات السنين الخوالي؟... ألا يعود هذا الفضل لي؟... ألم أكن المُعيل والمُعين و المنير؟... بالله عيك هل تتخيل الميزانية الخيالية لصندوق 26/26 التي اكتشفتموها مؤخرا، والتي أدهشتكم كلّكم، هل كانت كذلك لولاي؟... و هل تحسب خروجك للثورة لوحدك؟... ألم أكن في كل صفّ وفي كل نهج و زنقة و كل بيت و كل شاشة؟... ثم ها أن الثّورة انتهت... هل كانت الأمور لتنتهي على ما هي عليه الآن لو لا وجودي بينكم؟... و هل تتجاسر مخرجتُكم الفحلة هذه الأيّام أن تَعرض فلمها لولا وجودي المحترم بين مثقفيكم؟... و هل كنت تدخل بيتك في هذه القايلة تلعن السّاسة و السّياسين لولا أني أحوم بينهم أحرّضهم على القتال كل يوم و كل ساعة؟... وهل كان مجلس حماية ثورتكم يهتم بتوافه الأمور و يُعرِض عن تحديد من ناشد زعيمكم المجرم، لولا خطاباتي الناريّة في أروقته و صَولاتي و جولاتي في كل مقعد فيه و مصدح؟... و هل نسيتَ أنّي المشرف العام، و أنّي القائد الأعلى لقنوات تلفزية جمعت في أسمائها التاريخ و النسيم و هي تبُثّ من بين ظهرانيكم ما يُشتّتُ لُحمتكم و يُعلي سوافلكم؟... ثم نظر إليّ نظرة حميرٍ ثاقبة، و قال لي: هل تسمح لي بسؤالك؟ فأجبته مندهشا من لباقته: بلى... فقال لي و هو نازل في الدّرج تاركا وراءه صرحًا من الفكر هوى.... هل من اتبَعَك يُقارع من اتبعني من الغاوين عددا؟ فتحي الزغل [email protected] facebook: Fathi ZGHAL