تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة اللغز في صفقة الأسرى تروي ل «الشروق» رحلة النضال والاعتقال: أرى نفسي شهيدة مع وقف التنفيذ
نشر في الشروق يوم 05 - 01 - 2010


تونس (الشروق) حوار سميرة الخياري كشو
كان لا بدّ لهذا الحوار أن ينشر بعد أن احتل أحد رفوف المكتب منذ أكثر من 9 أعوام.. لظروف خارجة عن نطاقي.. كصحفية..
الموضوع هو قصة آمنة منى.. الأسيرة الفلسطينية، التي تعطّل الآن اطلاق سراح «شاليط»...
أما القصة فهي تعود الى تسع سنوات.. حين تحدثت آمنة عن عذاباتها مع الاحتلال.. وعن اصرارها على المشاركة في عملية التحرير الوطني..
ترافقنا سنة 2000 وتحديدا طوال شهر أكتوبر لأسابيع.. كانت صحفية ميدانية ونبّهتني ذات غارة الى أن الصحفي ولكي يضمن حياته لا يجب أن يفرّ عند أول انذار.. علّمتني آمنة أبجديات العمل الصحفي زمن الحرب.. أنا التي لم أكن أفقه في السياسة دافعي الأوحد.. أنني كمواطنة صحفية عربية، اقتنصت الفرصة لأحقق حلم الطفولة وأرى الأراضي المحتلة.. والمخيمات.. فكان التزامن مدروسا أن ولجت فلسطين المحتلة منذ 14967.. في اليوم الثاني لاستشهاد محمد الدرّة.. وأياما بعد اندلاع انتفاضة الأقصى..
لم تكن آمنة الجواد علي منى انسانة عادية.. فقد كنت المفاجأة كبيرة حين اختزلت الحياة والموت والكرامة الوطنية في جملة: «لماذا أنتظر الموت.. أموت وأنا أفعل شيئا..» كانت فتاة الربيع الثالث والعشرين تعي ما ذهبت إليه بمحض إرادتها..
استدرجت آمنة ابن الجنرال أحوم اسمه عوفر لعلاقة افتراضية.. ومن ثم كان الموعد للقائه بمحطة الحافلات بالقدس المحتلة..
كانت آمنة تنوي وفق الخطة.. أن تأخذه أسيرا لدى حركة فتح التي تنتمي إليها.. لكن «عوفر» ولما رفض النزول من السيارة ليأخذه الشباب.. قتلوه..وكان أن واجهت آمنة حكما بالسجن مدى الحياة..
سطع اسمها في سماء تبادل الأسرى هذه الأيام.. فأصبحت اللغز الذي يعطّل صفقة التفاوض بين «حماس» واسرائيل.. تماما كما كانت طيلة السنوات التي خلت الشوكة الدائمة في خاصرة سجانيها بسجن عوفر داخل «تل الربيع» «تل أبيب» والمدافعة الأولى عن حقوق الأسيرات الفلسطينيات والناطقة باسمهنّ وبدموعهنّ وآلامهنّ، وصل بها الأمر قبل عامين الى الاضراب لأسابيع عن الطعام احتجاجا على سوء معاملتها ووضعها داخل غرفة انفرادية أو أخرى مليئة بالعاهرات الاسرائيليات ولكن من هي آمنة منى؟ وكيف حفت بها جرائم الاحتلال فتلحّفت بقصص المعذبين في فلسطين.. وتلحفوا هم بها، مناضلة وصحفية لها رأي..
عبر السؤال الأول الذي كان مدخل الحوار بدأت آمنة تفتح الزاوية تلو الأخرى.. وتضيء المرحلة تلو الأخرى فكان هذا اللقاء..
متى يأتي دوري؟
.. جلست الى الكرسي قبالتي تترشف كأس القهوة ضاحكة: «اسمي آمنة جواد علي منى ولدت يوم 26 نوفمبر من سنة 1977 بمنطقة «بير نبالا» شمال مدينة القدس المحتلة لي أخت تشغل خطة نائب مدير مركز طبي وشقيقين أحدهما يدرس بالجامعة.. وصديقي المقرّب هو والدي لم أعش طفولة عادية مثل باقي أطفال العالم.. لم ألعب بعروس أو لعبة مازلت أذكر تلك السنوات الاولى لي في الحياة.. كنت طفلة في الخامسة من العمر ذكية وأتطلع كثيرا الى كل ما يدور حولي وجنود الاحتلال يطوقون بيتي.. أشياء كثيرة بقيت عالقة برأسي الى اليوم من مذبحة «صبرا وشاتيلا» سنة 82. تلك المناظر التي رأيتها وسمعتها كانت لها علاقة مباشرة بتكوين شخصيتي.. كيف يُقتل أهلي في لبنان؟ لماذا؟ وأتساءل كل يوم متى يأتي دورنا لنذبح بدورنا.. كانوا يقتحمون المنازل ومايزال مشهد تلك المرأة وهي تصرخ «آش بدكّم» في أذني أدخلوها الفناء مصابة بطلق ناري وملطّخة بالدماء وقد ماتت.. ومنذ تلك اللحظة وأنا أتساءل طيلة الوقت متى سيأتون.. لقتلي؟.. لكنهم لم يأتوا ربما بعد عام أو عامين فلماذا أنتظر الموت.. «أموت وأنا أفعل شيئا».. وقررت يومها أن لا أكون إنسانة عادية.. أن أكون فاعلة وأن لا أنتظر الموت حتى يطرق بابي مثل تلك المرأة...
تسكت آمنة للحظات وكأنما تسترجع بعض الذكريات الأليمة وهي تمدّ بكفّيها حيث آثار حروق قديمة جدا أرتني إياها باعتزاز وهي تروي جزئياتها: «كنا أطفالا.. كبرنا معا في حي واحد ودخلنا نفس المدرسة لم نكن نلعب كما الاطفال كنا فقط نضرب بالحجارة لكن الجنود الاسرائيليين الذين يحيطون بحيّنا وبمدرستنا وبالطرقات يردّون علينا بالهراوات.. بمرور الايام كبر معي ذاك الالم وصرت أشعر أنني أكره هؤلاء الناس.. أكره مشهد الجنود وهم يحتلّون مساحات حريتي.. وشوارع الحي الذي أسكن.. ويعتدون على رفاقي وأصدقائي.. لم أكن أخاف.. أمي فقط كانت تعيش ذاك الخوف داخلها وتقول لي كل صباح أنت طفلة وصغيرة.. لكن شعوري الذي بداخلي يجعلني أكبر من سنّي بكثير...
لقد أمسكت بالبارودة في عمر الطفولة الاولى.. لقد لمستها كان طولي أقل منها.. سحبتها مني أمي وصرخت بوجهي «لا تفعلي ذلك».. لكن أحسست حينها أنني أستطيع وأنه بإمكاني حمل بندقية...
يوم قلت للجندي أنت حمار...
مازلت أذكر ذلك اليوم تسلّلت الى شوارع البلدة القديمة من دون أن تراني أمي.. فقد كانوا أحيانا يمنعوننا من الدراسة ويغلقون المدرسة.. نعم كانوا يطردوننا ويتعاملون معنا بطريقة إرهابية لم يعاملوني يوما كطفلة لذلك قررت أن أكون كبيرة.. تقدمت نحو جندي يحمل رشاشا وهمزته بيدي الصغيرة وقلت له: «أنت حمار» فضربني ودفعني الى الارض.. عدت الى البيت لم أكن أبكي.. ولكني قررت أن أتمرد على العادات.. كانوا يقولون لي أنت طفلة.. والفتاة مكانها البيت ليس الشارع.. لكني لم أحتمل هذا القرار وقررت أن أتطلّع الى المستقبل بطريقتي يجب ان أقدم شيئا لوطني.. لن انتظر الموت حتى يطرق بابي..
مطلوبة منذ الطفولة
كنت محبوبة من كل رفاقي بالمدرسة وكنت طالبة مجتهدة وأحظى من الجميع باهتمام غير طبيعي.. وكلما ارتفعت نسق الأحداث يضعني الجنود الصهاينة على قائمة المطلوبين من التلاميذ.. يأمرون مدير المدرسة بتسليمي او اغلاق المدرسة لكن رفاقي يحيطونني ويهرّبونني من السطح..
لم أعد أحس بالألم
تترشف آمنة القليل من القهوة وتواصل حديثها عن أول اعتقال لها في سن 12 عاما حيث احترقت يداها بسبب قنبلة غاز وهي تنظر الى كفيها وكأنما تسترجع ذاك الألم الذي نحت شخصيتها وجعلها امرأة مميزة ترفض انتظار الموت اذ تقول: «كنا بالمدرسة عمري 12 عاما فقط.. حين اقتحم الجنود محيط المدرسة.. أطلقوا علينا قنابل مسيلة للدموع كنّا ذاك الصباح بالصف.. عمّت الفوضى المكان.. فالغاز كثيف جدّا.. أصبنا بالاختناق والأطفال بالساحة يبكون.. امتزج صراخهم بصوت تلك القنابل وبذاك الغاز الكثيف.. احسست حينها انه بإمكاني انقاذ رفاقي.. تقدمت نحو «قنبلة الغاز» كانت ساخنة جدا لدرجة الغليان أمسكتها بكف يدي شممت حينها رائحة احتراق جلدي..» (تسكت آمنة وتنظر الى كفيها وكأنما استرجعت ذاك الألم وهي تتذكر): «لقد حملتها بيدي ورميت بها الى خارج المدرسة.. كان ألما غير عادي.. لا يمكن وصفه بل احسّه في كل مرة أسترجع فيها هذه التفاصيل.. لكني كنت سعيدة ومرتاحة البال فقد ساعدت رفاقي وباقي تلاميذ المدرسة الصغار وحميتهم وتغلّب حينها الشعور بالنخوة والفرحة على شعور الألم.
هكذا اعتقلوني
.. كنت بحاجة الى الاسعاف بعد تلك الحروق التي أصبت بها.. لم أعرف أن الجنود الصهاينة كانوا يصوّروننا.. ووثقوا صورتي عندهم.. صورة الطفلة التي تحمل قنبلة بين كفيها وتعيدها اليهم.. أحاطوا بالمدرسة من كل الجهات لأكثر من 3 ساعات كنت خلالها أتألم ولكني لم أبك.. ثم اقتحموا المدرسة.. كسّروا الباب واقتحموا حرمتها واعتقلوني.. نعم اعتقلوني وأنا طفلة في الثانية عشر ربيعا.. قدم جيراني من الحي وحاولوا افتكاكي من بين أيديهم لكنهم فشلوا.. حملوني مقيّدة وأنا طفلة الى مركز الشرطة بالقدس المحتلة بعد ان وعدوا مدير المدرسة والأهالي باسعافي. لكنهم كذبوا.. كما كانوا يكذبون دوما.
وهكذا عذبوني وأنا طفلة
.. حين نقلوني مقيّدة الى مركز الشرطة فتشوا كل أغراضي.. كل شيء.. حتى الشهائد والدروس وبين أوراق كرارسي المدرسية .. لم يتركوا شيئا الا وفتشوه حتى جسدي وملابسي.. كان الألم كبيرا رفضوا مداواتي.. رفضوا حتى منحي حقنة ضد التسمم.. بل ساوموني العلاج مقابل الاعتراف.. كنت مضطرة لتصديقهم.. حاولت أن أنكر رويت له الكثير من الأكاذيب.. فتحت يديّا لأريهما للجندي الذي يحقق معي.. لكنه وعوض مداواتي ضربني بقوة على يدي واستهزأ من وجعي.. (ترفع آمنة عينها الى الأعلى وهي تبتسم): «من المستحيل أن أنسى ذاك الوجع ما أقوله الآن مجرد كلام.. كان ألما لا يمكن وصفه سأرويه لأطفالي يوما ما.. لو كتب لي الحياة.. أو الزواج».
لقد عذبوني ولم يعاملوني كطفلة كانوا يلقون رباطا ملوثا حول يدي المحروقة ويشدّونها بعنف لفترة طويلة.. حتى أصبحت لا أحس بالوجع.. في لحظة لم أعد أتألم لم أعد أحسّ بأي شيء.. لم يعد هناك فرق.. حاولوا افتكاك اعتراف مني بالقوة.. فضربوني على رجلي وفي كل انحاء جسمي.. لكن ضربهم لم يزدني الا عنادا.. وحين يئسوا مني تركوني.. نعم تركوني دون اسعاف.. وأصبت بتعفن في يدي قضيت اثرها شهرا كاملا في العلاج.. حتى القلم لم أعد احتمل مسكه.. وأغلقوا ا لمدرسة مدة أسبوع انتقاما مني.
الشعور بالأمان
بعد أن أغلقوا المدرسة توقعت ان رفاقي ربما غضبوا مني.. لكن ما حدث كان العكس.. لقد تقاسم أصدقائي الأدوار فيما بينهم.. أحدهم كان يحمل حقيبتي المدرسية والآخرون كانوا يكتبون لي الدرس على الكرّاس.. كيف أنسى حتى التلاميذ الصغار ممن كانوا معنا بالمدرسة.. كانوا يشكرونني لأنني أنقذت حياتهم وأشعرتهم بالأمان.. ما حدث كان بمثابة الشحنة الايجابية التي دفعتني للأمام.
اعتقلوني 7 مرات
تسترجع آمنة ذكريات الطفولة من أول اعتقال الى الاعتقالات التي جاءت متتالية فيما بعد خلال الانتفاضة بالقول: «7 مرات.. نعم اعتقلت هذا العدد خلال 3 أعوام من سن 12 عاما الى سنة 15 فقد كنت عنيدة.. ولم أحسّ بأي ألم بعد ألم تلك الحروق.. لم أعد أخاف بل كانوا يخافون مني. لأنه كان باستطاعتي تحريك المدرسة كلّها.. ومنذ ذلك التاريخ انطلقت حياتي التي أحس كل يوم انها صعبة.. لم أعد أشعر بالأمان الى اليوم.. في اي لحظة يمكن ان أموت أو أُعتقل لذلك صرت أنام بملابسي.. فإذا ما اعتقلوني أكون جاهزة...
لا وجود للحلم
لقد حلمت بأشياء كثيرة حين كنت طفلة.. حلمت ان أدرس العلوم العسكرية.. لكن ليس لنا جيش ولا سلاح ولا حتى مدفع تمنيت ان أدرس الحقوق لكننا كلنا شعب مظلوم بحاجة لمن يدافع عنّا ولا أحد يدافع عنا. لا وجود لنا على خارطة الأجندا التابعة لهم.. حلمت ان تكون لنا دولتنا الخاصة.. وكل يوم أعود من المدرسة يتبخر الحلم فقد كانوا دائما موجودين.. الصهاينة المدججين بالسلاح في كل الشوارع والازقة.. صعبة هي الحياة تحت رحمة الاستعمار...لقد أثرت في شخصيتي وحياتي..
.. كبرت وكبر معي الشعور بالقهر.. لكني كنت أنشط كل يوم ضد الاستعمار.. قبل 4 أعوام أحسست أن هناك تركيزا على شخصي على آمنة بالذات لكن أي خطر يمكن ان أشكّله.. لم أكن غنيّة ولم تكن لنا الفرصة.. بل كنا فقط مقموعين بكل أشكال القمع التي خلقت في العالم.. حتى صرت أرى نفسي شهيدة مع وقف التنفيذ..
إنه شيء أفخر به أن أموت في سبيل الوطن فهي أمنيتنا البسيطة كمواطنين عاديين.. فأنا لم ألعب بالحبل ولا أعرف لمدينة الملاهي طريقا وكل الاشياء الجميلة لا أعرف كيف تكون؟ كيف تعيش سعيدا وتنهض صباحا ضاحكا على وطن حرّ؟.. فالوضع هنا تعيس جدا.. لا يوصف.
من الاقتصاد وعلم النفس
الى الصحافة
كيف انقطعت آمنة عن التعليم وكيف غيرت الشعبة من الاقتصاد الى علم النفس ثم الصحافة والتحقت برئاسة مجلس الجامعة وأصيبت بأربع طلقات من الرصاص المطاطي.. تقول آمنة وهي ترفع بكفي قميصها الى الأعلى.. حين أكملت دراستي في المرحلة الثانوية بقيت سنة بالبيت لم أجد شعبة تتماشى مع طموحي.. وعائلتي كانت تعارض بشدّة السفر الى الخارج.. منعوني من دراسة السياسة خوفا على مستقبلي.. فخضعت لدورة في التصوير الفوتوغرافي وتحصلت على رخصة سياقة وكنت لامعة في اللغات العربية والعبرية والانقليزية.. السنة التي تلتها التحقت بجامعة «بير زيت» حيث درست فصلين في شعبة الأعمال والاقتصاد ثم غيّرت الشعبة الى تكنولوجيا علم النفس.
كنت أحلم بأن أدرس الصحافة.. لكن لا يوجد داخل الاراضي الفلسطينية تخصص صحافة.. هناك تخصص فرعي هو الاعلام.. أحب الصحافة لأنها تجعلك حرّا في التعبير عن نفسك.
نشاط حركي في الجامعة
فترة الجامعة كانت حافلة جدا بالأحداث فكنت نشطة على مستوى مجلس الطلبة وترأسته.. نعم ترأست المجلس في جامعة بها 8000 طالب منهم 70٪ من الذكور.. واجهت ضغوطات وصعوبات.. لكني صرت معروفة.. وسلّطت عليا وسائل الاعلام الاضواء.. وبالصحف حيث نشرت صوري وأخباري.. فصرت أتقرّب من الصحافة والصحافيين لأنني اعشق هذه المهنة.. فكان أن أصبت 3 مرات بالرصاص المطاطي مرتين في رجلي وثالثة في ظهري.. كانت مؤلمة جدا.
وأصبحت صحفية
.. تتحدث آمنة عن الصحافة باعتزاز كبير كيف لا وهي حلم حياتها الذي تحقق تقول: «حين استقرت صوري بالصحف من نشاط الجامعة.. تعرفت الى عباس المومني قبل عام ونصف وهو مصور صحفي محترف لوكالة الأنباء «رويترز» عن طريق الصدفة. وصرت أعمل معه هنا في هذا المكتب.. حيث تعلمت أبجديات العمل الصحفي.. وكيف توثق الصورة الجريمة وأصبحت مصورة صحفية.. كان الأمر صعبا في البداية لم أستطع صنع القطيعة بين كوني صحفية ومناضلة كان الأمر رهيبا أضحك أحيانا وأنا أمسك بالكاميرا.. أريد الهرب لكن من المفروض أن لا أهرب فأنا صحفية.. فأنسى مهنتي وأتذكر كوني مناضلة أريد ممارسة وظيفتي الأم في صدّ العدوان..
صور الموت والألم
نعم واجهت صعوبات فالإصابة برصاصة مقصودة أمر عادي والاعتقال موجود، كل شيء مباح لدى الصهاينة بعد اغتصاب أرضنا.. فأنا أسكن منطقة تتوسط بيت القدس المحتلة ورام اللّه بين منطقة تحكمها يد الطاغية أسكنها وأعود إليها مساء وبين منطقة فيها السلطة الفلسطينية حيث أعمل كل يوم أرى نفس المشهد الجنود الصهاينة المدجّجون بالسلاح.. سوء المعاملة.. والتقاط صور للناس وهم يموتون أو يتألمون.. يقولون إنني أرمي بنفسي إلى الموت.. كيف؟
أريد أن أعيش.. لكن ليس هناك أشياء تستحق العيش دون وطن لذا إذا تطلب الأمر الموت من أجل الوطن فأنا أرحّب به.
الوطن أغلى من رجل
«من يراني أنثى لا تصلح إلا للزواج فهو لا يلزمني.. لأنني لن أتخلى عن طريق النضال هذا الطريق الذي عرفته منذ كنت طفلة.. فالوطن في نهاية الأمر أغلى من كل رجل». هكذا علّقت على موضوع الزواج المؤجل آمنة وهي تضحك بقوة: «مشكل الزواج لا أفكر فيه.. فأنا أعرف نفسي لا أفعل شيئا خاطئا أو حراما وأتقدم أحيانا خطوات إلى الأمام أكثر من رفاقي الرجال.. ومن يحبّني عليه أن يقبل بي كما أنا، وأتمنى أن أجد من يتفهمني فعلا.. بكوني شهيدة مع وقف التنفيذ.. خاصة حين أحمل تلك الكاميرا في موقع للاشتباكات.. فربما لن أعود.. قد أقتل أو أعتقل المهم أن يكون لي دور في هذا الوطن.
الموساد على الخط
يوم 23 جانفي 2001 وحسب ما روته لي والدة آمنة هاجم الصهاينة بيتها وضربوا عائلتها واعتقلوا آمنة بالقوة بعد أن بعثروا كل محتويات المنزل واستولوا على مبلغ 3000 دولار.. وتوفي والد آمنة صديقها المقرب بعد شهر واحد من اعتقالها حسرة عليها.. واليوم قد تطلق اسرائيل سراحها مقابل إبعادها في صفقة تبادل الأسرى مع الجندي شاليط.
هذه باختصار قصة المرأة التي لقبها الاعلام باللّغز.. قصة فتاة قررت أن تكون حرّة في بلد محتل، وقررت أن تكبر قبل الأوان.. قصة صديقة عرفتها ذات شهر من عمر الانتفاضة..
حلمت بأن تحقق شيئا وألاّ تنتظر الموت حتى يطرق بابها.. وأن تنظم معرضا للصور التي التقطتها..
.. اعتقلت آمنة.. لكنها لم تكن باعتقالها أسيرة عادية وهي تحتل قائمة المطلوبين لاطلاق سراحهم، مقابل الجندي الصهيوني «شاليط».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.