حول الحراك الذي تعيشه المحكمة الادارية بتونس خصّ القاضي محمد العيادي موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس بالتصريح التالي : ” أولا يمكن القول أنه ما عدى التغيير الحاصل على مستوى رئاسة المحكمة الإدارية والذي تمّ بمقتضاه تعيين السيدة روضة المشيشي على رأسها خلفا للسيد غازي الجريبي وما رافق هذا التغيير من احترازات وتحفظات لدى البعض من الموظفين والعملة والقضاة الإداريين وكذلك لدى متتبّعي الشأن القضائي عموما تتعلق بالأساس بالطريقة التي تمّ بها هذا التعويض وبالملابسات والظروف التي حفّت بالعملية وبدواعيها الحقيقية ، فإنّ المحكمة الإدارية لم تشهد بعد الثورة جديدا يذكر على مستوى التسميات أو مناهج العمل. أما من جهة الاستقلالية فقد واصلت المحكمة عملها في كنف الاستقلالية كما عهدناها من قبل ، ذلك أنها نجحت في مراقبة نتائج أول انتخابات ديمقراطية وشفافة عرفتها البلاد وأظهرت قدرة ملحوظة على البتّ في المنازعات الانتخابية بالرغم من ضيق الآجال وتعقّد المسائل المثارة أمامها. وبخصوص علاقتها بالسلطة التنفيذية فلا يزال الأمر على حاله ذلك أنّ رئيس الحكومة هو الذي رئيس المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية ، كما أنّ تعيين رئيس المحكمة الإدارية لا يزال من الاختصاص المطلق للحكومة ، علاوة على أنّ فرضية تعيين أحد الموظفين السامين للدولة على رأس المحكمة تظل للأسف قائمة. ويعود كل هذا إلى استثناء المجلس الوطني التأسيسي بمناسبة سنه للقانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية من قرار الحل الذي اتّخذه في شأن المجلس الأعلى للقضاء العدلي . ويبقى أمل القضاة الإداريين قائما في أن يتدارك المجلس الوطني التأسيسي الأمر ويتلافى النقائص المذكورة بمناسبة نظره في النصوص المتعلّقة بإعادة هيكلة هذه المؤسسة الدستورية بدءا بتدعيم مكانتها بالدستور وصولا إلى إدخال التعديلات المناسبة على القوانين الأساسية المنظمة للمحكمة ولقضاتها بما يتلاءم والمعايير الدولية المتّفق عليها ويقرّب خدماتها من المواطن. كما أنّ ما ينقص المحكمة اليوم في ظل تكاثر عدد القضايا المتعهد بها وارتفاع نسق ورودها بالمقارنة مع نسق البتّ هو تدعيمها بالعدد الكافي من القضاة حتى لا يتحمّل هؤلاء وزر كل تأخير مفترض في آجال البتّ في القضايا وخاصة منها تلك المسجّلة في الطور الإبتدائي والتي أصبحت تفوق 5000 قضية في السنة. 2- بالإطلاع على البيان الصادر عن القضاة التسعة الذين قاطعوا أعمال المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية يتبيّن لأول وهلة أنّ هذه المقاطعة تعبّر عن مواقف شخصية وهي لا تستند إلى أي تحالفات داخلية أو تنظيمات هيكلية ، وهي حركة أرادوا من وراءها التأكيد على أنّ انعقاد المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية في تركيبته الحالية والقائمة بالأساس في الغالب على التعيين وبرئاسة رئيس الحكومة ليس له ما يبرّره بعد اندلاع الثورة المجيدة التي قامت على أساس المناداة بالديمقراطية واحترام مبدأ التفريق بين السلط وما يقضيه ذلك من ضرورة إرساء دعائم القضاء المستقل ورفع كل أشكال الوصاية عليه.كما ترمز هذه الحركة إلى وجوب الإسراع في مراجعة القوانين المنظمة لمرفق القضاء الإداري خاصة وأنّ التصورات العامة للإصلاحات المزمع إدخالها تكاد تكون جاهزة وموضع اتّفاق بين جميع المتدخلين باعتبارها كانت نابعة من القضاة الإداريين ذاتهم من خلال ما انتهوا إليه من توصيات واقتراحات ضمن اللجان المنتخبة والتي انطلقت في أعمالها منذ شهر جوان 2011. علاوة على ما تقدّم فإنّ مقاطعة المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية تجد سندا لها في غياب كل تشاور مسبّق في النقاط التي تمّ إدراجها بجدول أعمال المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية وعدم تضمين مسألة الإصلاحات الهيكلية والوظيفية لمتعيّن إدخالها على المحكمة الإدارية ضمن النقاط المطروحة في جدول أعمال المجلس والحال أنّ الأمر يتعلّق بمسألة جوهرية ومصيرية لا يمكن أن تغيب عن مداولاته. 3- إنّ المناداة بإرساء دعائم قضاء إداري نافذ ومستقل هو مطلب شعبي بالأساس وهو كذلك من أوكد المطامح التي يسعى إليها القضاة الإداريون ذاتهم ، وعليه فإنّ مختلف التحركات وأشكال النضال التي نراها من هنا وهناك إنما تندرج في هذا السياق فقط ، ومن هذا المنطلق فهي في اعتقادي مبرّرة ومشروعة طالما لم تتعارض مع الصالح العام ومع حقوق ومصالح الغير ، كما أنّ ما يعرفه المشهد القضائي الإداري من حراك لا علاقة له بالواقع السياسي الذي تشهده البلاد ولا هو مؤثّر فيه بدليل أنّ سير العمل القضائي والاستشاري بالمحكمة الإدارية لم يتأثر البتّة بما يدور خارجها من تجاذبات سياسية بل ظلّ قضاتها ملتزمين بما تمليهم عليهم وظيفتهم من استقلالية و حياد ، ولعلّ توفّق قضاة المحكمة وإدارييها وعملتها في امتحان مراقبة انتخابات المجلس التأسيسي في ظروف أقل ما يقلّ عنها أنها كانت غير عادية واستثنائية علاوة على تنامي عدد القضايا والاستشارات المسجّلة بكتابتها بعد الثورة لأكبر دليل على ذلك ، كما أنّ استمالة قضاة المحكمة الإدارية للعمل بسائر الدواوين الوزارية ولتقلد المناصب الإدارية العليا والحرص الملحوظ لدى الجميع على أن يكونوا موجودين بالعديد من الهيئات واللجان والهياكل والمؤسسات التعديلية يمثّل اعترافا متواصلا بالمكانة الهامة التي يكتسيها القضاء الإداري في تونس وبالإضافة التي ما فتئ القضاة الإداريون يقدّمونها للبلاد.