كثير الحديث في الآونة الأخيرة عن الدين والظاهرة الدينية والتدين … وخاصة عن الإسلام…سواء في بلاد المسلمين أو خارج أرض الإسلام … وذلك بسبب ما تشهده المنطقة الإسلامية من اضطرابات وحروب وفتن تحت مسميات مختلفة ولكن المشترك بينها جميعا هو واحد ألا وهو الدمار والقتل وسفك الدماء… ورغم أن النصوص الدينية واضحة من قرآن وسنة في تحريم العدوان وتحريم سفك الدماء وتحريم نشر الفساد في الأرض إلا أن هناك من البشر من اتخذ من الفساد في الأرض منهاجا له في الحياة إما نتيجة توحش وفساد في الخلق والسريرة أو لجهالة متأصلة في الفكر والتفكير ولكن ولكي يموه هذا المجرم إجرامه على الناس ويجد لنفسه مدخلا بينهم وخاصة ضعاف النفوس والجهلة فنه يقوم بالتستر بالدين …فيبيح ما حرم الله ويحرم ما أباحه في محاولة منه لأن يلبس على الناس دينهم الذي ارتضاه الله لهم…. ولكن في الحقيقة هؤلاء لا يعدون أن يكونوا مجرد عصابات من المجرمين القتلة الذين لا يمتون إلى الدين بصلة وما هم إلا متقولون على الله ورسوله.. والدين منهم براء …فهؤلاء لا غاية لهم سوى إشباع شهواتهم وغرائزهم الحيوانية المنفلتة… أما الصنف الثاني من بني آدم فهو ذلك الذي كره الدين وكره كل رموزه وكل ما يمت إليه بصلة واتخذ من محاربته حرفة له… فهو يرى في الدين شرا مطلقا بما فيه من أحكام ترشد من طموح الشهوة وتقيد من جموح النفس والغرائز…. فالحياة عندهم ما وجدت إلا للعب واللهو والإغراق في اللذة دون قيد أو شرط وهو ما يعرف عندهم بالحرية… فالحرية لا تقبل أي قيد…وإلا فإنها لن تعد حرية … ولم يقيد الإنسان من حريته ويكبح من شهوته وهو الذي لن يحيى إلا مدة من الزمن ثم ينتهي إلى العدم؟؟؟ فالحياة عندهم لن تتكرر ولذلك فعلى المرء أن يستغلها إلى الحد الأقصى قبل أن ينتهي به الأمر إلى حيث لا عودة…. ولكن هؤلاء لا يستطيعون التعبير عن معتقداتهم تلك بكل وضوح في مجتمعات مازال للدين فيها تأثير ووجود.. لذلك هم يتسترون بالدين ويدعون من أجل التمرير لفكرهم الإباحي إلى تطوير الدين وتحديثه بما يتماشى مع العصر الحديث حسب زعمهم زورا وبهتانا .. فيحلون ما حرم الله ويحرمون ما أباحه بدعوى التجديد الديني.. فترى منهم من يلغي السنة ويدعي أنه قرآني؟؟؟ ومنهم من يطالب بإلغاء التشريع ويقول أنه مجرد اجتهاد بشري ومنهم من يشكك في القرآن ويرى أنه كتاب للحقد والكراهية والقتل… هؤلاء يطلق عليهم اسم المفكرين والمجددين من طرف أتباعهم وأنصارهم مثلما يطلق اسم الخليفة أو أمير الجماعة أو أسماء بعض الصحابة على القتلة والجرمين من خوارج هذا العصر الجدد … ورغم اختلاف أسلوب كل طرف إلا أن هدفهما وغايتهما واحدة وهي تشويه الدين وتنفير الناس منه وتحويله إلى مجرد عادات وتقاليد وخرافات وأساطير لا ارتباط بينها وبين الواقع والحياة… ورغم أن لكل واحد منهما أسلحته إلا أن الدمار الذي يخلفه كل واحد منهما كبير على الفرد والمجتمع والناس أجمعين لذلك وجب فضحهم والتصدي لهم وهذا ليس بالأمر الهين خاصة في هذا العصر… إذ إننا نعيش في عصر تكالب فيه الجميع ضد هذا الدين وضد هذه الأمة ..من الداخل والخارج من أجل القضاء على كل أمل في أن تستعيد هذه الأمة وهذا الدين ألقه وأمجاده… والغريب أن كل ما يحدث من تخريب وتدمير هو أيضا بدوافع دينية وإيديولوجية معادية للإسلام وأهله… الهدف منه بسط الهيمنة والنفوذ من تلك الأطراف المعادية على كل أصقاع المعمورة من أجل تحقيق خلاص شعب الله المختار … إن المسلم الحق لا يمكن أن يشكك في قرآنه ولا في نبيه… فكيف لمسلم أن يقول أنه مسلم إن كان له شك في أن دينه هو دين تخلف وجهالة وشعوذة أو أن دينه هو دين قتل وإجرام؟؟؟ إن المسلم الحق يؤمن أنه من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه… وأن الإنسان مهما فعل فإنه سيحاسب على عمله.. وأن الإسلام هو دين الخير المطلق ودين المحبة والإخاء والخلق الحسن… الإسلام ليس دين طقوس وخزعبلات.. الإسلام دين العلم والعمل… دين المحبة والسلام… فلا هو بدين سفك الدماء ولا بدين الانقياد للشهوة والملذات… وكل غيور على هذا الدين يجب عليه أن يكون ملتزما بأخلاق الإسلام التي غابت عن مجتمعاتنا أو كادت… فما هي الفائدة من كثرة المساجد وكثرة الصلاة وكثرة الصوم وكثرة الحج والعمرة ونحن لا نوقر الكبير ولا نرحم الصغير؟؟؟ ما هي فائدة قراءة القرآن ونحن نغش ونسرق ونطفف في الكيل والميزان؟؟؟ ما هي فائدة إرسال اللحي وضرب الخمر ونحن لا نحفظ العهد ولا نؤدي الأمانات ولا نحمي العرض… ما هي فائدة إظهار الورع ونحن نستبطن الفجور … إن أزمتنا ومصيبتنا العظمى التي جعلتنا نهبا للقتلة والفجار هو انتشار النفاق فينا انتشار النار في الهشيم ..حتى أصبحنا محل استهزاء وسخرية من الجميع… فالمتدينون عندنا أصبحوا أشباها للدراويش يتمسحون بالمقابر ويظهرون بمظهر مضحك في قطيعة تامة مع العصر … زد على ذلك أنك لا ترى في معاملاتهم ما يؤشر على تشبعهم بروح الإسلام وقيمه… فلهفتهم على الدنيا وانغماسهم فيها بكل ما فيهم من جوارح ..جعل منهم أضحوكة أمام العالمين… فتراهم يسعون إلى كسب المال من حلاله وحرامه ويعيشون عيشة البذخ والتبذير ويفرطون في تعلقهم بملذات الحياة… وينسون أنما الحياة الدنيا متاع الغرور… وأن ما عند الله خير وأبقى… إن مصيبتنا ليست في النص وإنما في الممارسة .. فحاشى لله أن يأمر عباده بالفساد… لذلك فلن تستعيد هذه الأمة أمجادها ولن تكون محل احترام وتقدير من الجميع ولن تكون في مأمن ومنعة إلا إذا ما عملت بما علمته من أحكام الدين وأوامره ونواهيه… وهكذا فقط يمكن أن نقضي على التطرف والمتطرفين ونخرس ألسنة من يسعون للنيل من الدين وأهله… أما المضي قدما في النهج الذي نسير فيه الآن فإنه سيدعم كل الطامعين في القضاء على هذا الدين وهذه الأمة وسيقوي شوكتهم وسيحكم علينا بالفناء والدمار.