بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد : الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات ، نحمده ونشكره أن بلغنا هذا الشهر صيامه وقيامه .. ونسأله أن يبلغنا ليلة القدر . ونذكر هاهنا شيئاً يسيراً في مايخص هذه الليلة المباركة ، من تفسيراً لسورة القدر ، والأحاديث الواردة في صحيح البخاري عن هذه الليلة .. وغير ذلك . أسأل الله أن ينفعنا بها ، هو ولي ذلك والقادر عليه . – تفسير سورة القدر ، محمد بن صالح العثيمين ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}: {إنا أنزلناه} الضمير هنا يعود إلى الله عز وجل، والهاء في قوله {أنزلناه} يعود إلى القرآن، وذكر الله تعالى نفسه بالعظمة {إنا أنزلناه}؛ لأنه سبحانه وتعالى العظيم الذي لا شيء أعظم منه، والله تعالى يذكر نفسه أحيانًا بصيغة العظمة مثل هذه الآية الكريمة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، ومثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، ومثل قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 11]، وأحيانًا يذكر نفسه بصيغة الواحد مثل: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]، وذلك لأنه واحد عظيم، فباعتبار الصفة يأتي ضمير العظمة، وباعتبار الوحدانية يأتي ضمير الواحد. فما معنى إنزاله في ليلة القدر؟ الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا، ودليل ذلك قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، فإذا جمعت هذه الآية أعني {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} إلى هذه الآية: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} تبين أن ليلة القدر في رمضان، وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند بعض العامة من أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له، ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان، وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب، وجمادى، وربيع، وصفر، ومحرم وغيرهن من الشهور لا تختص بشيء، حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهو أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بصيام فإنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء -رحمهم الله- يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة فيما يتعلق بالفضائل: فضائل الأعمال، أو الشهور، أو الأماكن وهذا أمر لا ينبغي، وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما، فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيح، وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا شيء كبير، فالمهم أن يوم النصف من رجب، وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر، ويوم النصف لا يختص بصيام، نعم شهر شعبان ثبتت السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلّم يكثر الصيامفيه حتى لا يفطر منه إلا قليلًا، وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا ما لسائر الشهور كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي أيام البيض. وقوله تعالى: {في ليلة القدر} من العلماء من قال: القدر هو الشرف كما يقال: (فلان ذو قدر عظيم، أو ذو قدر كبير) أي ذو شرف كبير، ومن العلماء من قال: المراد بالقدر التقدير، لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:3-4] أي يفصل ويبين، والصحيح أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك. ثم قال جل وعلا: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} هذه الجملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم، وهي مطردة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار:17- 18]، وقال تعالى: {الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 3]، {الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1-3]، فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم. فهنا قال: {وما أدراك ما ليلة القدر} أي: ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها، ثم بين هذا بقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}، الجواب: {ليلة القدر خير من ألف شهر} أي: من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها، وما ينزل الله تعالى فيها من الخير والبركة على هذه الأمة، ولذلك كان من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة فقال: { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا أي تنزل شيئًا فشيئًا}؛ لأن الملائكة سكان السماوات، والسماوات سبع، فتتنزل الملائكة إلى الأرض شيئًا فشيئًا حتى تملأ الأرض، ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة، ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلًا على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلو من الخير والبركة كالمكان الذي فيه الصور، فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، يعني صورة محرمة؛ لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو مخدة، فأكثر العلماء على أنها جائزة، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان؛ لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعًا، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة. {والروح} هو جبريل عليه السلام، خصه الله بالذكر لشرفه وفضله، وقوله تعالى: {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} أي بأمره، والمراد به الإذن الكوني؛ لأن إذن الله -أي أمره- ينقسم إلى قسمين: إذن كوني، وإذن شرعي، فقوله تعالى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] أي: ما لم يأذن به شرعًا، لأنه قد أذن به قدرًا، فقد شرع من دون الله، لكنه ليس بإذن الله الشرعي، وإذن قدري كما في هذه الآية {بإذن ربهم} أي بأمره القدري، وقوله: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} قيل إن {من} بمعنى الباء أي بكل أمر مما يأمرهم الله به، وهو مبهم لا نعلم ما هو، لكننا نقول إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة. {سَلَامٌ هِيَ}: الجملة هنا مكونة من مبتدأ وخبر، والخبر فيها مقدم، والتقدير: "هي سلام" أي هذه الليلة سلام، ووصفها الله تعالى بالسلام، لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها. {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي: تتنزل الملائكة في هذه الليلة حتى مطلع الفجر، أي إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر. هذا ماورد في صحيح البخاري بكتاب | فضل ليلة القدر | – كتاب فضل ليلة القدر قال الله تعالى ???? إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ) قال ابن عيينة ما كان في القرآن ما أدراك فقد أعلمه وما قال وما يدريك فإنه لم يعلمه 1910 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حفظناه وإنما حفظ من الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ???? من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه | تابعه سليمان بن كثير عن الزهري – باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر 1911 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ???? أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر | – باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر فيه عن عبادة 1913 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا أبو سهيل عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ???? تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان | – باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس 1919 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا حميد حدثنا أنس عن عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال ???? خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة | – باب العمل في العشر الأواخر من رمضان 1920 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي يعفور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله – قال الشيخ محمد بن العثيمين : وفي هذه السورة الكريمة فضائل متعددة لليلة القدر: الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة. الفضيلة الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم في قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}. الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر. الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تتنزل فيها، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة. الفضيلة الخامسة: أنها سلام، لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل. الفضيلة السادسة: أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة تتلى إلى يوم القيامة. ومن فضائل ليلة القدر ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، فقوله: «إيمانًا واحتسابًا» يعني إيمانًا بالله وبما أعد الله من الثواب للقائمين فيها، واحتسابًا للأجر وطلب الثواب. وهذا حاصل لمن علم بها ومن لم يعلم، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يشترط العلم بها في حصول هذا الأجر. – علامات ليلة القدر – كما ذكرها أبو حاتم الشريف في موقع أهل الحديث . علامات ليلة القدر . وردت في بعض الأحاديث بعض العلامات التي تدل على ليلة القدر قال ابن مفلح : والمشهور من علامتها ما ذكره أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها وفي بعض الاحاديث بيضاء مثل الطست وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها " ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة تطلع الشمس من صبيحتها لا شعاع لها " ومعنى أن الشمس تطلع لاشعاع لها يفسره كلام النووي قال رحمه الله :والشعاع بضم الشين قال أهل اللغة هو ما يرى من ضوئها عند بروزها مثل الحبال والقضبان مقبلة اليك اذا نظرت اليها قال صاحب المحكم بعد أن ذكر هذا المشهور وقيل هو الذى تراه ممتدا بعد الطلوع قال وقيل هو انتشار ضوئها وجمعه أشعة وشعع بضم الشين والعين وأشعت الشمس نشرت شعاعها قال القاضي عياض: قيل معنى لا شعاع لها أنها علامة جعلها الله تعالى لها قال وقيل بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الارض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها والله أعلم في لسان العرب : الشعاع ضوء الشمس الذي تراه عند ذرورها كأنه الحبال أو القضبان مقبلة عليك إذا نظرت إليها وقيل هو الذي تراه ممتدا كالرماح بعيد الطلوع وقيل الشعاع انتشار ضوئها.