بطولة انقلترا: تشلسي يفوز على نوتنغهام بثلاثية نظيفة    مسرحية "جرس" لعاصم بالتوهامي تقرع نواقيس خطر انهيار الإنسانية    تونس : إنتاج الكهرباء يرتفع ب 4 بالمائة    بعد الاشتباكات.. باكستان وأفغانستان تعقدان محادثات في الدوحة    اللانينا تسيطر على المحيط الهادئ...وتوقعات بشتاء بارد وطويل    إدارة ترامب تبحث ترتيب لقاء مع زعيم كوريا الشمالية    عاجل : قيس سعيّد : قانون الماليّة الجديد يهدف إلى تخفيف الأعباء وتعزيز السيادة الوطنية    بعد أن شاهد فيلم رُعب: طفل يقتل صديقه بطريقة صادمة!!    لكلّ شاب تونسي: تحب تكوين مهني عسكري؟...سجّل عن بعد وخوذ فرصتك    عاجل: فرصة العمر...منح ممولة بالكامل في اليابان والصين وتايوان وماليزيا للطلبة التونسيين!    عاجل/ تعطّل حركة المرور بهذه الطريق السيارة إثر انزلاق حافلة وشاحنة ثقيلة    عاجل: قيس سعيد يتكفل بعلاج شابّ أُصيب في احتجاجات قابس    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    إمرأة من بين 5 نساء في تونس تُعاني من هذا المرض.. #خبر_عاجل    عاجل: تونس على موعد مع الشيخوخة... 20% من السكان مسنّين بحلول 2029!    عاجل/ تعليق الدروس بهذه الجهة تحسّبا لفيضان الأودية    عاجل/ وزير الإقتصاد يُشارك في اجتماعات البنك العالمي وصندوق النقد.. ويجري هذه اللقاءات    عاجل/ فلّاحو هذه الجهة يطالبون بتعويضات..    جلسة ببلدية مدنين حول مشروع احياء المركز العمراني القديم لمدينة مدنين    وزارة التجهيز:جلسة عمل حول تحسين الخدمات ببطاحات جربة    "الخطاب الدّيني الرّشيد وحماية الأسرة من التفكّك: المضامين والآليات" محور ورشة عمل بالعاصمة    تظاهرة الأيام الثقافية بالعمران في دورتها السادسة من 30 اكتوبر الحالي الى 2 نوفمبر القادم    تظاهرة تثقيفية تعليمية بعدد من المتاحف والمواقع الأثرية بمختلف جهات الجمهورية من 19 أكتوبر الى 16 نوفمبر 2025    مشروع قانون المالية 2026: رضا الشكندالي يحذّر من "شرخ خطير" بين الأهداف والسياسات ويعتبر لجوء الدولة للبنك المركزي "مغامرة مالية"    وزارة التجهيز: جلسة عمل حول تقدم مشروع مضاعفة الطريق الجهوية رقم117 (الطريق الرومانية جربة-جرجيس)    تونس تنطلق في حفر بئر استكشافية جديدة برخصة "سيدي مرزوق" مع تواصل تراجع الإنتاج الوطني من النفط    بطولة كرة السلة: برنامج مباريات الجولة الأولى إيابا    أبطال إفريقيا: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة رحيمو البوركيني    ترامب يفرض رسوما جمركية جديدة على الشاحنات والحافلات    إصدارات: كتاب في تاريخ جهة تطاوين    البرلمان البرتغالي يصوّت على منع النقاب في الأماكن العامة    امكانية إضطراب على مواعيد سفرات اللود بين صفاقس وقرقنة بسبب سوء الاحوال الجوية    معين الشعباني: نهضة بركان على أتم الاستعداد لتحقيق اللقب    "أمك من فعلت".. رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال صحفي    اليوم: الامطار متواصلة مع انخفاض درجات الحرارة    عاجل/ الوضع البيئي والاحتجاجات في قابس: هذا ما طرحه رئيس الدولة..    عاجل/ الجزائر: حالتا وفاة بهذه البكتيريا الخطيرة    محكمة أمريكية تمنع شركة NSO الإسرائيلية من استهداف مستخدمي واتساب ببرامج التجسس    فرنسا: 40.7% من المقيمين من أصول مغاربية يحصلون على الجنسية الفرنسية في 2024    انتخاب التونسي رياض قويدر نائبا أوّل لرئيس الاتحاد العالمي لطبّ الأعصاب    وزير الفلاحة: موسم صابة زيت الزيتون هذه السنة استثنائي    عاجل/ من بينها الترجي..التفاصيل الكاملة للعقوبات المالية ضد عدد من أندية كرة القدم..    نجاح جديد لتونس..انتخاب أستاذ طب الأعصاب التونسي رياض قويدر نائبا أول لرئيس الاتحاد العالمي لطب الاعصاب..    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    محافظ البنك المركزي من واشنطن: تونس تتعافى إقتصاديا.. #خبر_عاجل    مهرجان السينما المتوسطية بشنني في دورته العشرين: الفن السابع يواجه تحديات البيئة    ترتيب الفيفا: المنتخب التونسي يقفز ثلاثة مراكز ويصعد إلى المرتبة 43 عالميًا    ماتش نار اليوم: الاتحاد المنستيري في مواجهة شبيبة القبائل الجزائري..التشكيلة والقناة الناقلة    حمودة بن حسين أفضل ممثل في مهرجان بغداد الدولي للمسرح    العثور على شاب مشنوق في إحدى واحات قبلي    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    وزارة التربية: فتح باب التسجيل لاجتياز مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية دورة 2026 بداية من يوم 29 أكتوبر 2025    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مباريات الجولة الخامسة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة .. إن الحسود لا يسود ولا يبلغ المقصود    5 عادات تجعل العزل الذاتي مفيدًا لصحتك    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي
نشر في الشروق يوم 18 - 10 - 2025

في خضم التحولات التقنية الجذرية التي يشهدها العالم المعاصر، تبرز ظاهرة التوأمة الرقمية كاستعارة فائقة التميز للواقع والنسخ الرقمية، كيان يتخطى حدود التمثيل السطحي ليصبح كيانًا سيميائيًا – تقنيًا قادرًا على تمثيل الديناميكيات الحية للوجود الفيزيائي عبر حقل من البيانات المتواصلة والتفاعلات اللحظية. إن التوأمة الرقمية ليست مجرد إعادة إنتاج رقمي باردة للكيان الأصلي، بل هي تكوين رقمي تكيفي يتمتع بقدرة على المحاكاة الاستشرافية والتنبؤية، ويدخل في دائرة تغذية راجعة مع الكيان الأصلي من خلال تراكم البيانات والتحليل الخوارزمي المعقد، ما يجعلها نموذجًا حيويًا يحاكي الواقع في زمانه ومكانه.
هذه التقنية، التي تعد قمة في سلسلة التطور التكنولوجي المتسارع، ليست مجرد أداة تكنولوجية، بل هي تحوّل أونطولوجي في فهمنا للكينونة والذات، حيث يُعاد صياغة مفهوم الإنسان والهوية من خلال ما يمكن تسميته بال"ديجيتال دابلير" أو الازدواج الرقمي. إذ يتبدى الإنسان في هيئة رقمية تحاكي فكره، شخصيته، حتى قراراته، لتصبح التوأمة الرقمية بمثابة امتداد للذات خارج الحدود البيولوجية، تشكل وجودًا هجينيًا بين الطبيعي والصناعي، بين الحقيقة والمجسّم. هذه الحالة تثير تساؤلات جوهرية حول معنى الهوية الذاتية، ومدى إمكانية نقل الوعي البشري، وهل النسخة الرقمية قادرة على امتلاك إرادة أو وعي أو حتى ذاتية تتجاوز الدور البرمجي.
في هذا السياق، لا يمكننا إلا أن ننتقل إلى تفكيك الأوضاع الفكرية والثقافية التي تحد من قدرة العقل العربي التقليدي على مواكبة هذا التحول الأنطولوجي والتكنولوجي. العقل العربي، المتحجر في إطار السائد من الأيديولوجيا والمرجعيات النصية الجامدة، يعيش حالة من الصراع الميتافيزيقي بين التمسك بالتراث الذي يراه ملاذًا وجوديًا وبين الاستجابة للحتمية التقنية التي تهدد استمراريته المعرفية. هذا العقل الذي يحتكم إلى مقولات ثنائية كالحلال والحرام، الصحيح والخطأ، يجد نفسه غير قادر على تبني مقاربات تراكمية أو تجريبية أو نقدية منفتحة. فهو في محاصرة زمنية، مجمد بين ما هو مُثبّت في النص وما هو متغير في الواقع المتقلب.
الاختلاف الجوهري بين العقل الرقمي والعقل العربي التقليدي هو في طبيعة المرجعية المعرفية والأنطولوجيا التي يستند إليها كل منهما؛ الأول يستند إلى عقلانية حسابية تحرّر المعرفة من القيد الأيديولوجي، ويفرض على الوجود نمطًا من التفاعل الخالي من التحيزات الذاتية، بينما الثاني يتأسس على تراث ثابت يمثل نوعًا من التثبيت الأنطولوجي للمعنى والهوية، مما يجعله عرضة للتقوقع الفكري والتقادم المعرفي. "هذا ما يجعل العقل الرقمي أكثر قدرة على التجدد الذاتي والابتكار، بينما العقل العربي، رغم ثرائه التاريخي، يعاني من حالة تأجيل معرفي وأزمة في التحديث.
إن التوأمة الرقمية بهذا المعنى لا تمثل فقط تطورًا تقنيًا، بل هي أيضًا علامة مميزة على إعادة تشكيل العلاقات الأنطولوجية بين الإنسان والتقنية، بين الذات والآخر، وبين الأصالة والتكرار. وهي بذلك تفرض علينا مراجعة فلسفية نقدية للعلاقة بين الإنسان وهويته، في زمن تفكك الأنساق الكبرى وحضور الذكاء الاصطناعي كقوة محورية في تشكيل المستقبل. فما بين حضارة الكلمة والتقنية الرقمية، وبين العقل التراثي والعقل الحسابي، تتشكل لحظة فكرية تستوجب إعادة تعريف الذات الإنسانية في ضوء الأتمتة الرقمية، وتستلزم إبداع أشكال جديدة من الفكر التحرري الذي يمكّن الإنسان العربي من الانعتاق من قيود التراث من دون أن يتخلى عن جوهر إنسانيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.