الصناعات الحربية البحرية، مجال حيوي أنجزت تونس على طريق اقتحامه شوطا مهما، لعل من شواهده الملموسة توفق الكفاءات الهندسية التونسية إلى صنع جوالة بحرية أطلق عليها اسم "استقلال " ، وفر تصنيعها محليا لخزينة الدولة قرابة الأربعين بالمائة من كلفة نفس القطعة في الأسواق العالمية. وفضلا عن كونه قد وفر عددا هاما من مواطن الشغل لكفاءات ومهارات تونسية، فإن هذا الإنجاز يفتح أمام الهيئات والكفاءات التونسية المختصة أفقا جديدا مداره إمكانية التفكير في صناعة بحرية موجهة للسوقين المحلية والخارجية. وفي لقاءات مع موفد "وات"، أسر بعض المهندسين التابعين لوزارة الدفاع الوطني خلال جولة بحرية تجريبية للجوالة " استقلال" نظمتها الوزارة صباح الجمعة بخليج تونس، بأنهم بصدد التباحث مع أكثر من دولة إفريقية، إحداها دولة شقيقة، من أجل تصنيع قطع مماثلة، الأمر الذي سيفتح المجال مستقبلا أمام الصناعة البحرية الحربية التونسية لترويج مثل هذه القطع في الخارج. وكشفوا في هذا السياق أنهم بصدد دراسة إنجاز قطعة بحرية أكبر بطول خمسين مترا. وأنت على متن هذه القطعة البحرية وما تحويه من تجهيزات ذات تقنية عالية، تدرك حجم الإنجاز الذي صنعته خبرات تونسية، سواء من المهندسين التابعين لوزارة الدفاع، أو من المهندسين التابعين للشريك التونسي من القطاع الخاص. وفي هذا الصدد، أفاد وزير الدفاع الوطني، فرحات الحرشاني، الذي واكب الجولة التجريبية، في تصريح إعلامي، أن تطوير الإطار القانوني في ما يتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، يمثل الشرط الأساسي لتطوير الصناعات الحربية في تونس، مشيرا إلى وجود مشروع قانون في الغرض تحت أنظار الحكومة، على أن تتم إحالته لاحقا إلى مجلس نواب الشعب من أجل مناقشته والمصادقة عليه. وقد عبر الوزير عن مشاعر الفخر الكبير بهذا الإنجاز التونسي، الذي قال "إنه الأول من نوعه في المنطقة عربيا وقاريا بعد جمهورية جنوب إفريقيا"، مؤكدا أن تونس مؤهلة لتوفير احتياجاتها من عديد المعدات العسكرية بل والتوجه نحو التصدير، الأمر الذي اعتبر أنه "سيسهم في دفع التنمية وخلق مواطن الشغل، فضلا عن تشريك عديد القطاعات في مجالات الهندسة والالكترونيك والكهرباء والاتصالات وحتى قطاع صناعة الجلد ". من جانبه، أوضح الفريق محمد الخماسي، رئيس أركان جيش البحر، أن الهدف الأساسي من إنشاء هذه القطعة البحرية هو الحفاظ على مصالح البلاد الحيوية، وتمكينها من إحكام سيطرتها على المياه الواقعة تحت سيادتها، لاسيما وأن مساحة المياه الاقليمية مع مساحة الجرف القاري تقارب مساحة التراب التونسي. وأضاف أن اللجوء إلى الشراكة مع القطاع الخاص، المتمثل في شركة الإنشاءات الصناعية والبحرية (SCIN)، وهي شركة محلية تنشط بصفاقس، مرده الكلفة العالية للقطع البحرية في الأسواق الدولية، وطول اجراءات الحصول عليها. وأوضح، في سياق متصل، أن الجوالة "استقلال" لم يستغرق إنشاؤها أكثر من سنتين وبضعة أشهر، إذ انطلق تصنيعها في مارس 2013 وتم تسليمها إلى وزارة الدفاع في جويلية 2015 بعد إبرام شراكة مع شركة محلية مختصة في الصناعات البحرية بمواصفات مدنية. وفي تقديمه للعرض الفني المتعلق بمراحل تصنيع الجوالة، أفاد العميد زهير الجندلي، المشرف على الفريق الذي قام بإنشاء القطعة البحرية، أن سبب تسميتها ب"استقلال" يعد من قبيل التيمن باسم أول قطعة بحرية تسلمتها تونس من فرنسا سنة 1959، والتي كانت تحمل نفس الاسم، معبرا عن الأمل في أن تكون الجوالة الجديدة "منطلقا لتحقيق استقلال الصناعة الحربية التونسية"، وفق تعبيره. كما أكد أن هذه التجربة أهلت الصناعة البحرية الوطنية لسد الحاجيات المحلية من القطع البحرية، خاصة وأن مثل هذه القطع يحتاجها، إضافة إلى جيش البحر، أعوان الديوانة والحرس الوطني في مهماتهم، مشيرا إلى إمكانية تطويرها لتشمل قطاع الصيد البحري والنقل البحري والبحث العلمي.