في الصيف الڤاطو وفي الشتاء بوڤاطو” هو المثل الشعبي القديم الذي أصبح صالحا في الوقت الحالي، بالنظر إلى ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعنا، وتزداد هذه النسبة ارتفاعا في السنوات الأخيرة حتى أصبح ظاهرة اجتماعية تستدعي التحليل والدراسة للأسباب والعوامل التي تقف وراء تفاقمها بهذا الشكل الرهيب. من الطبيعي أن تكون هناك علاقة بين ارتفاع نسبة الطلاق وبين التغييرات الاجتماعية التي تتسارع في المجتمع، غير أن ما يستدعي الانتباه أكثر هو حدوث الطلاق لأسباب بسيطة وتافهة في كثير من الأحيان، وعدم الاكتراث لظاهرة الطلاق في المجتمع سواء عند الرجل أو عند المرأة، إذ أصبحت المحاكم تعج بقضايا الطلاق بعد فترة وجيزة من الزواج، وكأن ما كان ميثاقا غليظا أصبح مجرد ارتباط تافه يمكن أن يفك في أي لحظة بعد فترة وجيزة من الزواج، فقد سمعنا عن طلاق في الأسبوع الأول من الزواج بسبب إخفاء الزوجة بعض الأسرار المتعلقة بحياتها قبل الزواج، وآخر بسبب ارتداء الحجاب أو النقاب أو بسبب اكتشاف الرجل عدم عذرية المرأة، ومع اكتشاف أحدهما عدم قدرة الآخر على الإنجاب، فالطلاق لم يعد ذلك الأمر النادر والغريب في مجتمعنا، فقد انتشر بشكل كبير جداً، وأصبح هناك الكثير من حالات الطلاق لفتيات صغيرات. إن المرأة التي تتعرض للطلاق لأتفه الأسباب لا تأبه في البداية ولا تشعر بمحنتها، لاعتقادها بأن القانون سيتكفل بجميع حقوقها، لكن وبمجرد أن تدخل في مشاكل لا نهاية لها تدرك حجم المشكلة التي تتخبط فيها، قد تتسرع المرأة في قراراتها وتقودها في ذلك عواطفها لا عقلها، فكلما أحست بالضيق أو جرحت مشاعرها من قبل زوجها أو كرهت الرجل لسبب أو لآخر، لا تفكر إلا في الطلاق، لذلك أصبح يشهد قسم شؤون الأسرة في المحاكم نزاعات مستمرة بين الأزواج متعلقة بالطلاق، وعند الاستفسار عن السبب نجده أتفه ما يكون، والواقع يقول إن هناك أسبابا تافهة وأسبابا جدية. فهل من المعقول أن تنتهي شراكة بين طرفين وصفها الله – عز وجل – بالميثاق الغليظ، لسبب تافه؟ تزوجها ولم تدخل مزاجه فطلقها في شهر العسل كان يعيش آنذاك في دبي، تزوجت به بعدما قام صديقه بتقديمها له على أساس أنها بنت عائلة ومثقفة، فعاد إلى الجزائر وتوجه مع أهله لبيت أهلها لخطبتها. دامت فترة الخطوبة 3 أشهر وبعدها عاد إلى عمله في دبي. وفور عودته بعد الشهر الرابع تمت مراسم العرس وتزوج بها ليعود إلى دبي بعد مرور 30 يوما من زواجهما ويتركها في بيت أهلها، ويعدها بأنه سيفعل كل ما بوسعه ليأخذها معه، لكنها لم تكن تنتظر ذلك اليوم الذي تحمل فيه ورقة طلاقها واسمها مدون عليها، وحين سألناها عن السبب ردت بأنها قامت بعدة محاولات لإصلاح الأمر بينهما، لكن دون جدوى، لأنه أصر على الطلاق منها بسبب أنه لم يتحمل العيش معها، حيث نفر منها مند البداية رغم أن فترة زواجهما ومكوثهما مع بعض دامت 30 يوما فقط، فانتهى بهما الأمر إلى طريق واحد، وهو الطلاق والعودة إلى بيت أهلها. طلقها ليعيد بناء حياته بكندا تزوجت به بعد قصة حب كانت بينهما، أين أنجبت منه طفلة وصفتها بأنها ثمرة حبهما، لكن نهاية حكايتهما كانت بالانفصال وفراره إلى كندا، بهذه الكلمات بدأت حسينية حكايتها ليتركها ويهاجر إلى كندا، حيث صرحت أنه تحصل على التأشيرة إلى كندا في تونس، بسبب الطفلة التي فتحت له كل الأبواب، وهذا كان بعد المحاولات الكثيرة التي قام بها من أجل الهجرة قبل زواجه لكنها باءت بالفشل، حيث وعدها بأنه سيسوي لها كل أوراق الهجرة لها ولابنتها، لكن أهله منعوه من ذهاب زوجته برفقته حتى يسوي أحواله هناك، وبعدها تقوم باللحاق به، وبعد إصرارها على ذهابها لبيت أهلها فترة غياب زوجها منعها والده من الخروج من المنزل وهددها بأنه إذا خرجت لن تعود، وسوف يقوم ابنه بتطليقها، وهكذا جرت الأمور، أين ذهبت إلى بيت أهلها فقام بإرسال ورقة الطلاق حتى أنه لم يقف معها في المحكمة، بل قام بتوكيل صديقه لتطليق زوجته بسبب أنها زارت بيت أهلها، فخروجها من منزل زوجها وزيارتها بيت أهلها أنهى حياتها بالانفصال، وأصبحت تصارع الحياة مع ابنتها، حيث إنها لا تنوي الزواج مرة ثانية لتخوفها من صعوبة الأمر، وفقدان ابنتها التي لا تفارقها. طلقها لأنها لم تغسل قميصه ولم تحضر له الشاي وهناك من دفعتهم تفاهتهم إلى تطليق زوجاتهم، حيث روى لنا أحد المحامين بمجلس قضاء العاصمة قضية موكله وهو إطار بإحدى السفارات المتواجدة بالجزائر، فقد طلق زوجته لسبب أقل ما يقال عنه إنه تافه، حيث قام بالتخلي عن زوجته لأنها لم تغسل قميصه، فكان أول سبب يهددها من أجله بالطلاق، إذ اعتبر تصرفاتها تعبيرا عن اللامبالاة وتقصيرا في حقه، وثاني سبب أدى إلى انفصالهما كليا هو أنها لم تحضر له الشاي بعد أن طلبه منها، وهو ما كان سببا لتحطيم عشهما الزوجي. طلقها لأنها لم ترد على مكالمته الهاتفية أما الطالبة الجامعية أسماء فتطلقت وهي لا تزال عروسا، ولم يمض على زواجها إلا عشرون يوما، الأمر الذي جعلها تحت الصدمة، خاصة وأنها لم تع السبب الفعلي الذي جعل زوجها يطلقها، ولم تكن تعلم أن عدم ردها على مكالمته الهاتفية سيحول مجرى حياتها ومستقبلها مع من اختارته شريكا لها، وتكون النهاية الانفصال، وتروي أسماء أن زواجها كان بعد قصة حب انتهت بعقد قرانها مع شاب تعرفت عليه بالجامعة، حيث كان يبدو أن علاقتهما ستكون ناجحة ولم تظن يوما أنها ستنفصل عن زوجها لسبب أقل ما يقال عنه إنه تافه، وتضيف أسماء أنها في أحد الأيام توجهت الى الجامعة كالعادة، وبينما كانت في قاعة المحاضرة رن هاتفها النقال وكان المتصل زوجها، غير أنها لم ترد على المكالمة بسبب انشغالها بالمحاضرة، وهو ما جعل زوجها يرتاب في أمرها ويشك بأنها لم تكن في الجامعة، فأخذها مباشرة إلى منزل أهلها وطلب منها المكوث هناك. رأي القانون في الطلاق لأتفه الأسباب وللقانون نظرة في هذا النوع من الطلاق، حيث أفادنا الأستاذ “م.مختاري” وهو محام لدى مجلس قضاء العاصمة، بالقول “إن القانون لا ينظر إلى أسباب الطلاق إن كانت جدية أم لا، فالطلاق في نظر المشرّع الجزائري مستوحى من الشريعة الإسلامية في تقنين فك الرابطة الزوجية، أما عن دواعي الطلاق فلا يهم إن كانت منطقية أم لا، فالأمر لا يعدو أن يكون مسألة تنظيمية لحقوق شخص تتغير حالته المدنية من متزوج أو متزوجة إلى مطلق أو مطلقة لا أكثر ولا أقل”. كما علق آخر على هذا النوع من الطلاق “المشرّع الجزائري لم يحدد أسبابا تافهة وغير تافهة للطلاق، لذلك يوجد نوعان من الطلاق: الطلاق بعصمة الرجل والتطليق بيد المرأة. والتطليق نص عليه قانون الأسرة، وهناك الخلع الذي نصت عليه المادة 54 من قانون الأسرة ويكون بعصمة المرأة، والسبب الرئيسي يرجع لعقلية الرجل ومدى تحمله أعباء الزوجة، بحكم أنه بيده العصمة، فهو الملام في هذه القضية، كذلك يعتبر الطرف الثاني أي “المرأة” ملاما على حدوث الطلاق”. وأشار ذات المتحدث إلى أن المشرّع لم يحدد الأسباب، فبمجرد أن يطلب الزوج الطلاق ويتمسك به تحكم المحكمة بالطلاق. وهناك الطلاق التعسفي من دون أي سبب، فبمجرد أن يطلب الرجل الطلاق فالمحكمة تسير في القضية، في حين أن التطليق هناك عدة حالات، كالهجر في المضجع لمدة تفوق أربعة أشهر، أو الغياب لمدة تفوق سنة، وكل ضرر معتبر شرعا: هذه النقطة تبقى مفتوحة، ذلك الضرر يعتبر سببا من أسباب طلب التطليق، وهنا الإشكال يرجع للمحكمة، فهي التي تقدر الضرر، هل هو حقيقة ضرر أم تعتبره كذلك. وتوجد أسباب أخرى للطلاق لا يباح بها، وتعتبر أسبابا خفية بين الزوجين. والذي حدث من أمور تافهة للطلاق هو بُعد الوازع الديني بلا شك، نقصد ديننا الحنيف في ترتيب بيت المسلم وحياته الشخصية. السبب الرئيسي أن كل زوج وزوجة يعتقد أنه هو الأصح، وكلاهما لا يحترم الرأي الآخر، بالإضافة إلى أن الوازع الديني ضعيف، أي أن الزواج لا يحترم المناهج الدينية الصحيحة التي تجعل العلاقة بين الزوجين متينة ومتماسكة. وقد وضعت الشريعة الإسلامية الطلاق بيد الرجل، ومسألة الطلاق ليست مواجهة بين الزوج والزوجة، وإنما أصلها في أكثر الحالات الكذب، عندما تصطدم الزوجة بواقع الزوج والعكس صحيح، فأكثر الزيجات تبنى على وعود كاذبة بين الشباب وتتطور بعد الزواج وتصبح بين زوج وزوجة. .. وللدين رأي في الموضوع الإسلام يقول إنه لا يجوز أن يطلق الرجل المرأة إلا لسبب شرعي، وإذا طلقها دون سبب فيجب عليه أن يدفع لها تعويضا في مقابل هذا الطلاق، وذلك للأضرار التي ألحقها بها، وهذا ما نسميه الطلاق التعسفي. وهناك عدة نماذج من الطلاق التعسفي.. فقد يكون تعدد الزوجات سببا في تطليق إحداهن لأتفه الأسباب بسبب الغيرة أو الخلاف في معاملة إحداهن، فهذه مخالفة شرعية يجب أن ينتبه لها الزوج، وبعض الرجال يظلم زوجته ويسيء معاملتها، فتعتبر ذلك احتقارا لها وتهوينا بشأنها، وما يعلم مثل هؤلاء الأزواج أن حق الزوجة على زوجها كحقه عليها. يحق لها أن تكون محترمة ومقدرة من طرف زوجها حتى تشعر بإنسانيتها وشخصيتها داخل الأسرة. كذلك فارق السن يعتبر سببا من أسباب الطلاق، فإحساس المرأة أنها تصغر زوجها كثيرا يشعرها بالفخر وبحب التكبر عليه، ما يتولد من مشاكل تعتبر تافهة تنهي علاقتهما الزوجية بالانفصال. هذه الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق وهي في معظمها ترجع إلى الوازع الديني والبعد عن الأخلاق الفاضلة والتعاون في الحقوق والواجبات، أو تعود إلى الخروج عن بعض أعراف وعادات المجتمع الإسلامي.