تونس (وات) - تم يوم الاثنين خلال ندوة صحفية التأمت بقصر المؤتمرات بالعاصمة الإعلان عن إطلاق التقرير العام للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال وسط حضور مكثف لوسائل الإعلام التونسية والعربية والأجنبية. وأفاد رئيس الهيئة كمال العبيدي بأن المشهد الإعلامي اتسم اثر هروب الرئيس السابق بما اعتبره البعض "انفلاتا إعلاميا" نتيجة توقف المؤسسات الرقابية عن العمل وحل وزارة الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين واتساع مساحة الحرية. وأوضح أن من علامات هذا الانفلات ما أسماه ب"الزيغ عن قواعد المهنة وأخلاقياتها وتحول الفضاءات التلفزية والإذاعية وصفحات الجرائد إلى ساحات لتصفية الحسابات الشخصية والسياسية وإلقاء التهم دون إثباتات وتشويه سمعة الآخرين والترويج للإشاعات دون التثبت". وذكر بارتفاع عديد الأصوات للمطالبة بضرورة احترام أخلاقيات المهنة والارتقاء بالخطاب الإعلامي والنأي به عن الصراعات السياسية والمضامين الشعبوية المحرضة على الفوضى وإرساء هيكل يشرف على تنظيم القطاع وتعديله دون أن يكون مؤسسة رقابية مسلطة على الصحافيين. وأكد العبيدي أن التقرير العام للهيئة يعتبر حصيلة عمل جماعي ساهم فيه فريق من المتطوعين يضم جامعيين وصحفيين وتواصل على امتداد سنة كاملة تم خلالها تنظيم العشرات من الورشات واللقاءات والزيارات الميدانية للعديد من المؤسسات الإعلامية واستأنس هذا الفريق بتجارب إصلاح الإعلام وتنظيمه في دول ديمقراطية أخرى في مختلف أنحاء العالم. وأوضح أن التقرير يلقي الضوء على "المشهد الإعلامي التونسي الذي يراوح بين مخلفات زمن بن علي ومحاولة تحصين مساحة الحرية التي افتكها الشعب التونسي من نظام فاسد ومستبد ويمهد السبيل إلى إرساء أسس متينة لعملية إصلاح الإعلام والاتصال". وبين كمال العبيدي أن من أهم سمات التركة الثقيلة التي عاينتها الهيئة على امتداد سنة 2011، افتقار القطاع الإعلامي للأطر القانونية التي تستجيب للمعايير الدولية لحرية التعبير واستمرار المنظومة الدعائية التي خلفها بن علي ومستشاروه في عملها. ولاحظ أن "أعضاء هذه المنظومة قد استطاعوا حسب مضمون التقرير أن يتلونوا من حيث الشكل بلون الثورة ويرفعوا شعاراتها من دون أدنى نقد ذاتي لممارساتهم في الماضي أو مساءلة". كما أشار إلى ما اسماه "ضعف أداء العديد من الصحفيين نتيجة تراجع مستوى التكوين واعتماد أسلوب المحسوبية والولاء في الانتدابات والترقيات وتشديد الحصار على الصحفيين الملتزمين بقواعد المهنة وأخلاقياتها" لافتا إلى "وجود إرادة شعبية وحرص لدى جل الإعلاميين لإصلاح الإعلام والقطع نهائيا مع الماضي قابله غموض على مستوى الإرادة السياسية وتردد في الحسم"، حسب تقديره. وأكد العبيدي أن الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال توخت أسلوبا تشاركيا خلال مرحلة صياغة التقرير حيث دعت عددا كبيرا من الخبراء والمهنيين التونسيين إلى المشاركة في كتابة أجزاء منه أو تقديم مقترحاتهم. وبين أن ملاحظات بعض الخبراء الأجانب والمنظمات غير الحكومية المعروفة بنشاطها في مجال الدفاع عن حرية الصحافة ساهمت في إثراء النقاش وتقييم المعطيات التي جمعتها الهيئة مشددا على انه رغم حرص الهيئة على أن يكون تقريرها شاملا لجميع المسائل الهامة المتصلة بالقطاع إلا أنها واجهت حسب قوله "صعوبات حقيقية في الحصول على وثائق ومعطيات تتعلق ببعض الجوانب الحساسة ومنها بالخصوص الجوانب المالية وإشكاليات التمويل وطرقه ومصادره". وأوضح كمال العبيدي أنه "كان من الطبيعي أن تتصدى الهيئة لعدد من المحاولات للحد من استقلالية قرارها إلا أنها اعتبرت على حد قوله "أن من واجبها حث الحكومتين المؤقتتين اللتين تعاملت معهما على الالتزام بمعايير وآليات عادلة وشفافة". ووصف تصريحات بعض أعضاء الحكومة بأنها "متضاربة بشأن المرسومين عدد 115 المتعلق بتنظيم الصحافة المكتوبة والصحافة الالكترونية و116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري اللذين مضى على صدورهما في الرائد الرسمي حوالي 6 أشهر" مشيرا أيضا إلى ما أسماه ب"الارتجال في اتخاذ الحكومة قرارات تعيين الرؤساء المديرين العامين لبعض المؤسسات الصحفية في جانفي الماضي". وأضاف العبيدي أن الحكومة واصلت حسب رأيه "اتخاذ قرارات فردية دون الاعتماد على آلية عادلة أو معايير شفافة لتعيين المسؤولين الجدد". وردا على سؤال بعض الصحفيين حول القائمة السوداء أشار كمال العبيدي إلى ان الأسماء والملفات بحوزة وزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية مضيفا قوله أن "هاتين الجهتين تماطلان في تمكين النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين من هذه القائمة لينظر القضاء فيها ومحاكمة المفسدين محاكمة عادلة ونزيهة"، وفق تعبيره. وفي مداخلة وجيزة أكد رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي عياض بن عاشور على ضرورة أن "يكون الإعلام حرا ومستقلا وموضوعيا" وهو ما لا يمكن تحقيقه حسب تقديره "إلا بعدم تدخل الحكومة في خط تحرير الإعلام"، مشيرا إلى أن مطلب الإعلام الحر هو من بين المطالب الأساسية التي نادى بها التونسيون خلال ثورة 14 جانفي 2011. أما رئيس لجنة الخبراء المكلفة بالإعلام التابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، رضا جنيح فقد ذكر بالجدل الذي أحدثه صدور المرسومين 115 و116 والذي وصفه ب"العقيم" ملاحظا أن صياغة هذين المرسومين جاءت نتيجة عمل جماعي تميز بتشريك كافة الأطراف المتدخلة في قطاع الإعلام دون استثناء وفق شروط تتمثل في أن يكون الطرف مؤمنا بمبادئ الثورة والديمقراطية. وألح على أن هذين المرسومين يعدان من وجهة نظره "ضمانات قانونية لفائدة الصحافيين لم تكن موجودة على غرار حماية سرية المصادر وحق النفاذ إلى الوثائق الإدارية وحضور كافة الاجتماعات وتعويض العقوبات الجزائية بعقوبات بديلة". وتمحورت استفسارات الإعلاميين خلال هذه الندوة بالخصوص حول هوية الأطراف التي حاولت التدخل في الهيئة فضلا عن تشخيص الوضع بالمؤسسات العمومية والمؤهلات الموجودة بها وموقف الهيئة من القائمة السوداء. وأشار الرئيس السابق لنقابة الصحافيين التونسيين وعضو الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال ناجي البغوري أن الوزير المستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي زيتون هو حسب قوله "اليد الضاغطة التي تريد العودة بالإعلام إلى الوراء والزج به من جديد في مستنقع الرداءة والابتذال" مستدلا على ذلك، حسب رأيه "بتنظيم استشارة أسماها بالوطنية حول قطاع الإعلام قبل صدور التقرير العام للهيئة".