[enfant jasmin]تونس (تحرير وات)- تعود أطوار قصة الطفلة منية إلى شهر جوان 2010 ، عندما قرر والدها إرسالها إلى العاصمة للعمل كمعينة منزلية، واضعا بذلك حدا لأحلامها في الالتحاق بمقاعد إعدادية معتمدية تبرسق من ولاية باجة، رغم تفوقها الدراسي إذ أحرزت شهادة ختم التعليم الابتدائي بمعدل فاق 16 من عشرين. بنت منية، ذات الإثني عشر ربيعا، النحيفة السمراء ذات الشعر الأسود المسدول، أحلاما من وهم بين جدران منزلها المتصدع الذي كانت تقيم فيه مع والدها وزوجة والدها وأخوتها غير الأشقاء على مساحة لا تتجاوز 50 مترا مربعا بقرية عين جمالة على بعد 8 كلم من تبرسق / 100 كلم شمال غربي العاصمة/. دموع الفتاة التي انهمرت بغزارة على وجنتيها، لم تشفع لها عند والدها الذي تمسك بالقرار الذي اتخذه، مما اضطرها إلى المغادرة بعد أن ألقت نظرة على صورة والدتها التي فارقت هذه الدنيا بعد أشهر قليلة من ولادة منية. الطفلة كانت مجبرة على النزول عند رغبة والدها الذي دفعته الحاجة والفقر إلى إرسال أطفاله للعمل ومجابهة مصاعب الحياة وعودهم لا يزال طريا. وبحسب الأخصائيين، فان العمل في سن مبكرة، سواء كان عن طواعية أو بسبب الظروف القاسية مثل الفقر او اليتم، يؤثر دون شك على نمو الطفل بدنيا ونفسيا واجتماعيا. هؤلاء الأطفال لا تعنيهم نوعية العمل الذي يقومون به بقدر اهتمامهم بمردوديته المادية. ما سيحصلون عليه من أموال ستذهب إلى مشغلهم سواء كان الوالد أو الشخص المكلف بتنسيق انتشارهم على مفترقات الطرقات وعند الإشارات الضوئية لمسح بلور السيارات، أو بمحطات المترو الخفيف لبيع المناديل الورقية والعلكة والأزهار، أو كذلك في ورشات الميكانيك وفي غيرها من المواقع حيث يمارسون أعمالا شاقة لا تتناسب مع أعمارهم وتركيبتهم الجسمية. وقالت المندوبة العامة للطفولة والمختصة في علم نفس الطفل، عائدة غربال، أن الاستغلال الاقتصادي للأطفال له انعكاسات خطيرة على نمو هؤلاء، موضحة أن الطفل العامل يتعرض، في مقتبل عمره، إلى أمراض مهنية وحوادث شغل، تؤثر سلبا على تطوره المعرفي والإبداعي وعلى نموه البدني وعلى صحته عموما. ويمكن، بحسب هذه الأخصائية، أن يفقد الطفل العامل احترامه لنفسه وان يصاب بأمراض نفسية عديدة، إضافة إلى إمكانية تعرضه إلى سوء المعاملة والتعنيف من قبل مشغله. وأبدت عائدة غربال "احترازها" بخصوص حديث البعض عن "جانب ايجابي" في عمل الأطفال. وهذا الجانب الايجابي، بحسب هؤلاء، هو ما يقوم به الأطفال من أعمال تطوعية أو مأجورة تتناسب مع سنهم وقدراتهم وتكون لها، بحسب قولهم، أثار ايجابية على نموهم العقلي والجسمي والذهني وتمكنهم من أن يثبتوا لأوليائهم انه يمكن التعويل عليهم. أمثال منية وأشقاؤها كثيرون، فمنهم من أقبل على العمل عن طواعية، اعتقادا منه بان ذلك سيكسبه ثقة في نفسه ويعزز مكانته في الأسرة كفرد فاعل ومساهم في الإنفاق، ومنهم من أجبرته الظروف القاسية والفقر والخصاصة على الالتحاق بسوق الشغل في مرحلة مبكرة من عمره. إيهاب، هو طفل في السابعة من عمره، ذو جسد نحيل، وعينين زرقاوين وشعر اصفر، هو اصغر إخوته الخمسة، تراه يتنقل بين حرفاء المقاهي والمطاعم على طول شارع الحبيب بورقيبة، ويعرض عليهم أزهاره الجميلة. تحدث هذا الطفل بصوت طليق عن تجربته دون خجل، إذ قال انه تعود على مصاحبة أبيه كلما سمحت الفرصة لبيع الأزهار وخاصة في الأيام التي لا يدرس فيها. أما سامي ذو الخمسة عشرة ربيعا، فانه ليس أوفر حظا من إيهاب، إذ حمل سلته التي زينها بالياسمين وأقبل على الاحبة من رواد المقاهي يعرض عليهم سلعته.. ولم يخف سامي ان هذا العمل المتواضع يساعده في توفير "مصروف الجيب" وفي شراء المستلزمات المدرسية. ومن ناحية أخرى اعتبرت ممثلة صندوق الأممالمتحدة للطفولة بتونس"يونيسيف" ماريا لويزا فورنارا، أن التنصيص على حقوق 3 ملايين و200 ألف طفل في تونس ضمن الدستور الجديد يعد أفضل ضمان لحماية حقوقهم ودرعا حصينا ضد كل المخاطر التي تهددها. وقالت"لقد بات من الضروري أكثر من أي وقت مضى إحداث آلية مستقلة تسهر على متابعة التطبيق الفعلي لحقوق الطفل في تونس ورصد الاخلالات التي تهددها وقبول الشكايات حولها ودراستها بما من شانه حماية هذه الحقوق". وأضافت أنه بالرغم من توفر ترسانة تشريعية ومؤسساتية هامة، تتميز آليات حماية حقوق الطفل في تونس بفوارق جهوية وانعدام العدالة الاجتماعية والاقتصادية. وفي حين تشير إحصائيات اليونيسيف إلى أن عدد الأطفال الذين يغادرون مقاعد الدراسة سنويا في سن التمدرس القانونية "بين 6 و16 سنة" يتراوح بين 60 و80 ألف تلميذ على الصعيد الوطني، تظل محدودة وغير معلومة، المعطيات المتوفرة حول مصير وأعداد من باشر منهم العمل إثر انقطاعهم عن المدرسة ومن أوتهم الشوارع ومن كان ضحية للتحرش الجنسي أو أصيب بإعاقات أو كذلك الفئات الأخرى من الأطفال ذوي الوضعيات الهشة. وفي هذا السياق يعتزم مكتب اليونيسيف بتونس القيام بدراسة حول عمالة الأطفال. وتعود احدث الإحصائيات حول تشغيل الأطفال في تونس إلى سنة2010 حيث أحصى متفقدو الشغل 11 ألف و724 طفلا عاملا أعمارهم أكثر من 16 سنة، من بينهم 3920 يافعا تتراوح أعمارهم بين 17 و18 سنة ينشطون بسوق الشغل المنظمة، وفق ما صرح به مدير رقابة تشريع الشغل بالتفقدية العامة للشغل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية شكري والي. وأوضح أن حقوق هؤلاء الأطفال العاملين بمؤسسات اقتصادية خاضعة لمجلة الشغل، محمية بالقانون على عكس الأطفال دون السادسة عشر الناشطون بالقطاع غير المنظم والذي يتضمن أنشطة مختلفة على غرار المعينات المنزليات والباعة المتجولين. وأبرز شكري والي بالخصوص ضرورة تناول الحكومة الموضوع بصفة جذرية من خلال معالجة أسباب الفقر الذي يمثل السبب الرئيسي وراء ظاهرة تشغيل الأطفال في تونس، وهذا الأمر يتطلب حسب رأيه إرادة سياسية قوية تحمي الأطفال ضد مخاطر العمل في القطاع غير المنظم. ودعا إلى وضع مرسوم ينظم عمل المعينات المنزليات لحمايتهن وضمان حقوقهن وتكثيف المراقبة على عمل الأطفال بالمدن الكبرى وخاصة مراجعة منظومة التعليم المهني بالإضافة إلى العمل على دفع التشغيل والاستثمار خاصة في المناطق الداخلية. وفي انتظار التعاطي بجدية مع موضوع عمالة الأطفال خاصة في القطاع غير المنظم ووضع الآليات الرقابية الضرورية لذلك وكذلك الأطر التشريعة الكفيلة بتوفير حماية اكبر للأطفال، تظل زهور يافعة على غرار الطفلة منية وغيرها كثيرات، تجوب الشوارع بحثا عمن ينتشلها من براثين الفقر والخصاصة والتهميش وينقذها من تجاذبات قدرها السيئ. غير أن منية، هذه الطفلة الصغيرة المنحدرة من مدينة تبرسق من ولاية باجة قد حالفها الحظ نسبيا بعد أن فرت من منزل مشغليها وتمسكت بحقها في الدراسة والتميز بإعدادية المكان ، من اجل تحقيق حلمها المشروع في نحت مستقبل كل أملها أن يكون أفضل من حاضرها.