تونس (تحرير محرز الماجري)- أكوام من الفضلات تتكدس على قارعة الطريق ... أمام المنازل ... في الفضاءات الخضراء والساحات العمومية، مشهد يتكرر في أغلب مدن وأحياء تونس الكبرى التي تحولت إلى مصب شاسع وعملاق للفضلات والأوساخ. ولم تستثني هذه الظاهرة الأحياء الراقية إذ تتناثر فيها أكياس الفضلات السوداء وبقايا المأكولات وشتى أنواع النفايات المنزلية التي تستقطب عديد "البرباشة" من الباحثين عن القوارير البلاستيكية فضلا عن القطط والكلاب السائبة. ويعمد عديد المواطنين إلى حرق هذه الأكوام سعيا منهم إلى التخلص من الروائح الكريهة التي تنبعث منها والحشرات التي تعيش فيها غير عابئين بما تسببه هذه الحرائق من انعكاسات بيئية خطيرة على المحيط وبالخصوص على صحة المواطن لما تصدره من انبعاثات سامة. ولا يقتصر الأمر على النفايات المنزلية بل يشمل كذلك بقايا حضائر البناء التي يعمد أصحابها إلى إلقائها على قارعة الطريق رغم خطورتها لاحتوائها على مواد كيميائية مضرة بالطبيعة وبالإنسان. "مشهد كريه وقبيح لا يليق بدولة قامت بثورة من مبادئها تغيير العقليات بصفة جذرية وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الضيقة" ذلك ما أكدته السيدة سامية موظفة بإحدى الإدارات العمومية ل(وات) وهي تحمل كيسا من الفضلات باحثة عن مكان مناسب لإلقائه. وأضافت قائلة "إن ما يحصل اليوم، من إلقاء عشوائي للفضلات ينم عن أنانية مفرطة للتونسي في أبسط تعاملاته اليومية بالإضافة إلى عدم مبالاة عملة البلديات الذين خيروا على ما يبدو التقاعس والامتناع عن أداء واجبهم المهني بعد تسوية وضعياتهم". وقد تم خلال السنة الماضية (2011) بعد الثورة تسوية وضعيات عملة البلديات الذين ظلوا لعديد العقود مهضومي الحقوق انطلاقا من الأجر الشهري المتدني والأوضاع المهنية المزرية. ورغم العديد من الإضرابات التي نفذها أعوان التنظيف في كامل بلديات البلاد للمطالبة بتحسين وضعيتهم المادية والاجتماعية فقد تعاطف معهم المواطنون واعتبروا أنه من الضروري الاستجابة إلى مطالبهم الشرعية والمعقولة. "غير ان الوضع تطور حسب السيدة سمية بوزيان وهي موظفة "إلى استقالة ولا مبالات مفضوحة من عمال البلديات في ممارسات لا تليق بمبادئ الثورة". واعتبرت "أنه من غير المقبول أن تحاصر أكوام الفضلات العاصمة وضواحيها ويختنق الناس من الروائح الكريهة وانتشار الحشرات بما يتسبب في أذى الناس وإزعاج راحتهم". واضطرت ثرياء التي تقطن أحد أحياء مدينة باردو، أمام الانتشار الفضيع للفضلات وبقايا البناء، إلى استئجار جررا وشاحنة بالاشتراك مع جيرانها بقيمة 150 دينارا لرفع الفضلات التي تكدست في حيهم. كما يتناوبون على حراسة المكان لمنع متساكني الأحياء المجاورة من إلقاء الفضلات فيه. وأقر الناصر السالمي الكاتب العام لنقابة البلديات بالاتحاد العام التونسي للشغل "بتفاقم ظاهرة انتشار الفضلات على المستوى الوطني ،معبرا عن أسفه الشديد لهذه الظاهرة". وفسر هذه المسألة "بنقص العملة إذ بعد تسوية وضعيتهم، أصبح من حقهم التمتع بالعطلة الأسبوعية والعطلة السنوية إلى جانب حقهم في الحصول على إجازة مرضية بشهرين الأمر الذي أثر على نسق أدائهم اليومي". وأكد "أن البلديات تعاني نقصا كبيرا في المعدات إلى جانب عدم توفر خدمات الصيانة ذلك ان عديد الآلات تقبع في المستودعات بسبب حاجتها إلى قطع غيار بسيطة على غرار إطار مطاطي أو مصفاة زيت أو شمعة اشتعال ....". وحمل السالمي من جانب آخر "المواطن مسؤولية تفاقم حجم الفضلات من خلال تعمده إلقائها بطريقة عشوائية غير مكترث بالتوقيت المحدد لإخراجها عند مرور شاحنات رفع الفضلات". وأقر حسين القروي الكاتب العام لبلدية باردو بالصعوبات التي تواجهها البلدية على مستوى رفع الفضلات بسبب تقادم التجهيزات والآلات إذ يقدر النقص بنسبة 50 بالمائة. وأشار إلى أن بعض مناطق من مدينة باردو لا تشملها عمليات رفع الفضلات والأوساخ قائلا "إن هذا الأمر محزن جدا". وبين "أن عملية رفع الفضلات مضنية جدا وتتطلب مجهودا متواصلا كل يوم والتزاما من مختلف الأطراف". وأضاف قائلا "لا بد من تغيير سلوك المواطن الذي أضحى غير مبال بالنظافة ويتعمد إلقاء الفضلات والأوساخ في كل مكان وفي كل الأوقات دون احترام للتوقيت المحدد لرفعها". وطالب المسؤول "بضرورة الإسراع في تدعيم أسطول البلديات بالتجهيزات والمعدات ومعاضدة الجمعيات الناشطة في المجال البيئي للبلديات بتنظيم حملات نظافة دورية من شأنها التقليص من الكم الهائل للفضلات المتراكمة". وأمام هذا الوضع وفي ظل الصعوبات التي تشهدها البلديات فإن عديد الأطراف ترى في فتح قطاع رفع الفضلات أمام القطاع الخاص الحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة. وسيتيح هذا الاقتراح معاضدة مجهود البلديات من ناحية والمساهمة في إحداث مؤسسات جديدة مختصة في المجال وبعث مواطن شغل جديدة من ناحية أخرى.