باردو (وات) - تباينت مواقف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، في الجلسة العامة المنعقدة بعد ظهر يوم الاربعاء، بشأن قرار إعفاء محافظ البنك المركزي، مصطفى كمال النابلي من مهامه بين مؤيد للقرار ورافض له. فقد قالت النائبة سامية عبو عن كتلة "المؤتمر"، إن محافظ البنك المركزي الحالي "لم يكن محافظا على المصلحة الاقتصادية للبلاد" مطالبة بوجوب القطع مع رموز النظام السابق، باعتبار أن النابلي، "شغل منصب وزير في عهد الرئيس المخلوع". ولاحظت أن الثورة "تستوجب القطع مع الماضي" وإعطاء الفرصة للنخب والكفاءات التي لم تصلها ثمار الثورة"، على حد قولها. وأكد سمير بن عمر، (المؤتمر) أن المحافظ "لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب"، ملاحظا أن تدخل النابلي اليوم أمام المجلس التأسيسي، كان فيه "نوع من العنف تجاه الحكومة" اذ اتهمها "بالجهل وعدم الاطلاع على خفايا الأمور". وبين أن المحافظ "لم يكن محايدا ومستقلا وخدم ضد مصلحة البلاد" كاشفا أن من أحد المطالب الأساسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عند تشكيل الائتلاف الحكومي كان"القطع مع كل من خدم مع نظام العهد السابق". وأضاف بن عمر، أن النابلي "فشل فشلا ذريعا في السياسة النقدية المتبعة" بدليل تراجع قيمة الدينار التونسي من 06 جويلية2011 إلى نفس الفترة من السنة الحالية بنسبة 3ر17 بالمائة الى جانب تراجع المدخرات من العملة الصعبة خلال نفس الفترة من 120 يوما إلى 95 يوما. وقال إن المحافظ شجع على قروض الاستهلاك وهي السياسة التي اتبعها النظام السابق، والحال ان المطلوب هو العمل على تشجيع قروض الاستثمار. ولفت عمر الشتوي من جانبه إلى ما أسماه "التصريحات المتضاربة" للنابلي في ظل حكومة السبسي وفي ظل الحكومة الحالية، إذ أنه كان يثمن الوضع الاقتصادي للبلاد في حين تم تسجيل نسبة نمو سلبية في حدود 2ر2 بالمائة موفى 2011، وفي المقابل كانت تصريحاته عند تسلم الحكومة الحالية مقاليد السلطة "مربكة" في الوقت الذي كانت فيه نسبة النمو خلال الثلاثي الأول من 2012 إيجابية إذ وصلت على حد تعبيره الى 6ر2 بالمائة. وأكد المنصف الشارني عن كتلة "الحرية والديمقراطية" ان طلب الإقالة غير ضروري. وأبرز اهمية الحفاظ على استقلالية مؤسسة الاصدار قائلا ان هذه الاستقلالية "لا تعني التفرد بالقرار". ودعا مؤسسة الاصدار ورئاسة الحكومة، الى تفعيل آلية التشاور من أجل انتهاج سياسة اقتصادية ونقدية اكثر نجاعة. وأشار بشأن ملف الاموال المنهوبة، إلى أن محافظ البنك أرجع البطء في استرجاعها الى تباطؤ السلطة التونسية في اجراءات استرجاع هذه الاموال في البلدان التي تتواجد بها الارصدة، والى سوء التصرف، بما قد يكون سببا في فقدانها مع انقضاء أجل تنفيذ حكم الاسترجاع. ووصف طارق بوعزيز قرار رئيس الجمهورية المؤقت باقالة المحافظ ب"المتسرع" وبأنه اتخذه "دون دراية بالسياسات النقدية" مشيرا الى "الغياب الكلي للحكومة في فتح ملفات المحاسبة". وأبرز خطورة المسألة المالية التي اصبحت محل تجاذب بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة مشيرا الى ان هذه الاخيرة تسعى الى ضخ الاموال في السوق من اجل ايجاد حلول ظرفية دون مراعاة نسب التضخم. كما اعتبر ان تغيير مدير المعهد الوطني للاحصاء يأتي في سياق نشر نسب تنمية "مجانبة للحقيقة"، مضيفا ان دفاعه ليس على الاشخاص بقدر ما هو دفاع عن الدولة ومؤسساتها. ودعا في هذا الصدد، الى ارساء معايير علمية لتقييم اداء مثل هذه المؤسسات (البنك المركزي ومعهد الاحصاء) وارساء قواعد الحوكمة الرشيدة. خليل حويجي عن نفس الكتلة قال إن لديه تحفظات على شخص محافظ البنك الذي كان من وزراء الرئيس المخلوع بن علي، بيد انه في الوقت ذاته شخص مشهود له بالكفاءة في تونس والخارح وهو أمر لا يمكن انكاره. وذكر ان ما قدمه المحافظ اليوم في المجلس من تبريرات صحيح في جانب منه قائلا إن "الاعفاء يفسر سياسيا بمحاولة ارضاء للمرزوقي". وتساءل النائب شكري العرفاوي عن أسباب الاستعجال في اعفاء محافظ البنك المركزي عوضا عن معالجة المشاكل الحقيقية. وبدوره تساءل حسن الرضواني عن مدى انضباط محافظ البنك المركزي الجديد بتطبيق السياسة النقدية التي تقرها الحكومة، معتبرا أن استقلالية مؤسسة الاصدار لا تنفي التناغم مع الحكومة التي عليها ان تتروى في التعيينات ودراسة توقيتها. ابراهيم القصاص (المستقيل من كتلة العريضة) قال إن مأالة اعفاء محافظ البنك المركزي التونسي هي باختصار "رغبة من رئيس الجمهورية المؤقت في إثبات صلاحياته وشخصيته". وأكد أنه "إذا كان النابلي غير كفء، فان الحكومة برمتها غير كفأة وان 90 بالمائة ممن يعملون في إداراتها تجمعيون". وقال إن الشعب التونسي "ذكي ولا يمكن ان يستغفله احد" داعيا الى ضرورة التخلي عن التعلات الواهية ومنبها في الان ذاته بالقول "انتم تدفعونا الى ثورة اخرى". واعتبر سعيد بوعيش أن قرار إقالة محافظ البنك المركزي جاء "لتجميل صورة رئيس الجمهورية المؤقت" بعد قرار تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي، من دون علمه، وما أثاره ذلك من أزمة مع رئاسة الحكومة مطالبا "برفض قرار الإقالة". ولاحظ ضمير المناعي أن السياسة المالية والنقدية للحكومة في تناغم مع البنك المركزي التونسي متسائلا عن حقيقة العلاقة "المتوترة" التي تحدث عنها ممثل الحكومة مساء أمس. وأكد أنه لو لم تحصل حادثة تسليم البغدادي المحمودي، لما نظر المجلس التأسيسي في قرار إعفاء المحافظ. من جانبه تساءل النائب صالح شعيب عن كيفية سماح البعض من غير الضالعين في المسائل الاقتصادية والمالية بانتقاد المحافظ. وشدد على أن مداخلة النابلي اليوم تعد في نظره "درسا في الشفافية والدقة في التعامل مع الملفات" مشيرا إلى أن التفكير في إقالة المحافظ تندرج في إطار "المصالح الحزبية الضيقة وعدم الاكتراث بالمصلحة الوطنية". واستنكر النائب مثل هذه الممارسات، مطالبا بالحفاظ على النابلي بل وتكريمه وشكره على الجهود التي قام بها طيلة الفترة التي تولى فيها إدارة مؤسسة الإصدار. واستغرب عبد الرؤوف العيادي عن كتلة حركة "الوفاء للثورة" من عدم تناول موضوع السياسة المالية والنقدية في السابق حتى يتعرف النواب عن كثب على هذه السياسة. ولاحظ أن تعيين محافظ البنك المركزي تم على أساس كفاءة تقنية وليس تنفيذا لبرنامج خاص بالسياسة النقدية، مشيرا إلى أن قضية إعفائه تحولت إلى قضية "شخصية". واوضح أن "معيار الولاءات تم تغليبه على معيار السياسات"، حسب قوله. وقال إن معيار تقييم أداء كل مسؤول حكومي يجب ان يستند الى البرامج والسياسات والخيارات. من ناحيته اقترح النائب ربيع العابدي تنظيم حوار وطني حول السياسة النقدية في تونس بتشريك كل الإخصائيين ومكونات المجتمع المدني. يتبع ...