جامع العابدين بقرطاج (تم تشييده سنة 2003 ) تونس 8 سبتمبر 2010 (وات- تحرير سارة حطاب) - يمثل شهر رمضان فرصة متجددة للتونسيين لاستحضار المقاصد السامية للدين الإسلامي الحنيف الذي استعادت مناسباته وشعائره في عهد التغيير، وهجها الروحي وأبعادها العميقة دعما لهوية تونس وتجذيرا لانتمائها في محيطها العربي الإسلامي. ولا تقتصر العناية بديننا الحنيف والإحاطة بالقائمين على شؤونه، على هذا الشهر الكريم، بل تعد ثابتا أساسيا وخيارا جوهريا في تونس التي أقامت مقاربتها في هذا المجال على مقومي الأصالة والحداثة وتأكدت هذه التوجهات بصورة جلية منذ تغيير السابع من نوفمبر في رد الاعتبار للدين الإسلامي في تونس من منطلق إيمان الرئيس زين العابدين بن علي، بأهميته في التأسيس لجيل متشبع بالقيم الدينية الأصيلة الرافضة للتحجر والانغلاق، وفي دعم قيم الاعتدال والتضامن والتآخي التي جعلت من تونس بلد التسامح والحوار وتمازج الحضارات والثقافات. وتؤكد المبادرات المتعاقبة التى شمل بها رئيس الجمهورية شؤون الدين في تونس، استناد العناية بشؤون الدين إلى رؤية حكيمة ونظرة ثاقبة تستهدف ترسيخ الصورة السمحة للإسلام في العالم. ولعل من أبرز القرارات التي عجل باتخاذها سيادة الرئيس، فور توليه شؤون البلاد، الانتقال بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين إلى جامعة زيتونية متكاملة الاختصاصات والمناهج بموجب قرار مؤرخ في 31 ديسمبر 1987 كما أعيدت إدارة الشعائر الدينية قبل ان ترتقي الى كتابة دولة للشؤون الدينية سنة 1989 ثم الى وزارة للشؤون الدينية سنة 1992. ويعتبر إقرار تلاوة القرآن الكريم، ليلا نهارا بجامع الزيتونة المعمور على مدار السنة ودون انقطاع، كذلك من أهم المبادرات التي اتخذها رئيس الجمهورية في هذا المجال والتي كان لها بالغ الأثر في نفوس زائري الجامع من التونسيين والأجانب. وشملت العناية بالشأن الديني في تونس، المجلس الإسلامي الأعلى وذلك من خلال إعادة النظر في تنظيمه وتركيبته فتم بمقتضى أمر مؤرخ في 09 جانفي 1989 الترفيع في عدد أعضائه وتوسيع مجالات اختصاصه ليعنى بالنظر في كل المسائل المتعلقة بالنواحي الفقهية والاجتماعية ويتقدم بمقترحات من شأنها أن تحصن الأمة في دينها من التفسخ والانغلاق ومن كل ما يؤثر سلبيا في مقوماتها وأصالتها. وتولي تونس اهتماما متزايدا لبيوت الله ترميما وصيانة وتجهيزا ويحظى القائمون عليها بإحاطة شخصية من لدن الرئيس زين العابدين بن علي الذي اذن بتطوير الرعاية الاجتماعية لفائدتهم. وقد ازداد عدد المساجد في تونس من 913 سنة 1987 إلى أكثر من 1178 مسجدا اليوم. كما ارتفع عدد الجوامع من 1477 سنة 1987 إلى 3553 جامعا ليفوق عدد المساجد والجوامع التي شيدت في عهد التغيير عدد ما شيد منذ الفتح الاسلامي. وفي المقابل تنامى عدد الاطارات المسجدية من 6070 سنة 1987 إلى أكثر من 17225 إطارا مسجديا حاليا. وقد تدعمت المعالم الدينية ببناء جامع العابدين بقرطاج سنة 2003 وهو يعد من أبرز الانجازات الحضارية الاسلامية التي تحققت لتونس في العصر الحديث، لما يتميز به هذا المعلم الديني المقام على ربوة بقرطاج من طابع معماري وخصائص هندسية تجمع بين الأصالة والابداع. وبالتوازي مع رعاية المعالم الدينية، تم الحرص على رفع الآذان ونقل خطب الجمعة وصلاة العيدين، عبر وسائل الاعلام السمعية البصرية. وحرصا على تأصيل القيم السمحة للدين الاسلامي، تركزت الجهود على مزيد تطوير الخطاب الديني وترشيده ليكون قائما على فهم سليم لحقائق الاسلام الخالدة، مرسخا للتضامن والتآخي والوسطية، حافظا لمقومات الشخصية الحضارية التونسية ودافعا لمسيرة التنمية الشاملة ومواكبا لمتغيرات الواقع ومقتضيات التطور والحداثة والرقي. وفي هذا الإطار تبذل إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم التي أحدثت خلال شهر رمضان من سنة 1428 هجري الموافق لسنة 2007 ميلادي، جهودا محمودة من خلال الحرص على تقديم برامج تعتمد أساسا على القرآن الكريم بنسبة لا تقل عن 80 بالمائة، إلى جانب الاحاديث النبوية الشريفة وقصص الأنبياء والأدعية والابتهالات وتلقين قواعد النطق والتجويد في الترتيل وذلك في إطار الربط التفاعلي مع الجمهور. وتتنزل الحركية المكثفة التي تشهدها بيوت الله خلال شهر رمضان، وما تتميز به من مسامرات ومحاضرات ودروس دينية وندوات في مختلف جهات البلاد في إطار الحرص على ترسيخ مقومات الدين الحنيف وإحياء مناراته وتكريس قيمه السمحة التي تحث على اقتران العبادة بالعمل، وتدعو الى الوسطية والاعتدال والتسامح وتنبذ الغلو والتطرف. ويعرف هذا الشهر الفضيل بتنظيم مسابقات لحفظ القرآن أبرزها مسابقة تونس الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره والمسابقة الوطنية لحفظ القرآن الكريم التي أسندت جوائزها في دورتها الحالية إلى عدد من الطلبة والتلاميذ في سنة تحتفي فيها تونس وسائر بلدان العالم بالسنة الدولية للشباب. وفي السياق ذاته أسندت جائزة رئيس الجمهورية العالمية للدراسات الإسلامية هذه السنة إلى الدكتور الياس بلكا من المغرب عن كتابه الذي يحمل عنوان " مشكلات اختراق الأمة إلى سنة وشيعة .. الأصول والحلول" وهي جائزة تسند إلى كل شخص مادي أو معنوي تميز على الصعيد العالمي بإبراز ودعم الصورة المشرقة للاسلام. ومن جهة أخرى تركز الجهد على النهوض بقطاع الكتاتيب وفق برنامج إصلاحي شامل ارتقى بالخدمات التربوية المسداة وجعلها رافدا من روافد مدرسة الغد لتكوين جيل جديد متشبع بالقيم الإسلامية النبيلة. وقد تدعم إطار الكتاتيب بانتدابات جديدة في صفوف حاملي أستاذية العلوم الإسلامية من خريجي جامعة الزيتونة للتدريس بهذه الفضاءات التربوية. وبالتوازي مع هذه الجهود، حرص الرئيس بن علي باستمرار على دعم الصورة المشرقة للإسلام في العالم وحمايته من مظاهر التشويه وسوء الفهم فضلا عن تعزيز الحوار بين الديانات والثقافات والحضارات. ويجدر التذكير بإذن رئيس الجمهورية سنة 2001 بإحداث كرسي جامعي لحوار الحضارات والأديان، يساهم في النهوض بهذه الرسالة النبيلة ويتولى مد جسور التعاون والاحترام المتبادل بين الشعوب والمساهمة في غرس فضائل المحبة والتضامن بينها. ويتركز نشاط هذا الكرسي الجامعي على إلقاء محاضرات من قبل الأساتذة التونسيين ممن تميزوا في ميادين المعرفة ونشرها إثراء للمجتمع الوطني والإنساني. كما يستضيف شخصيات جامعية أو سياسية أو إعلامية مرموقة من خارج تونس، معروفة بإسهاماتها وإضافاتها في العلوم الإنسانية. وعلى صعيد آخر، ما انفكت الجهود تتضافر بين مختلف الأطراف المعنية بتنظيم موسم الحج قصد مزيد إحكامه بدعم الإحاطة التنظيمية والدينية بالحجاج والارتقاء بجودة الخدمات المسداة لهم في السكن والنقل بالبقاع المقدسة بما يساعدهم على أداء مناسكهم في أفضل الظروف وبأكبر قدر ممكن من اليسر والسهولة. كما شملت العناية أبناء تونس المقيمين بالخارج ولاسيما المرأة المهاجرة وأبناء الجيلين الثاني والثالث من خلال تبصيرهم بحقائق دينهم وتعميق صلتهم بوطنهم وولائهم له وإعانتهم على التوفيق بين واجب التشبث بمقومات الشخصية التونسية ومقتضيات التعايش في بلدان الإقامة.