صندوق 26-26 تمكن منذ إحداثه من فك العزلة عن 1879 منطقة نائية وإنقاذ أكثر من مليون و487 ألف مواطن من الأوضاع الهشة تونس 7 ديسمبر 2010 (وات/ تحرير راقية السالمي)- يعد البعد التضامني قيمة ثابتة في مقاربة تونس الاجتماعية ويتجلى ذلك من خلال الإصلاحات التشريعية والتنظيمية والمالية وما تم وضعه من برامج وآليات ساهمت في تحسين ظروف العيش وتكريس التكافؤ بين مختلف الفئات والجهات. وقد آمنت قيادة التغيير بأن التضامن قيمة أخلاقية أساسية يتعين العمل على تجذيرها في نفوس الناس وسلوك اجتماعي سوي يجب دعمه وترسيخه بل إنها ارتقت به إلى مستوى الحق الدستوري الثابت الذي لا تستقيم منظومة حقوق الإنسان دونه. فقد تجاوز الفعل التضامني ضمن المقاربة التونسية دائرة الإحسان التلقائي والنزعة الخيرية الفردية ليصبح منظومة للتكافل الاجتماعي المهيكل الذي تنظمه مؤسسات وطنية ذات طابع اجتماعي واقتصادي وترعاه الدولة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ولا سيما الجمعيات التنموية والاجتماعية والخيرية. وقد أعطى هذا التوجه للتضامن مكانة متميزة كقيمة حضارية في المشروع المجتمعي وفي الاختيارات السياسية الكبرى للبلاد ومكنت هذه المقاربة التنموية من بروز ديمقراطية اجتماعية وتحقيق التقدم للجميع وتقليص التفاوت بين مختلف الفئات والجهات وتقوية اللحمة والانسجام المجتمعي والمحافظة على الأمن الاجتماعي والاستقرار. وجاء قرار الرئيس زين العابدين بن علي بإحداث صندوق التضامن الوطني 26/26 سنة 1992 مجسما لرؤية جديدة راهنت على نبل إحساس التونسيين وتأصل نزعة الخير لديهم وعمق وطنيتهم وهو ما أسس لمقاربة تنموية تشاركية يسهم فيها الجميع وينتفع بثمارها الجميع. وتتأكد جدوى هذه الآلية في ترسيخ ثقافة التضامن لدى التونسي من خلال المشاركة الطوعية في المد التضامني في سائر أيام السنة وبمناسبة اليوم الوطني للتضامن الموافق للثامن من ديسمبر من كل سنة وهو ما تبين من خلال تطور قيمة التبرعات وعدد المتبرعين منذ بداية الاحتفال بهذا اليوم في في سنة 1994 . فقد ارتفعت التبرعات من 5 ملايين و112 الف دينار سنة 1994 الى اكثر من 40 مليون و794 الف دينار خلال نفس اليوم من سنة 2009 وارتفع عدد المتبرعين من 182 الفا سنة 1994 الى 5 ملايين و866 الف متبرع خلال 2009 وهو ما يبرز بجلاء انتشار ثقافة التضامن بين المواطنين ووعيهم بعمق النتائج الى تحققت على أرض الواقع. وقد عمل الصندوق منذ إحداثه على تمكين المناطق المعنية من المرافق الجماعية والتجهيزات الاساسية وتحسين موارد العيش حيث تمكن منذ إحداثه وإلى غاية سنة 2010 من فك العزلة عن 1879 منطقة نائية وإنقاذ أكثر من مليون و487 ألف مواطن من الأوضاع الهشة. وتدعم نشاط الصندوق بعديد الآليات والبرامج للقضاء على الفوارق الاجتماعية وتوفير مقومات العيش الكريم لجميع الجهات والفئات خدمة للتماسك الاجتماعي وتحصينا للمجتمع من مخاطر التفكك على غرار البنك التونسي للتضامن والجمعيات التنموية ونظام القروض الصغرى والصندوق الوطني للتشغيل فضلا عن الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي. وأصبح بذلك العمل لفائدة الفئات ذات الحاجات الخصوصية عملا جماعيا مشتركا تقوم فيه الدولة بالدور المحوري بالتعاون والشراكة مع النسيج الجمعياتي الذي يشهد تناميا مطردا منذ التغيير باعتباره شكلا من إشكال التضامن ولبنة من لبنات إرساء المجتمع المدني المتآزر والمتكافل وتماشيا مع فلسفة المساعدة بهدف التمكين والتدرب على المسؤولية والمبادرة عوضا عن الاتكال على الدولة وما تقدمه من مساعدات. ولقد تمكنت تونس بفضل ذلك من تحقيق جملة من المكاسب الهامة لا سيما في مجال توسيع الطبقة الوسطى وارتفاع الدخل الفردي السنوي وتقليص نسبة الفقر ودعم الإحاطة بالفئات ذات الاحتياجات الخصوصية حيث أن 60 فاصل 5 بالمائة من ميزانية الدولة تخصص للسياسة الاجتماعية بمختلف برامجها ومكوناتها. وكانت نجاحات صندوق التضامن في مستوى صواب الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي أسس عليها ألا وهي تحقيق توزيع أفضل لثمار التنمية وكذلك غرس روح المبادرة تدريجيا في نفوس أفراد ينتمون الى فئة ضعاف الحال جددوا العهد مع العمل والبذل وأخذ مصيرهم بأيديهم وذلك بمدهم بالإمكانيات المالية والوسائل الفنية والبشرية الضرورية للنهوض بوضعهم الاقتصادي والاجتماعي. وقد تدعمت منظومة التضامن الموجهة للنهوض بالمناطق الضعيفة ودعم المرافق ومقومات التنمية لفائدة متساكنيها بإحداث آلية جديدة خلال شهر أوت 2008 تتمثل في البنك الخيري للأدوية وذلك كآلية من آليات التدخل والمساعدة التابعة للاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي في مجال هام وهو قطاع الصحة ومتطلباته الدوائية. وتمثل هذه الآلية طورا جديدا في المد التضامني وفي تجسيم معاني التآزر والتكافل الاجتماعي ودعم التغطية الصحية لفائدة محدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخصوصية. وقد كان للتدخلات الناجعة لصندوق 26/26 فى مختلف مناطق البلاد صداها على الصعيدين القاري والعربي ومثلت أحد روافد إشعاع التجربة التونسية في مجال التضامن التي حرصت عديد البلدان، ولا سيما الافريقية منها، على استلهامها والنسج على منوالها في مجهودها لمقاومة الفقر ومعالجة مظاهر الإقصاء والتهميش الاقتصادي والاجتماعي. كما أشعت تجربة الصندوق على آفاق عالمية أوسع ترجمه التجاوب الدولي الكبير مع مبادرة الرئيس زين العابدين بن علي المتعلقة بإحداث صندوق عالمي للتضامن لمكافحة الفقر تمت المصادقة على بعثه في ديسمبر 2002 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتمدت أيضا باقتراح من رئيس الدولة في ديسمبر 2005 قرارا يقضي بإعلان يوم 20 ديسمبر من كل سنة "يوما دوليا للتضامن الإنساني". وهكذا يمكن القول إنه بفضل هذه الآليات التضامنية الرائدة وما اكتسبته من صيت عالمي ارتقى العمل التضامني في تونس إلى مستوى التنمية المتضامنة الرامية إلى تحقيق التنمية الذاتية من خلال مساعدة الأفراد والفئات المستهدفة على الخروج من دائرة المساعدة إلى دائرة الإدماج عبر العمل والانتاج باعتبار أن التضامن لا يعني فقط التشجيع على التواكل بل يدفع إلى التعويل على الذات والأخذ بزمام المبادرة. ويواصل البرنامج الرئاسي "معا لرفع التحديات" فتح الآفاق رحبة في الجانب الاجتماعي ويؤكد العزم والثقة على تحقيق مزيد من النجاحات وحماية كل الأفراد والعمل على نبذ كل أشكال الإقصاء والتهميش والقضاء على الفقر ونشر ثقافة التضامن.