تونس 9 اكتوبر 2009 (وات تحرير فاطمة زريق) بعد اسبوعين تشهد تونس انتخابات رئاسية وتشريعية ستكون مفتوحة امام نحو 5 ملايين ناخب اى نصف السكان لاختيار رئيسهم من بين اربعة مترشحين وممثليهم في مجلس النواب من ضمن مرشحي تسعة احزاب وطنية ذات اتجاهات مختلفة وقائمات مستقلة تحصلوا بعد استكمالهم للشروط القانونية على الوصولات النهائية للترشح والتنافس. ومع اقتراب هذا الموعد الانتخابي ينشغل محللون بتقييم منجزات المسار الديمقراطي منذ انطلاقته غداة تحول السابع من نوفمبر 1987 ليشهد انبعاث 6 احزاب جديدة الى جانب الثلاثة احزاب الموجودة على الساحة وعدد هام من المنظمات وارتفاع عدد الجمعيات الى حدود 9 الاف و350 جمعية تنموية وخيرية وثقافية وعلمية ونسائية وشبابية ورياضية وودادية. ويصف اهل الفكر والراى هذا المسار الديمقراطي ب/المسار المبتكر/ لانه انبنى على اساس ثلاثية الشمولية والتدرج والاستشارة. وما كان لهذا المسار ان يتقدم لو لم يتاسس على توجه اصلاحي شمولي وعلى الترابط الوثيق بين الديمقراطية والتنمية اللذين يدعم كل منهما الاخر. فقد كان لارساء مقومات الرفاه والتنمية بالاضافة الى سياسة الوفاق واعتماد اسلوب الانتخاب كقاعدة للحكم وتوسيع مجال المشاركة في الشان العام دور كبير في تدعيم هذا المسار. وهي مقومات برزت من خلال استقرار نسبة النمو السنوى في حدود 5 بالمائة واتساع قاعدة الطبقة الوسطى الى نحو80 بالمائة من مجموع السكان. وتتالت الاصلاحات الرامية بالخصوص الى ضمان شفافية العمليات الانتخابية عبر اقرار مبدا حياد المكاتب والتقليص في عددها والترفيع في عدد المقاعد البرلمانية وتطوير نظام الاقتراع من اجل تحقيق التنمية السياسية. واقرت تعديلات شملت اساسا الدستور التونسي والمجلة الانتخابية في اكثر من 6 مناسبات وكذلك مجلة الصحافة وغيرها من النصوص ذات العلاقة. كما تم اقرار التمويل العمومي للانتخابات لمساعدة مختلف المترشحين للرئاسية والقائمات المترشحة للتشريعية على مجابهة مصاريف الحملة الانتخابية والتعريف ببرامجها الانتخابية. واسهمت هذه الاجراءات المتعاقبة في الانتقال من نظام الحزب الواحد الى التعددية السياسية الفعلية واحترام حق الاختلاف وحرية الراى والاختيار بتعزيز تمثيل المعارضة والمستقلين بالمجالس المنتخبة وتوسيع دائرة الترشح الى رئاسة الجمهورية وضمان حق المشاركة في الانتخابات العامة. كما ساعدت على توسيع ضمانات شفافية العملية الانتخابية عبر تعزيز رقابتها التى اوكلت الى المجلس الدستورى المحدث في ديسمبر 1987 مع الاستناد منذ 1999 الى تقرير المرصد الوطني للانتخابات الى جانب اقرار التسجيل الدائم في القائمات الانتخابية والتقليص في عدد مكاتب التصويت وضمان حيادها وقد مكنت هذه الاجراءات من الحفاظ على استمرارية تطوير المسار الديمقراطي وكانت كل مرحلة تؤسس لاخرى. اذ خاضت تونس بعد الغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الالية اربعة انتخابات رئاسية. وفي اول انتخابات تعددية عام 1999 نافس مرشح التجمع الدستورى الديمقراطي الرئيس زين العابدين بن علي مرشحان اخران وارتفع عدد المشاركين في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 الى اربعة. وهو العدد ذاته بالنسبة لرئاسية 25 اكتوبر الجارى. واتاح التدرج في الانتخابات الوطنية من نظام الاغلبية الى نظام التمثيل النسبي حصول احزاب المعارضة على 19 مقعدا في مجلس النواب سنة 1993 ثم 34 مقعدا سنة 1999 ف37 مقعدا في اخر انتخابات تشريعية جرت سنة 2004 . واحرزت المعارضة في الانتخابات البلدية على 34 مقعدا في دورة جوان 1990 ثم 243 مقعدا في انتخابات مارس 2000 و268 مقعدا في ماى 2005 وذلك تكاملا مع تطور حضورها بالمجالس الجهوية الى نسبة 20 بالمائة الى جانب تمثيليتها الهامة ببقية المجالس الدستورية على غرار المجلس الاقتصادى والاجتماعي ومجلس المستشارين. وبمقتضى تعديل المجلة الانتخابية في 13 افريل 2009 ووفق الاسقاطات الديمغرافية ستحصل المعارضة في التشريعية القادمة على ما لا يقل عن 53 مقعدا. اما بالنسبة للانتخابات البلدية فان النزول بسقف المقاعد في المجالس البلدية التي تحصل عليها قائمة واحدة الى 75 بالمائة من المقاعد من شانه ان يمكن قائمات احزاب المعارضة والقائمات المستقلة في صورة ترشحها في جميع البلديات من الفوز بما لا يقل عن 1100 مقعدا. وقد مكن النسق الاصلاحي في تونس المتميز بالمتدرج وفق ملاحظين من تجنب انقلاب الحرية والتعددية الى فوضى. كما فتح باب التشاور والمشاركة في الحياة العامة امام مكونات الشعب التونسي وفئاته بمختلف حساسياتهم والوانهم.فتوسعت قاعدة الناخبين المسجلين بالقائمات الانتخابية ليصل سنة 2004 الى 7ر4 مليون ناخب اى ما يعادل نصف سكان الجمهورية وذلك مقابل 7ر2 مليون سنة 1989 اى اقل من ثلث السكان و723 الف ناخب سنة 1956 لا يمثلون الا سدس السكان. وسيسجل هذا الرقم ارتفاعا في المحطة الانتخابية القادمة بمقتضى التنقيح الدستورى لسنة 2009 المتعلق بالتخفيض في سن الانتخاب من 20 الى 18 سنة ليتمكن نحو نصف مليون شاب وشابة من المشاركة على اوسع نطاق في الانتخابات العامة. وتنظم تونس استشارات وطنية واسعة حول الخيارات الوطنية في كافة القطاعات تشارك فيها مختلف مكونات المجتمع المدني والجامعيون والخبراء والشباب والمراة. وتصاغ المقترحات والتصورات الصادرة عنها ضمن تقرير لتتم بلورتها لاحقا في شكل قرارات بعد امعان النظر فيها من قبل لجان عمل وزارية ومجالس وزارية. ويعد الاستفتاء الشعبي الذى جرى يوم 26 ماى 2002 من ابرز اشكال الاستشارة الشعبية الموسعة. واثمر اصلاحا جهوريا للدستور هو الاكثر عمقا في تاريخ الجمهورية حيث اضفى بالخصوص بعدا دستوريا على حقوق الانسان والحريات ودعم صلاحيات المجلس الدستورى الذى اصبحت اراوءه ملزمة لجميع السلط العمومية. وبالاضافة الى ذلك اتاح هذا الاصلاح الدستورى تعزيز الوظيفة التشريعية بانشاء الغرفة الثانية مجلس المستشارين التي جاءت بتركيبتها لتدعم الديمقراطية المحلية من خلال تمثيل الجهات فيها. كما شهد الاعلام تطورا ملموسا بفضل تعديل مجلة الصحافة في اربع مناسبات 1988 و1993 و2001 و2006 في اتجاه مزيد تحرير القطاع وجعله فضاء للحوار والتبادل والنقاش حول المحاور والقضايا المتصلة بمستقبل البلاد والدفاع عن مكاسبها.واصبحت صحف المعارضة تصدر بكل حرية وتسهم في تنشيط الحياة الفكرية والسياسية بالبلاد. وعرف المشهد السمعي البصرى بدوره انطلاق اذاعات تابعة كليا للقطاع الخاص واذاعة ثقافية وقنوات تلفزية خاصة. ويتم بصورة منتظمة بث حوارات بصورة مباشرة عبر الاذاعات والتلفزات العمومية بمشاركة ممثلي الاحزاب السياسية وممثلي المجتمع المدني. وتم منذ ديسمبر 2005 تعزيز تمثيل الاحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدني صلب المجلس الاعلى للاتصال اثراء لوظيفته وتركيبته التعددية. وانطلاقا من المراهنة على المراة والشباب تضاعف حضور المراة في البرلمان اذ ارتفع من 5ر11 بالمائة سنة 1999 الى 7ر22 بالمائة سنة 2004 وضم مجلس المستشارين في تركيبته سنة 2005 سبع عشرة امراة اى ما يعادل 3ر16 بالمائة من اعضاء المجلس. وينتظر ان يتدعم حضور المراة في مجلسي النواب والمستشارين وفي المجالس البلدية بما لا يقل عن 30 بالمائة. وتمثل المراة التونسية اليوم ثلث الناشطين بالجمعيات والمنظمات وتحتل نسبة 21 بالمائة من مواقع التسيير بها. وفي سنة 2008 جرى حوار شبابي وطني شامل ومفتوح يحمل شعار /تونس اولا/ شارك فيه ما يفوق عن 400 الف شاب دونوا اكثر من 22 الف فكرة من اجل تونس وابرموا اول ميثاق شبابي حول الخيارات التي تجمعهم. وتم في مناسبتين التخفيض في سن الترشح الى مجلس النواب والمجالس البلدية من 28 الى 25 عاما سنة 1988 ثم من 25 الى 23 عاما سنة 1997 . وسمح تعديل المجلة الانتخابية في ديسمبر 1988 لافراد الجالية التونسية المقيمة بالخارج الذين يتجاوز عددهم مليون شخصا بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية وفي الاستفتاء. ولفسح المجال امام المواطنين للنشاط الجمعياتي تم الغاء التاشيرة القانونية سنة 1992 ولم يعد تكوين الجمعيات خاضعا لترخيص مسبق. كما تم اصدار قانون خاص بالمنظمات غير الحكومية سنة 1995 وان التوجه العام للمسار الديمقراطي التعددى في عقديه الاخرين برز في بيان السابع من نوفمبر 1987 الذى اعلن جدارة الشعب التونسي بحياة متطورة ومنظمة تعتمد تعددية الاحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية وتضمن مشاركة الافراد والفئات في ظل نظام جمهورى يولي الموءسسات مكانتها ويوفر اسباب الديمقراطية المسوءولة. كما انه تدعم بمقتضى الميثاق الوطني الذى ابرمته سنة 1988 سبعة احزاب سياسية و15 منظمة مهنية وانسانية ليمثل مرجعا في التعامل السياسي والمدني بناء على احترام ارادة الشعب وحق الاختلاف وحماية حقوق الاقلية. وكان الوفاق دائما الارضية في التعامل بين مختلف القوى الحية بالبلاد. ومكن هذا الانسجام من تحقيق الالتفاف الواسع حول الخيارات الوطنية الثابتة ووفر في نفس الوقت مناخا سليما ملائما للعمل والمثابرة من اجل كسب مزيد من الرهانات والتحديات في عالم تعصف به المخاطر وتحكم فيه التقلبات.