تونس 1 نوفمبر 2009 (وات/تحرير سناء كليش) - توفقت تونس إلى الارتقاء بقطاع الطب الاستعجالي وتقريبه من المواطنين من خلال تعزيز التغطية بالخدمات الطبية الاستعجالية وتامين التدخل السريع فضلا عن الارتقاء بجودة الخدمات الصحية وتعميم طب الاختصاص بسائر جهات البلاد. وما انفك الطب الاستعجالي يحتل مكانة محورية في سياسة تونس الصحية ضمن رؤية شاملة وبعيدة المدى لإرساء منظومة صحية حديثة وبلوغ مردودية ارفع للمؤسسات الاستشفائية والصحية تجسم الخطة التي اقرها الرئيس زين العابدين بن على لجعل تونس قطبا لتصدير الخدمات الصحية عالية الجودة في أفق 2016. وتجسيما لقناعة ثابتة بان الصحة حق أساسي ومقوم فاعل لجودة الحياة أذن رئيس الدولة سنة 1998 بوضع الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالطب الاستعجالي مكنت من تحقيق نقلة نوعية لمختلف محاور هذا الميدان الطبي المتعلقة بتطوير خدمات ما قبل المستشفى والارتقاء بخدمات الطب الاستعجالي ودعم التكوين في هذا الاختصاص. وتم إدراج تطوير هذا القطاع ضمن أهداف البرامج الانتخابية للرئيس بن على لا سيما من خلال تركيز الجهود في الفترة القادمة على دعم التكوين في اختصاص طب الطوارئ وتعميم المصحات الطبية المتنقلة للإسعاف على كل الولايات مع تحقيق نمو في صادرات الخدمات الصحية نسبته 20 بالمائة سنويا. وضمن هذه الرؤية المستقبلية يندرج المشروع الرئاسي المتمثل في إحداث مركز للإصابات والحروق البليغة ببن عروس الذي يشغل موقعا رياديا على المستوى الوطني والعربي والإفريقي باعتباره المركز الأول من نوعه المتخصص في التكفل بالحروق البليغة لا سيما الناتجة عن حوادث بتروكيميائية. كما يتلقى المركز حالات إصابات من بلدان عربية وافريقية ويساهم في تكوين الأطباء المتربصين من تونس ومن دول افريقية. ويكمن الهدف الأساسي من إنشاء هذا القطب الاستعجالي الذي دخل طور الاستغلال في نوفمبر 2008 في التكفل بالإصابات المتعددة والحروق البليغة الناتجة عن حوادث الحياة اليومية وحوادث المرور والشغل وتجنب عناء التنقل بين عدة هياكل استشفائية باعتبار القطب مؤسسة صحية تتوفر بها جميع الاختصاصات الجراحية والفرق الطبية المتكاملة. وتبلغ طاقة استيعاب هذه المنشأة الصحية الحديثة المجهزة بأحدث التقنيات الطبية 168 سريرا موزعة على مختلف الاختصاصات. كما تشتمل على 10 قاعات للعمليات الجراحية وعلى أقسام جراحة العظام وإنعاش مصابي الحروق وجراحة الترميم والتجميل والطب الاستعجالي والجراحة العامة وجراحة الأعصاب والتخدير والإنعاش إضافة إلى أقسام الطب الفيزيائي وتقويم الأعضاء والتأهيل الوظيفي والتصوير الطبي والبيولوجيا الطبية وبنك الدم والصيدلية. وعلى صعيد آخر شملت الجهود لمزيد دفع قطاع طب الاستعجالي تعزيز شبكة خدمات هذا الاختصاص بمختلف مكوناتها حيث تم علاوة على قسمي تونس 1980 وسوسة 1994 تركيز أقسام للمساعدة الطبية الاستعجالية بكل من صفاقس 1999 وقفصة 2001 وقابس 2007 وجندوبة 2008. وتسدي هذه الأقسام خدماتها عبر المصالح الطبية المتنقلة للإسعاف والإنعاش حيث تعززت خلال العشرية الأخيرة بعشر مصالح جديدة ليبلغ عددها الجملي 14 مصلحة موزعة على 11 ولاية. كما تدعمت البنية الأساسية للأقسام الاستعجالية البالغ عددها 182 قسما بمختلف الجهات بانجاز مشاريع عديدة للتوسعة والتهيئة مما أسهم في الرفع من طاقة استيعابها فضلا عن تجهيزها بأحدث المعدات الطبية اللازمة ودعمها بالكفاءات المختصة بالطب الاستعجالي إلى جانب إقرار بناء قسم استعجالي جديد بمستشفى شارل نيكول واستكمال انجاز مشروع المقر الجديد لقسم المساعدة الطبية الاستعجالية بتونس في أقرب الآجال. ونظرا لتنامي عدد الحالات المتوافدة على الأقسام الاستعجالية بمعدل 60 ألف زائر سنويا لكل مؤسسة إستشفائية يواجه الطب الاستعجالي تحديات متعلقة بالتنظيم والتصرف. ولتفادي الاكتظاظ والتقليص من مدة الانتظار بالأقسام الاستعجالية حظي القطاع بجملة من الإجراءات تمثلت بالخصوص في وضع رقم موحد للنجدة والإسعاف وإعطاء الأولوية لدعم أقسام الاستعجالي والمصالح المتنقلة للإسعاف والإنعاش بالموارد البشرية الضرورية والتجهيزات اللازمة. كما تقرر إحداث مراكز إقليمية لتقبل طلبات النجدة والإسعاف وتنسيق تدخلات الأطراف المعنية مع ربطها بالرقم الموحد للإسعاف والإنعاش بما يكفل إنقاذ أرواح بشرية عبر توجيه الحالات المستعجلة للمصالح الأقل اكتظاظا ومن ثمة تقليص مدة انتظار الإسعاف. واعتبارا لخصوصية العمل في هذا الاختصاص الطبي شملت الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالقطاع دعم مجال التكوين بإحداث ماجستير مختص في الطب الاستعجالي منذ سنة 1998 بجامعات تونس وسوسة وصفاقس وإحداث اختصاص شبه طبي للتقني السامي منذ سنة 2001 فضلا عن تكوين تكميلي لفائدة الإطارات الطبية وشبه الطبية الاستعجالية لتمكينها من تقديم الإحاطة النفسية للحالات المستعصية وبعث أصناف جديدة من الأعوان وتدريسهم وتدريبهم بمدارس الصحة العمومية. كما تضمن المخطط الحادي عشر للتنمية 2007-2011 تهيئة وتوسيع وبناء 36 قسما استعجاليا بهدف مزيد الارتقاء بأداء قطاع الطب الاستعجالى وتعميم هذه المصالح الطبية على كافة الولايات مع الحرص على أن تتلاءم هذه الفضاءات مع متطلبات المردودية والنجاعة والجودة. ويتجلى الحرص على استكمال تجسيم الاستراتيجية الوطنية للنهوض بقطاع الطب الاستعجالي خاصة من خلال إحداث قطب استعجالي ثان بمستشفى المنجي سليم بالمرسى انطلقت أشغال بنائه في سبتمبر 2008 لتتواصل 30 شهرا بكلفة 9 ملايين و400 ألف دينار. وتبلغ حاليا نسبة انجاز هذا القطب الاستعجالي 80 بالمائة. وتتواصل الجهود الرامية إلى دعم التغطية بمختلف جهات البلاد بأقسام المساعدة الطبية الاستعجالية والمصالح الطبية المتنقلة للإسعاف والإنعاش لبلوغ هدف تركيز مصلحة بكل ولاية مهيأة بما يتلاءم مع خصوصيات الطب الاستعجالي الحديث. ويعد المستوى الرفيع للخدمات الاستعجالية من ابرز ملامح المنظومة الصحية الحديثة التي تم إرساؤها في تونس عبر المخططات التنموية والاستراتيجيات المعتمدة على مدى 22 عاما من التغيير بهدف الرفع من جودة الخدمات ودعم الطب المتطور تعزيزا مقومات الرفاه الاجتماعي للتونسيين بمختلف جهات البلاد.