أسدل الستار عن اضراب أساتذة التعليم العالي الذي دعت اليه النقابة العامة للتعليم العالي (مكتب بن قدور) أمس الأول في ظل تضارب المعطيات والأرقام والنسب حول المشاركة في الاضراب. لكن الاضراب الذي انتهى وسط ذلك التضارب سيكون بداية لفصل جديد من فصول أزمة التمثيل النقابي لقطاع التعليم وهي أزمة انطلقت منذ المؤتمر الذي سبق مؤتمر أميلكار الأخير وأفرز نجاح مكتب «مصطفى التواتي» حيث تولّى مجموعة من نواب المؤتمر الانسحاب من القاعة حينها والطعن في صحة وشرعية عدد من النيابات. لكن المركزية النقابية حينها صرفت نظرها عن الأمر وأقرّت بشرعية المؤتمر الذي أفرز نجاح مكتب «التواتي» وقدّمت المكتب الى وزارة الاشراف حسب الأعراف والتقاليد النقابية باعتباره المكتب الشرعي والقانوني وتولت المركزية اصدار بلاغ بتركيبة المكتب الجديد وكاتبه العام مصطفى التواتي. لكن الصورة انقلبت بعد ذلك لحظة انطلاق لجنة النظام قبل مؤتمر جربة الاستثنائي في التحقيق والتحرّي حول الطعونات التي وصلتها لتتسرّب بعد ذلك بعض الأخبار الجانبية التي تفيد أن الاتجاه يسير نحو حلّ النقابة العامة للتعليم العالي وأن الطعونات المقدّمة كانت شرعية وأن «التواتي» اعتمد على قائمات نُواب جرى تضخيمها لكن «التواتي» أكّد حينها أن قائمات النواب جرى اعدادها تحت اشراف المركزية النقابية التي يجب أن تتحمّل مسؤولية كل تجاوز. كان واضحا قبل مؤتمر جربة الاستثنائي وبعده أن المركزية النقابية مصرّة على حلّ مكتب النقابة العامة للتعليم العالي بالرغم من وجود بعض الأصوات داخل القيادة التي حاولت التحذير من انعكاس عواقب قرار الحل... لكن المركزية كانت مندفعة بقوة نحو ذلك القرار معتمدة على تقرير لجنة النظام الذي أقرّ بصحة التجاوزات القانونية. كانت المركزية النقابية تعتمد في قرار الحل على تقرير لجنة النظام من جهة وعلى كل القرارات الخاصة بتوحيد نقابات قطاع التعليم أي نقابة التعليم العالي ونقابة الأساتذة المحاضرين لتنهي بذلك وضعا شاذا تواصل عقودا من الزمن.. لكن القرار لم يتحقق لتصطدم برفض نقابة المحاضرين وبضغوطات اللجنة النقابية التي عوّضت نقابة «التواتي» المنحلة بضرورة عقد مؤتمر نقابة التعليم العالي وكان مؤتمر «أميلكار» الذي انعقد في شهر جوان الماضي وأفرز انتخاب «أنور بن دور» على رأس النقابة العامة. في الأثناء وجدت المركزية نفسها في مواجهة حكم قضائي يقضي بإبطال قرار حلّ النقابة وعدم قانونية اللجنة الخاصة والتي كان منسقها «الحبيب الملاخ» وبإبطال قرار عقد مؤتمر «أميلكار». داخلي لكن المركزية أكّدت أن الأمر يتعلّق بشأن داخلي يخضع لقوانين المنظمة ولم تعترف بحكم القضاء.. ووجدت وزارة الاشراف نفسها مجبرة على اتخاذ قرار التريث قبل التعامل مع أي مكتب نقابي (مكتب بن دور أو مكتب التواتي) الى حين البت نهائيا في القضية من قبل محكمة الاستئناف بعد أن كان الحكم في الطور الابتدائي لصالح نقابة «التواتي» وضدّ قرارات المركزية النقابية. أمام هذا الموقف وجدت نقابة بن دور نفسها عاجزة عن التفاوض مع الوزارة ولم تفلح كل المساعي التي بُذلت من أجل فتح باب الوزير أمامها فقد ظلّ موقف الوزارة على ثباته وهو التريث في انتظار الحكم النهائي للقضاء. في الأثناء لم تهدأ تحرّكات كل من النقابتين (نقابة بن دور ونقابة التواتي) وانتقل الصراع الى ساحات الكليات والمعاهد العليا بعد أن تمّ تغييب «التكنولوجيين» وعددهم يفوق 4 آلاف من مدرّسي المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية باعتبار أنه تمّ اخراجهم من النقابة العامة للتعليم العالي مع الوعد بتمكينهم من بعث هيكل نقابي خاص بهم. تصعيد أدركت نقابة «بن دور» أمام اصرار الوزارة على موقفها أن ليس أمامها الا باب التصعيد ومحاولة ليّ ذراع الوزارة وجعلها أمام الأمر الواقع.. لكن الوزارة نجحت في إرباك المعادلة من جديد وبرهنت على أن موقفها يعتمد أساسا على الحوار مع النقابات وتولّت استقبال نقابة المحاضرين وأساتذة التعليم العالي واتفقت على مجموعة من النقاط بما في ذلك بعض النقاط التي لها انعكاس مالي. جلسة نقابة المحاضرين مع وزارة التعليم العالي أغضبت المركزية النقابية التي ردّت بدعوة مكتب النقابة من قبل قسم النظام الداخلي وهو ردّ كان محلّ انتقادات من الكثير من النقابيين. ولم يكن خافيا أن المركزية النقابية سعت بكل ثقلها الى الضغط على الوزارة من أجل اعترافها بمكتب نقابة «بن دور» ذلك الضغط تجلّى في دعوة الهياكل النقابية الى مؤازرة نقابة «بن دور» في التجمّع الذي كانت قد دعت له أمام مقر الوزارة ولكن الأمر بقي على حاله الى أن كان اضراب ديسمبر الذي اعتبره «التواتي» اضراب المركزية وليس اضراب القطاع وأنه يأتي لغايات لا تهمّ المهنة بل لفرض الاعتراف بنقابة «بن دور». هل فعلا حقّقت نقابة «بن دور» غاياتها من الاضراب؟ ذلك هو السؤال الذي يُطرح الآن في الوقت الذي تبيّن عدم اجماع الأساتذة حوله وفي الوقت الذي ساهم فيه الاضراب في مزيد تقسيم القطاع. وترى المصادر الآن أن أزمة التمثيل النقابي لقطاع التعليم العالي قد تتحوّل الى أزمة «مُشخصة» وأن المركزية النقابية قد أهدرت فرصة الخروج منها وهي فرصة التوحيد التي كانت قائمة قبل مؤتمر «أميلكار» الذي أفرز نقابة «بن دور» وأن الوزارة بعد الاضراب ستبقى مصرّة على موقفها القاضي بالتريث في انتظار حكم القضاء.