أصبحت مسألة الانتصاب الفوضوي الذي اكتسح المدينة في المدة الأخيرة من المسائل الشائكة والتي تتطلب التفكير في حلول لهذه الظاهرة التي انعكست سلبا على المظهر العام للمدينة بما تحتويه من مرافق ومؤسسات. المشهد العام الذي تستيقظ عليه المدينة ويظل ساري المفعول كامل اليوم وحتى ساعات متأخرة من الليل هو فضاءات البيع الحر و«النصب» المنتشرة في كل مكان وعلى كل الألوان من خضر وغلال إلى ملابس وأحذية ولعب وكل ما يصلح للبيع والشراء. وهو مشهد يومي جعل العابر والمواطن يتصور أن كل الأيام هي بمثابة السوق الأسبوعية بسبب الحركة الكثيفة وكثرة الباعة وتعالي صياحهم في كل مكان خاصة وسط المدينة. فوضى واختناق مروري من تداعيات الانتصاب الفوضوي داخل المدينة هي الفوضى العارمة التي أصبحت عليها والتي تحولت معها الحركة المرورية الى مأساة حيث ينعدم بالكاد الدخول الى وسط المدينة أو الخروج منها بسبب سيطرة الباعة على جوانب الشوارع ووسطها في مشهد فيه اعتداء صارخ على جمالية المدينة ونظامها أولا وعلى حرية المواطن وبخاصة أصحاب السيارات الذين يدفعون مقابلا سنويا كمعلوم للجولان ويكون مصيرهم العقاب لو تخلوا عنه فما أهميته وقانونيته المرورية إذا كان الجولان يمنع عليهم بهذه الطريقة التي فيها اعتداء على مثل هذا الحق؟ الإدارات والمؤسسات تضررت مشهد الفوضى التي اكتسحت عديد الشوارع داخل المدينة وبأطرافها سبب أيضا تضررا خاصة من الناحية المعنوية للإدارات والمؤسسات التي ينتصب أمامها وقبالتها الباعة على كل لون. فيصبح الصوت المرتفع من هنا وهناك يقلق الموظفين والعمال ويفقدهم التركيز حينا وتوتر الأعصاب أحيانا أخرى وقد أعرب عدد من الموظفين والعمال بالبنوك والعيادات الطبية الخاصة وبمركز البريد وبعض المدارس الابتدائية ل«الشروق» عن استيائهم من انتشار ظاهرة الانتصاب الفوضوي الذي ينعكس سلبا على الآداء والتركيز وما زاد الطين بلّة ما «يجود» به بعض الباعة من تصرفات وعبارات قد تخرج حينا عن النص والمسألة عامة فيها اعتداء على حرمة هذه الإدارات والمؤسسات والتعجيل بتسويتها والتصدي لها بات ضرورة ملحة . وهذا الاستياء لا يمكن استثناؤه عن المحلات بأنواعها المنتصبة وسط المدينة والتي أكد أصحابها للشروق أن تجارتهم أصيبت في مقتل جراء هذا الوضع الذي تفاقم بشكل كبير وأصبح التصدي له والتخلص منه أمرا يفرض التدخل وتكاتف الجهود لمقاومته كل من موقعه. الحلول موجودة وتطبيقها ضرورة ملحة المسألة وعلى أهميتها باعتبارها صارت تمثل مشكلا يمكن إيجاد حلول لها ترضي جميع الأطراف خاصة إذا وقع وضع الاعتبار للمصلحة العامة في البال. وتتمثل الحلول أولا في تفعيل تدخل مصالح التراتيب البلدية وفرض الالتزام بأماكن الانتصاب، وثانيها التفكير في وضعية هؤلاء الباعة الذين تنفسوا الصعداء وتحرّروا من القيود وراحوا يمارسون التجارة لتجاوز البطالة التي كانت جاثمة على القلوب لسنوات ويكون ذلك باستغلال الفضاءات المهملة بالمدينة والتي يمكن تحويلها إلى مركز للتجارة الحرة ومقر للانتصاب بطريقة منظمة وتخضع لشروط وضوابط. ونذكر من بين هذه الفضاءات المهملة الفضاء المحاذي للسكة الحديدية والذي يمتد على آلاف الأمتار المربعة وظل لسنوات دون استغلال حتى تحول إلى أوكار للفساد. واقع المدينة الحالي والذي يسيطر عليه الانتصاب الفوضوي، والتأسيس لمستقبل أفضل عما قريب يفترض حتما التفكير في حلول جذرية تضع في الاعتبار مصلحة المدينة خاصة من الناحية العمرانية والمرورية والنظافة والجمالية وكذلك مصلحة الباعة الذين هم في نهاية الأمر من الشعب وما إقدامهم على هذا إلا للضرورة حتى لا يجوعوا وبين هذه المصلحة وتلك لا بد من توفر جانب كبير من التفهم والإرادة الصادقة لخير البلاد عامة والجهة خاصة.