تعيش تونس منذ 15 جانفي 2011 تحت حالة طوارئ، وسيتواصل الوضع على هذا النحوإلى حدود 31 جويلية 2012 ..تساؤلات عديدة يطرحها التونسيون حول هذه الوضعية وحول مدى جدواها في المحافظة على الأمن العام بصورة فعلية. بعد كل قرار تمديد في حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد منذ 15 جانفي 2011، تتراوح ردود الفعل لدى التونسيين . فاعلان حالة الطوارئ والتمديد فيها بشكل مستمر يعني في نظر المواطن أن الوضع العام ولا سيما الوضع الامني ما زال غير مستقر في البلاد بالشكل الكافي وأنه ما زال استثنائيا وهوما قد يصيب المواطنين بحالة من الخوف اللامتناهي رغم التحسن الملحوظ للوضع في أكثر من جهة . ويؤكد مختص في المجال وجاهة هذه المخاوف باعتبار أن البلاد مازالت فعلا إلى حد الآن في حالة استثنائية على الصعيدين السياسي والأمني . وهذا ما دفع برئيس الجمهورية المؤقت إلى اتخاذ قرار للتمديد في حالة الطوارئ مرة أخرى إلى 31 جويلية 2012 .
ويطرح آخرون تساؤلات عديدة حول مدى تطبيق مقتضيات حالة الطوارئ بشكل فعلي وصارم في تونس خاصة لما نعلم أن مئات الاحداث الخطيرة جدت بالبلاد على امتداد ال15 شهرا الماضية التي تلت الثورة وتسببت في أضرار بشرية ومادية عديدة كان بالإمكان تفاديها – في رأي الملاحظين – لوطبقت السلطة أحكام قانون الطوارئ بحذافيره.
قانون
يخضع إعلان حالة الطوارئ إلى أمر صادرعن الرئيس الأسبق بورقيبة في 26 جانفي 1978 وينص على أنه « يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أوببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وإما في حالة حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة... وتعلن حالة الطوارئ لمدة أقصاها 30 يوما بمقتضى أمر ...ولا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلا بأمر آخر».
وقد سبق أن أعلنت حالة الطوارئ لأول مرة في تونس يوم 26 جانفي 1978 بمناسبة أحداث الاضراب العام الذي أعلنه اتحاد الشغل آنذاك . ثم كانت المرة الثانية يوم 15 جانفي 2011 اثر فرار الرئيس السابق . ومنذ ذلك التاريخ ، وقع التمديد في حالة الطوارئ أكثر من مرة آخرها في موفى أفريل حيث وقع التمديد فيها إلى 31 جويلية 2012 .
صلاحيات للوالي
يعطي الإعلان عن حالة الطوارئ للوالي حسب أمر 1978 عدة صلاحيات وهي منع جولان الأشخاص والعربات ومنع كل إضراب أوصد عن العمل وتنظيم إقامة الأشخاص وتحجير إقامة كل شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية وتسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية ..
وأخرى لوزير الداخلية
كما يعطي لوزير الداخلية صلاحية وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية والغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها إضافة إلى تحجير الاجتماعات ومنع الجولان وتفتيش المحلات ليلا نهارا ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.
غير مطبق ؟
بمناسبة كل حدث خطير تشهده البلاد (على غرار أعمال الشغب والنهب والحرق وقطع الطرقات ..) عادة ما يتساءل كثير من المواطنين عن سبب حصول ذلك والحال ان البلاد تعيش تحت طائلة حالة الطوارئ التي من المفروض أن تحول دون حصول أي تهديد للأمن العام في البلاد ولاستقرارها .
ورغم ما تبذله قوات الامن والجيش من مجهودات لتأمين الامن العام في مختلف انحاء البلاد ، إلا أن الأمور تخرج عن السيطرة أحيانا، وهو ما دفع بالبعض إلى اتهام الامن والجيش بالسلبية وبالتباطؤ في التدخل وبعدم تطبيق مقتضيات حالة الطوارئ المُعلنة في البلاد.
غير أن ملاحظين وخبراء كان لهم رأي آخر، حيث ذهبوا إلى حدّ وصف أمر26 جانفي 1978 ب«القصور» عن استيعاب الأحداث بدليل أن ما حصل على امتداد الاشهر الماضية يوحي للوهلة الاولى ان البلاد ليست في حالة طوارئ نظرا لتعدد الاحداث الخطرة التي لم تقع مجابهتها بالشكل اللازم . وحسب آرائهم ، فإنه ولئن تم تطبيق هذا منذ 15 جانفي 2011 إلى الآن ، فإن ذلك كان اضطراريا بسبب عدم وجود بديل يمكن الاستناد إليه من الناحية القانونية لفرض حالة الطوارئ.
غير دستوري !
ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق (لجنة بودربالة) الصادر مؤخرا أن أمر 26 جانفي 1978 الذي وقع الاعتماد عليه لإعلان حالة الطوارئ يوم 15 جانفي 2011 وتواصل الاعتماد عليه إلى حد الآن للتمديد في هذه الحالة أولإعلانها مجددا ، هوأمر غير دستوري سابقا ( بالنظر إلى دستور 1959 ) وحاليا باعتباره لا يحترم القانون المؤقت لتنظيم السلط العمومية الذي هوبمثابة الدستور المؤقت للبلاد .
فهذا الامر نص على عقوبة جزائية سالبة للحرية ( مخالفة أحكام هذا الامر تعرض مرتكبها للعقوبة بالسجن من 6 أشهر إلى سنتين وبخطية من 60 د. إلى 2500د ) ، في حين أنه من المفترض ضبط العقوبات الجزائية السالبة للحرية بمقتضى قانون ولا يجوز بتاتا ضبطها بمقتضى أوامر . حيث ينص الفصل 6 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية على أنه تتخذ شكل « قوانين عادية « النصوص المتعلقة بضبط الجنايات والجنح والعقوبات المنطبقة عليها وكذلك المخالفات الجزائية إذا كانت مستوجبة لعقوبة سالبة للحرية، وهو التنصيص نفسه الذي ورد حرفيا في الفصل 34 من دستور 1959 .
هذا الخطأ الفادح الذي «ارتكبه» الرئيس السابق بورقيبة عندما اتخذ الامر المذكور على شاكلة نص قانوني غير دستوري جعل من تطبيق مقتضيات حالة الطوارئ الواردة به مستحيلة من الناحية القانونية. وهوما قد يكون دفع بالحكومات الثلاث التي تداولت على السلطة بعد الثورة ( الغنوشي وقائد السبسي والجبالي ) ومن ورائها وزارة الداخلية إلى تجنب التطبيق الصارم للمقتضيات الواردة في هذا الامر في الجزء المتعلق بالعقوبات خشية الوقوع في مشكل عدم دستوريته وما قد تترتب عن ذلك من مسؤوليات قانونية.
دور الجيش
أشار تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى نقص فادح آخر في أمر 26 جانفي 1978 وهوالمتعلق بعدم الاشارة إلى» أي دور للجيش الوطني أثناء تطبيق حالة الطوارئ « . فهذا التغييب القانوني لدور الجيش أثناء حالة الطوارئ قد يكون أحد الاسباب التي قلصت من تحركات القوات العسكرية لإيقاف المخالفين (لمقتضيات حالة الطوارئ ) باستعمال القوة خلال ما شهدته البلاد من أحداث . ورغم الدور البارز الذي لعبته القوات العسكرية خلال كل ما جد من أحداث بالبلاد منذ الثورة إلا أن كثيرين لاحظوا أنه اقتصر في أكثر من مرة على مرافقة قوات الامن واكتفى في أحيان اخرى بحماية الممتلكات العامة والخاصة.
توصيات لتفادي النقائص
وردت بتقرير لجنة تقصي الحقائق الصادر مؤخرا جملة من التوصيات بعد أن تبين للجنة وجود فراغ تشريعي فيما يتعلّق ببعض المسائل فضلا عن قصور النصوص الموجودة على استيعاب الوضعية الراهنة. وهذا ما يستوجب حتما ، حسب التقرير ، تدخّل المشرّع لتفادي النقص الحاصل وذلك بتنقيح بعض التشريعات التي تبيّن أنها لم تواكب التطوّر الحاصل ولم تستطع ان تكون اساسا قانونيا للأحداث التي حصلت على غرار أمر 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ وأوصت اللجنة بإصدار قانون (وليس أمرا) يوضّح حالة الطوارئ وينظّم إدارة البلاد في حالات الأزمات الكبيرة ويجب أن يتضمّن تحديدا واضحا لمجال تطبيقه الزمني وطرق تفعيله والاطراف المكلّفة بذلك وأن يتضمن بوضوح دور كل طرف يمكن أن يتدخل أثناء الحالة المذكورة وينص بصراحة على دور الجيش الوطني ويحدّد مجالات تدخّله بدقّة.
واقتضى التقرير أيضا أن يحدّد هذا القانون عقوبات صارمة لكلّ مخالفة خاصة عندما يتعلق الأمر بمخالفة من شأنها الضرر بالاقتصاد الوطني مثل الاعتصامات والاضرابات غير الشرعية وأن يتضمّن تحديدا واضحا لمختلف مراحل حالة الطوارئ والاطراف المتداخلة في كل مرحلة منها وأن يتضمّن تمييزا واضحا بين أطراف وآليات التدخل حسب طبيعة الطوارئ (أزمة سياسية، أزمة اجتماعية، كوارث طبيعية..).