رغم أهمية قطاع تربية الماشية بجهة جندوبة بفضل ما يوفره من إنتاج هام للحليب والأجبان واللحوم إلا أنه ما انفك يشهد هزات ارتدادية أثرت في الانتاج والانتاجية وزادت من مشاغل المربين، فما هي أسباب ذلك؟ تعزز قطاع تربية الماشية في السنوات الأخيرة بتربية الماشية العصرية فوقع التخلي التدريجي عن تربية الأبقار «العربي» والتي لا تتطلب كلفة تربيتها الكثير من المال والجهد ووقع التوجه نحو تربية عصرية للأبقار المؤصلة والتي تتطلب تربيتها مصاريف هامة وتغذية خاصة وظروفا مناخية معينة وبقدر ما ساهمت هذه التربية العصرية في تطوير الإنتاج من خلال ما تجود به من حليب يفوق أربعة أضعاف ما كانت تجود به الأبقار التقليدية وكذلك اللحوم بقدر ما ظهرت صعوبات أمام المربي تتمثل خاصة فيما تتطلبه الأبقار المؤصلة من تغذية ومراقبة صحية وهو ما أقلق المربي وجعله يعجز في بعض الأحيان فيرمي المنديل مكرها لا بطل.
من المعضلات التي برزت للعيان هذه الأيام والتي تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة هي صعوبة توفير ما تتطلبه الأبقار من مياه للشرب ذلك أن البقرة الواحدة يصل استهلاكها اليومي من الماء قرابة 50 لترا وهي كمية مرتفعة جدا ومكلفة في نفس الوقت إذا وقع استعمال مياه الحنفيات والتي يعتمدها نصف المربين أما باقي المربين فإنهم يتكبدون مشقة البحث عن المياه لشرب حيواناتهم من خلال تنقلهم اليومي وبمعدل مرتين صباحا ومساء نحو الوديان : مجردة ملاق تاسة الرغاي وادي غريب البربر... في رحلة تصل عدة كيلومترات وتتطلب الجهد الجهيد. وقد أكد المربي عمر المناعي (جندوبة الشمالية) أنه يتكبد مشقة ما يقارب 10 كيلومترات لترتوي أبقاره السبع المؤصلة من مياه نهر مجردة وتأتي هذه المشقة في ظل تواضع منسوب مياه الحنفيات العمومية خلال هذا الصيف وانقطاعه لأيام إضافة لكلفته المرتفعة خاصة وأبقاره تتطلب يوميا ما يناهز 400 لتر وختم بأن مجاري الوديان تشهد توافدا كبيرا من طرف المربين من أجل سقي حيواناتهم ولا عزاء لهم أمام مشقة السفر والبحث عن الماء سوى الصبر. وشاطره الرأي الفلاح على المعروفي (جندوبة الجنوبية) حين أكد أن تربية الأبقار المؤصلة صارت حملا ثقيلا يرهق المربي الذي يظل على مدار السنة يجتهد ويجتهد من أجل بقاء حيواناته وتزداد المعاناة صيفا خاصة أمام شح الماء الذي يمثل معضلة للإنسان والحيوان والنبات.
مسألة أخرى تقف حجر عثرة في وجه نشاط تربية الماشية وتتمثل في ارتفاع تكلفة الأعلاف وهذا يعود حسب عدد من الفلاحين إلى تراجع زراعة الأعلاف السقوية بالجهة على نحو: الفصة القصيبة السرقو... وهي من الأعلاف التي عادة ما تخفف على المربي عبء مصاريف اقتناء الأعلاف المركزة وتراجع هذه الزراعات يعود الى ارتفاع كلفة مياه الري وحاجتها المتزايدة لكميات كبيرة من المياه هذا إضافة الى تهرب الفلاح من هذه الزراعة الحساسة صيفا والتي تتأثر بالروزنامة المعتمدة في الري والقطع المتواصل للمياه بما يجعلها عرضة للموت. كما تأثرت الأعلاف بتراجع كميات العلف المتأتية من اللفت السكري والتي كانت ملجأ المربي وكلفتها أقل بكثير من كلفة الأعلاف المركزة ويعود ذلك إلى تخلي الجهة عن زراعة اللفت السكري وهو ما أضر بالأعلاف.
وأهمية العلف المركز بأنواعه وبمختلف مصادره تكمن في كون هذه الأبقار تتغذى عليها بنسبة كبيرة ليتواصل وجودها أولا وتدر كميات كبيرة من الحليب لذلك تحتاج الأبقار المؤصلة الى كميات كبيرة من هذه الأعلاف كغذاء أساسي دون سواه. هذا إضافة الى الكميات الكبيرة اليومية من العلف الطبيعي (الشعير الفول النخالة) وهي جميعها مكلفة جدا. هذه العوامل مجتمعة شكلت عائقا في وجه تربية الأبقار وخلقت للمربي صعوبات جديدة تنضاف الى تواضع أسعار الحليب ومشكل سرقات الماشية وهو ما يتطلب في جميع الحالات سياسة جديدة وخطة عاجلة لتخليص القطاع من هذه العراقيل ليبقى قطاعا رائدا وطموح تطويره يصبح ضرورة ممكنة بما يشجع الفلاح على الإقدام على النشاط بكل أريحية.