يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    جماهير الترجي : فرحتنا لن تكتمل إلاّ بهزم الأهلي ورفع اللقب    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    وزارة السياحة أعطت إشارة انطلاق اعداد دراسة استراتيجية لتأهيل المحطة السياحية المندمجة بمرسى القنطاوي -بلحسين-    وزير الخارجية يواصل سلسلة لقاءاته مع مسؤولين بالكامرون    عمار يدعو في ختام اشغال اللجنة المشتركة التونسية الكاميرونية الى اهمية متابعة مخرجات هذه الدورة وتفعيل القرارات المنبثقة عنها    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الاستعمال المفرط وغير السليم للذكاء الاصطناعي    سجنان: للمطالبة بتسوية وضعية النواب خارج الاتفاقية ... نقابة الأساسي تحتجّ وتهدّد بمقاطعة الامتحانات والعمل    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الرابطة 2: نتائج الدفعة الأولى من مباريات الجولة 20    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    إمضاء اتفاقية توأمة في مجال التراث بين تونس وإيطاليا    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    توزر: الندوة الفكرية آليات حماية التراث من خلال النصوص والمواثيق الدولية تخلص الى وجود فراغ تشريعي وضرورة مراجعة مجلة حماية التراث    تعاون مشترك مع بريطانيا    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    تامر حسني يعتذر من فنانة    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    الرابطة الثانية : نتائج الدفعة الأولى لمباريات الجولة السابعة إياب    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    صادم/ العثور على جثة كهل متحللة باحدى الضيعات الفلاحية..وهذه التفاصيل..    عاجل/ عالم الزلازل الهولندي يحذر من نشاط زلزالي خلال يومين القادمين..    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    خط تمويل ب10 مليون دينار من البنك التونسي للتضامن لديوان الأعلاف    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجدل بقي قائما : استقلالية القضاء العسكري في الميزان
نشر في الشروق يوم 17 - 09 - 2012

لم يكن القضاء العسكري بمنأى عن موجة الاتهامات وحملات التشكيك التي تعرض لها القضاء العدلي إبان الثورة إلى اليوم. وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن استقلال القضاء العسكري ومدى توفر معايير المحاكمة العادلة أمامه وبين مثمن للاصلاحات التي شهدها القضاء العسكري ومشكك فيها يبقى الجدل قائما.
«الشروق» فتحت ملف القضاء العسكري وطرحت الموضوع على أهل الاختصاص في التحقيق التالي :
على اثر المحاكمات التي تعهد بها في قضايا شهداء وجرحى الثورة بقي القضاء العسكري محل انتقاد وبكونه قضاء استثنائي الأمر الذي عارضه وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري العميد مروان بوقرة الذي اعتبر ان القضاء العسكري مستقل وقطع مع العهد البائد.

حملة ظالمة ضد القضاء العسكري

أوضح العميد مروان بوقرة وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري بخصوص احتراز عدد من الحقوقيين والمحامين عن استقلال القضاء العسكري أنه راجع الى فكرة مغلوطة يحملها هؤلاء الأشخاص عن هذا الجهاز القضائي وعدم مواكبتهم للاصلاحات الجذرية التي شهدها بعد الثورة بموجب المرسومين عدد 69 و 70 المؤرخين في 29 جويلية 2011 والمتعلقين بتنقيح واتمام مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وضبط النظام الأساسي الخاص بالقضاء العسكريين كما أن عددا من المحامين الذين ينوبون في قضايا شهداء وجرحى الثورة اندفعوا نحو رمي التهم والانتقادات جزافا للتشكيك في نزاهة هذا الجهاز القضائي وسير دواليبه رافعين ذلك الشعار «الأجوف» بأنه قضاء تعليمات يفتقد الى الاستقلالية والشفافية المفروضين في أي جهاز للعدالة بقطع النظر عن اختصاصه في محاولة منهم للتأثير على استقلاليته وتوجيه الأحكام لصالح منوبيهم وأضاف العميد بوقرة أن القضاء العسكري لا ينحاز لأي طرف وأصدر أحكامه بكل حيادية واستقلالية بعيدا عن أي ضغط خاصة ضغط الشارع مؤكدا ان الأحكام الصادرة في عديد الملفات استندت الى القانون وضمير القاضي وماهو أصل ثابت في الملف.

وفي نفس السياق واصل العميد بوقرة حديثه عن مسألة استقلال القضاء معتبرا ان تكريس الاستقلال لا يكمن فحسب في إصدار نصّ قانوني بل هو تربية وممارسة وإيمان بالمسؤولية وبأن القاضي سيسأل أمام الله قبل أن يسأله غيره وهنا استحضر الحديث الشريف : «من ولّي القضاء فكأنما ذبح بغير سكين».

وقال إن موضوع استقلال القضاء من المواضيع الشائكة التي تتطلب تحديد مفهومها بكل دقة إذ يقصد باستقلال القضاء أن يكون القاضي محصّنا من جميع الضغوطات المادية والمعنوية التي من شأنها التأثير عليه وعلى أحكامه وأن لا تخضع هذه الأخيرة إلا لسلطان القانون ولضميره لذلك فإن أعرق الديمقراطيات سنت نصوصا تكرس آليات قانونية لحماية هذه الاستقلالية وفي هذا السياق صرح العميد بوقرة ان وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري لأول مرة في تاريخ القضاء العسكري على إقرار نظام أساسي خاص بالقضاة العسكريين وإحاطتهم بآليات تكفل إستقلالهم الوظيفي حتى يتمكنوا من آداء رسالتهم على الوجه الأكمل من ذلك ما نص عليه في فصله الخامس على أن «القضاة العسكريين مستقلون في تأدية وظائفهم عن السلطة العسكرية ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون».

وقال العميد بوقرة إنه من الناحية الواقعية والاجرائية تتمثل أهم نقاط استقلال القضاء العسكري في إلغاء آليات تدخل السلطة التنفيذية في العمل القضائي من خلال إلغاء آلية الأمر بالتتبع الذي كان يصدر عن وزير الدفاع الوطني والذي كان اجراء ضروريا لمباشرة إجراءات الدعوى العمومية وانطلاق أعمال التتبع حتى أن خلق الملف القضائي من الأمر بالتتبع كان يعد احدى المبطلات الاجرائية التي لا يمكن تداركها كما تجسم ذلك في إلغاء سلطة إيقاف تنفيذ العقاب البدني التي كانت مخولة أيضا لوزير الدفاع حتى بعد الشروع في التنفيذ بإنقضاء ثلاثة أشهر من صيرورة الحكم العسكري باتا، وبذلك استرجعت النيابة العسكرية كامل صلاحياتها في مختلف مراحل الدعوى الجزائية وأصبحت سيدة نفسها لا سلطان عليها إلا الضمير والقانون.

ويعد هذا الاصلاح جوهريا وهاما إذ ألغى جميع صلاحيات وزير الدفاع وكذلك القادة العسكريون في مجال القضاء العسكري وكل وصاية عليه.
ويعدّ إحداث مجلس للقضاء العسكري من مظاهر الاستقلال إذ ينظر في كل ما يتعلق بالقضاة العسكريين من ترقية ونقل وتأديب ومطالب الاستقالة ورفع الحصانة موضحا في هذه النقطة ان مسألة رأس وزير الدفاع الوطني للمجلس لم تكرس في الواقع إذ أناب وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري لترأس المجلس وان مجلس القضاء العسكري ليس له صلاحيات لتدارس القضايا المنشورة أمام المحاكم العسكرية.

القضاء العسكري
هل سيظل قضاء استثنائيا؟

لا يمكن بعد الثورة نعت القضاء العسكري بالقضاء الاستثنائي أو القضاء الموازي هذا ما أكده العميد مروان بوقرة موضحا أن القضاء الاستثنائي لا يحترم الاجراءات العادية للدعوى الجزائية ويتضمن قواعد مختلفة كما هو موجود بمحاكم الحق العام وعادة ما تكون إجراءاته مقتضية ولا تكفل معايير المحاكمة العادلة ويكون موجها لتصفية الخصوم السياسيين أو غيرهم من المعارضين للنظام القائم وهي جميعها صفات لا تتوفر بالقضاء العسكري إن تعتبر المحاكم العسكرية اليوم محاكم متخصصة وليست محاكم استثنائية ذلك ان القضاء العسكري قضاء منخرط تمام الانخراط في المنظومة القضائية الجزائية من خلال علنية الجلسات واحترام مبدأ المواجهة وضمان حق الدفاع وتمكين المحامين من الوقت الكافي للاطلاع على الملفات وباعداد وسائل الدفاع وخاصة التقاضي على درجتين فضلا عن كفالة بقية الحقوق الأخرى التي تضمنها مجلة الاجراءات الجزائية إضافة إلى أن رئاستها زمن السلم تعود لقضاة من السلك العدلي.

مع وجود عدد لا بأس به من القضاة العدليين الذين يعملون جنبا الى جنب مع القضاة العسكريين والذي سيبلغ عددهم هذه السنة حوالي 25 قاضيا عدليا. وبخصوص المحاكمة العادلة أجاب العميد بوقرة ان القضاء العسكري اليوم قادر على ضمانها من خلال الاصلاحات الجوهرية التي أدخلت عليه والمتمثلة أساسا في :
اقرار مبدأ التقاضي على درجتين :
إذ أقرت مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية منذ صدورها سنة 1957 التقاضي على درجة واحدة خلافا لما هو معمول به بالقضاء العدلي وهو ما يعني أن الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لم تكن قابلة للاستئناف ولا يمكن الطعن فيها إلا بالتعقيب وهو خيال تشريعي كان مبناه تحقيق السرعة والردع داخل القوات المسلحة وتبعا للتوجه الدولي نحو مزيد تدعيم الضمانات وتكريس حقوق الانسان وصون كرامة الفرد بإعتماد معايير المحاكمة العادلة وخاصة مبدأ التقاضي على درجتين، تمّ إقرار هذا المبدأ أمام المحاكم العسكرية وذلك بإحداث محكمة استئناف عسكرية مركزية مقرها العاصمة وأسندت رئاستها الى قاضي من السلك العدلي، وهي تنظر في جميع الطعون بالاستئناف المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية العسكرية الدائمة، فالدرجة الثانية للتقاضي إمكانية هامة خوّلها المشرّع لأطراف الدعوى الجزائية لتلافي ما يمكن أن يشوب الأحكام الابتدائية من خرق للقانون أو خطإ في تطبيقه.
إقرار إمكانية القيام بالحقّ الشخصي

ويقصد به تمكين من لحق ضرر مباشر عن فعل إجرائي من المطالبة بالتفويض عمّا لحقه من ضرر سواء كان ماديا أو معنويا إضافة الى مصاريف التقاضي وذلك بغية الحصول على التعويضات في أقرب الآجال وبصفة متزامنة مع سير الدعوى العمومية ودون انتظار رفع قضية في الغرض أمام القاضي المدني. وهو ما سيمكن المتقاضي من توفير الوقت والجهد في الحصول على التعويضات المستحقة بعد أن كان على المتضرّر انتظار صدور حكم جزائي بات من المحكمة العسكرية ثم استخراج نسخة منه ورفع قضية مدنية لدى المحكمة الابتدائية التي بدائرتها مقر المطلوب. وأوضح أن الفصل 7 قديم من المجلة العسكرية يحجّر القيام بالحق الشخصي حماية لحق الحفظ المخول ضمنيا لوزير الدفاع الوطني من خلال صيغة الفصل 21 قديم من المجلة العسكرية وهو الأمر الذي انعدم حاليا.
إقرار إمكانية القيام على المسؤولية الخاصة أمام المحاكم العسكرية

وذلك لتمكين المتضرر الذي تمّ حفظ شكايته من قبل النيابة العسكرية من إثارة الدعوى العمومية من جديد على مسؤوليته الخاصة أمام قاضي التحقيق أو المجلس الحكمي، وذلك تماشيا مع ما هو مقرّر بمجلة الإجراءات الجزائية، فالقيام بالحق الشخصي هو بمثابة الطعن في قرار الحفظ الذي يصدره وكيل الجمهورية لسبب واقعي كانتفاء الحجة أوعدم كفايتها. وبذلك أصبح للمتقاضي زاعم المضرة مكانة حقيقية صلب الاجراءات الجزائية العسكرية من خلال امكانيتي طلب التعويض وإثارة التتبع بصفة منفصلة ومستقلة عن النيابة العمومية العسكرية.
توسيع مجال الطعن بالاستئناف في قرارات قاضي التحقيق العسكري

وذلك أمام دائرة الاتهام بعد أن كان الأمر مقتصرا على قرارين فقط وهما قرار الحفظ بالنسبة الى النيابة وقرار الإحالة على الدائرة بالنسبة الى المتهم. وفي ذلك تكريس للرقابة القضائية على جميع قرارات قاضي التحقيق العسكري.
مراجعة آجال الطعن في الأحكام العسكرية

وذلك بتوحيدها مع تلك المعتمدة أمام محاكم الحق العام 10 أيام لاستئناف الحكم أو الطعن فيه بالتعقيب عوضا عن الآجال القصيرة المعتمدة سابقا وهي 3 أيام.
إلغاء إمكانية مشاركة أفراد من غير القضاة العسكريين في تركيبة المحاكم العسكرية
وفي ذلك تكريس لمهنية جهاز القضاء العسكري وتوفير ضمانة هامة للمتقاضين من خلال عدم النظر في قضاياهم والبتّ فيها إلا من طرف قضاة صناعيين.
وأشار العميد مروان بوقرّة الى أنه تمّ الاعتماد على عدة قوانين على غرار القانون السويسري والايطالي وتمّ اعتماد مبادئ الخبير الأممي «ريمانيوال ديسكو» المقرّر الخاص للجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الانسان الذي وضع عددا من المبادئ بشأن إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية.

لكن ولئن أكد وكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري العميد مروان بوقرّة أن منظومة القضاء العسكري قد شهدت تغييرا جذريا بعد الثورة رأى فيه مساهمة في جعل المنظومة مواكبة للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فإن الأمر كان مختلفا بالنسبة الى رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء القاضي أحمد الرحموني وكذلك المحامي محمد الهادي العبيدي وهو أحد محاميي عائلات الشهداء والجرحى اللّذان تشبّثا بكون القضاء العسكري سيظلّ قضاء استثنائيا.
القضاء العسكري هو سلطة تنفيذية

يظلّ القضاء العسكري في مختلف النظم القانونية في العالم قضاء استثنائيا وذلك لانعدام الضمانات القانونية للمحاكمة العادلة خاصة في النزاعات التي يكون أحد أطرافها موظّفا أو ضابطا فضلا عن الارتباط الهيكلي والوظيفي بوزارة الدفاع والسلطة التنفيذية ككل. كان هذا رأي الأستاذ محمد الهادي العبيدي، وأضاف «لا نتصوّر أن النيابة العسكرية أو مجلس القضاء العسكري في استقلال تام عن هياكل وزارة الدفاع والسلطة التنفيذية فالقضاء العسكري في مختلف مراحل تاريخ تونس تمّ استعماله من طرف بورقيبة لتصفية اليوسفيين والخصوم السياسيين ونفس الأمر كان مع بن علي من خلال إحداث محكمة «أمن الدولة»».

وقال إن القضاة العسكريين مجرد موظفين يطبّقون التعليمات لارتباطهم بالسلطة التنفيذية إداريا. والأمثلة على ذلك موجودة على غرار محاكمة الأزهر الشرايطي ورفاقه سنة 1962 بتهمة الانقلاب على حكم بورقيبة، ومحاكمة ما يعرف بمجموعة برّاكة الساحل سنة 1991 وهي محاكمات لم تراع فيها أبسط حقوق المتهم في الدفاع عن نفسه سلّطت فيها أحكام قاسية ستظلّ مرجعا في الحكم على طبيعة واستقلالية القضاء العسكري.

أين المعايير الدولية ؟

تساءل الأستاذ العبيدي عن مدى استقلالية القضاء العسكري في ظلّ غياب المعايير الدولية وقال إن الاستقلالي
لا تتمّ إلا بتطبيقها من خلال فكّ الارتباط مع السلطة التنفيذية لكافة الاطار من نيابة عسكرية وقضاة مجالس. أما القول بأن القضاء العسكري غير خاضع لأي ضغوطات فهو أمر مردود عليه، حسب الأستاذ العبيدي، من خلال قضايا شهداء وجرحى الثورة. وأضاف «لو ألقينا نظرة على الأحكام التحضيرية التي لم يستجب إليها لتأكدنا أن القضاء العسكري مازال يتحسّس الاستقلالي ولم يبلغها بعد ولعل الطلبات المتزايدة للمحامين نائبي الورثة بالكشف عن المتهمين الذين تستّرت عليهم وزارة الداخلية من خلال رفضها توفير أدلة الإدانة مثل دفاتر الذخيرة كرفض تنفيذ بطاقات الجلب يجيز القول بتخلي القضاء العسكري عن تلك الملفات لفائدة القضاء العدلي وحتى لو كان التعهد تمّ استنادا الى القانون عدد 70 لسنة 1982.

وأوضح الأستاذ العبيدي أن معايير المحاكمة العادلة لا تنحصر في حق الدفاع بواسطة محامي في جلسة علنية وإنما هي مرتبطة أساسا بالمنظومة الجزائية السارية في تونس والتي في أغلبها مضيقة على الحرية بل تجيز انتهاك الحرمة الجسدية على حدّ تعبيره.

واستدل في ذلك بما أثبتته الاختبارات الطبية ان المتهمين في قضية براكة الساحل تعرّضوا الى تعذيب بالمفهوم القانوني الوارد بما يعرف بنظام روما لسنة 1998 وقد بلغ السقوط الحاصل لاحد المساجين 55٪.

واثر ثورة 14 جانفي تقدّم مجموعة من المحامين بشكاوى للنيابة العمومية العسكرية في تتبّع رموز النظام السابق من أجل التعذيب، إلا أن الاحالة مثّلت صدمة للدفاع والمتضررين حيث اعتبرت النيابة أن ما تعرّضت اليه المجموعة المذكورة من قبيل العنف الصادر عن موظّف طبق احكام الفصل 101 من المجلة الجزائية مما يعمّق الرأي القائل بأن القضاء العسكري غير مستقل رغم احداثه لآلية التقاضي على درجتين.

القضاء العسكري لا يمكن أن يكون قضاء حق عام

أكّد من جانبه القاضي أحمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء ان القضاء العسكري لا يمكن أن يكون قضاء حق عام بل هو قضاء استثنائي ويطبّق أحكاما استثنائية.

وقال ان المحاكمة العادلة لا تتوفّر مقوّماتها في القضاء العدلي فما بالك في القضاء العسكري، مؤكدا أن اصلاح المحكمة العسكرية مرتبط باصلاح المؤسسة العسكرية ويجب فتح الجدل والنقاش في هذه المسألة. وطالب بضرورة مراجعة القانون المؤرّخ في 31 ماي 67 المتعلّق بضبط القانون الاساسي العام للعسكريين والمرسوم المؤرّخ في 29 جويلية 2011 وذلك بعد فتح حوار وطني حول نجاعة القضاء العسكري ومدى استقلاليته ومطابقته للمحاكمة العادلة. وأوضح القاضي الرحموني ان التحويرات الصادرة هي ضمانات منقوصة بل انها تقلّ عن القضاء العدلي مما يجعل المحكمة العسكرية كبقية المحاكم خاضعة للنقد والمراجعة دون التشكيك في المؤسسة العسكرية مطلقا أو في نزاهة القضاة العسكريين.

المجلس الوطني التأسيسي هو المسؤول

حمّل القاضي أحمد الرحموني المسؤولية في مسألة القضاء العسكري للمجلس الوطني التأسيسي، إذ لم تتضمّن مسودّة الدستور القضاء العسكري وكان من الأجدر فتح الجدل وإيلاؤه الأهمية اللازمة نظرا لما يواجهه اليوم من ضغوطات واحتجاجات نظرا لاهمية القضايا المنشورة لديه.
النيابة العسكرية في قفص الاتهام

انتقد الاستاذ الهادي العبيدي جهاز النيابة العمومية العسكرية بشدّة وقال انها تظلّ مرتبطة اداريا بوزارة الدفاع إذ لم نسمع أنها أثارت دعاوى من تلقاء نفسها تعبيرا عن فك الارتباط بوزير الدفاع مستدلا في ذلك بقضية أيوب المسعودي المستشار السابق لرئاسة الجمهورية إذ لم يتم التتبّع الا بناء على شكاية رفعها الجنرال رشيد عمار رغم إلغاء الأمر بالتتبع الذي يصدر عن وزير الدفاع لانطلاق أعمال التتبع.
أين الحقيقة؟

من بين الاتهامات التي يواجهها القضاء العسكري هي عجزه عن كشف الحقيقة وبقي السؤال القائم «شكون قتلهم؟» مثلما تساءل القائمون بالحق الشخصي.
ووصلت الاتهامات الى اعتبار المحاكمات مجرّد مسرحية وان الاحكام الصادرة لم تكن في المستوى المأمول.

في هذا الاطار صرّح العميد مروان بوقرّة أنه لا يمكن الحديث عن «عجز» المحاكمات العسكرية عن كشف حقيقة ما حدث أثناء الثورة وبعدها، وإنما هناك صعوبات واجهها القضاء العسكري في فصل القضايا ذلك أن المحاكم العسكرية كانت قد تعهدت بها اثر اربعة أشهر من الوقائع عملا بأحكام الفصل 22 من القانون عدد 70 لسنة 1982 المؤرّخ في 6 أوت 1982 والمتعلّق بضبط القانون الاساسي العام لقوّات الأمن الداخلي وبموجب قرار في التخلي من دائرة الاتهام.

وقال إنه «في الوقت الذي يمرّ هناك الحقيقة التي تفرّ»، ورغم ذلك سعت المحاكم العسكرية الى الوصول الى الحقيقة بكل السبل والآليات القانونية رغم العراقيل التي اعترضتها. وكانت أبرزها اهدار وقت ثمين كان يمكن استغلاله لجمع الأدلّة والقرائن في الإبان وكل مختص في العلوم الجنائية وعلوم الاجرام يعلم ان الباحث الجزائي عادةما يواجه صعوبات عند مباشرة الأبحاث والاستقراءات في قضايا التجمهر خاصة في اثبات ركن الاسناد إذ كيف السبيل الى تحديد من أطلق النار عندما يصطف 100 شخص ويطلقون النار في نفس الوقت وينتج عن ذلك اصابة شخص أو أكثر بأعيرة من نفس العيار إذا لم يتم التوجه على عين المكان وحجز الاسلحة والذخيرة قبل تفكيكها ومعاينة الظروف ومكان تواجدها فور حصول الواقعة للتمكن من تصويرمسرح الجريمة بصورة أكثر قربا للواقع ودراسة زوايا الاطلاق للنظر في امكانية التعرّف عمن أطلق النار، إذ أن المسؤولية في القانون الجزائي تبقى شخصية ولا يمكن أن تكون جماعية، لذلك كلّما توفّرت معطيات موضوعية مكنت من التعرّف على الجاني فقد يتم تتبعه وفيما عدا ذلك من الحالات فقد تم حفظ القضية مؤقتا الى حين ظهور أدلّة جديدة قد تؤدّي الى معرفة الجناة.

وأضاف العميد بوقرّة أنه منذ مباشرة الابحاث التي تطلبت اخراج بعض الجثث واجراء اختبارات الطب الشرعي والباليستيك انتهى في وقت قياسي (3 أشهر ونصف) الى إحالة الملف الى دائرة الاتهام ثم نظرت فيها محكمة التعقيب وتعهّدت بها المحاكم العسكرية بداية من شهر ديسمبر 2011.

ومن جهة أخرى فسّر العميد بوقرّة أن علم الاحصاء الجنائي «La criminalistique» قد أثبت ان عدد الجرائم المرتكبة والجناة الذين تم التوصّل الى معرفتهم وتتبعهم واصدار أحكام ضدّهم ليس متطابقا ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبلغ 100٪ بل ان الرقم أقل من ذلك بكثير ولا يمكن حصره بدقة هو ما يعبّر عنه بالرقم الاسود للجريمة «Le chiffre noir du crime» والمتمثل خاصةفي الفرق بين الاجرام الظاهر والاجرام الحقيقي وهو ما ينتهي الى الاقرار بأن الحل القضائي ليس هو الحل الوحيد لمجابهة الظواهر الاجرامية إذ يتطلّب الأمر سرعة الاعلام عن الجرائم وسرعة تحرك الباحث قصد وضع اليد على جميع الادلة.فالبحث والتحقيق الجنائي هو صراع بين جبهتين أي الباحث الذي يسعى الى اكتشاف الدليل والحقيقة والجاني الذي يجدّ في طمس معالم جريمته.

وتناول العميد بوقرة بالذكر وقائع قضايا شهداء الثورة وجرحاها خاصة التي جدت أيام 6 و7 و8 و9 جانفي 2011 بمدن سيدي بوزيد وتالة والقصرين اي زمن تواجد الرئيس المخلوع في أعلى هرم السلطة لم يتم تبعا لذلك اتخاذ اي اجراء تتبع ضد مرتكبي أعمال القتل وهو ما كرّس القناعة بعدم المحاسبة عند أعوان الامن.
رأي مخالف في مسألة العجز عن كشف الحقيقة أبداه الاستاذ العبيدي اذ قال إن الابحاث انطلقت بصفة متأخرة جدا بما يتعذر معه اثبات ركن الاسناد والحال ان الاختبارات أثبتت ان الاصابات تمت بأعيرة نارية أسندت لغير الوحدات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية وهو العيار «7.62» لكن الحقيقة بقيت مفقودة.
نحو ارادة الاصلاح


تعهد القضاء العسكري بعدد هام من القضايا التي جدت وقائعها بعد 14 جانفي 2011 وحصلت معظمها أثناء فترة حظر الجولان وقد شملت أعوان أمن وعسكريين أثناء الخدمة وقد تم فصل عدد كبير منها والجزء المتبقي مازال منشورا لدى قضاة التحقيق العسكريين في طور البحث.

وقد بلغ عدد القضايا التي شملت عسكريين متهمين بإطلاق النار بعد اعلان حالة الطوارئ 40 قضية. وبذلك فقد تعهد القضاء العسكري بكل واقعة قتل او محاولة ذلك في اطار الحفاظ على حقوق كافة الاطراف وتحقيق العدل. هذا وفق ما صرّح به العميد بوقرة.

وأضاف في نفس السياق أن وكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري حرصت على تكوين القضاة وذلك بتنظيم أيام دراسية بالمدرسة الحربية العليا تناولت عدة مواضيع على غرار «تدعيم ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحاكم العسكرية» و«بعض اشكاليات القيام بالحق الشخصي أمام القضاء العسكري» لما فيه من اشكاليات على مستوى الاجراءات المتعلقة بحضور المكلف العام بنزاعات الدولة ويوم دراسي آخر حول «الاشكاليات التي قد تثيرها قضايا شهداء الثورة»، وتم خلاله تبيان شروط استعمال السلاح والتدرج في استعمال القوة لتفريق المظاهرات وتبيان مسؤولية الدولة في ما حدث. الى جانب عدة دورات وتربصات للإلمام بمنظومة القضاء العسكري خاصة في ما تعلق باستعمال السلاح اذ من المفروض ان يكون القاضي المتعهد بالقضية على علم ودراية بالعلوم المتصلة بالاسلحة والذخيرة والتسلح بالمعارف الحديثة والجوانب التي يطرحها الطب الشرعي في سبيل اماطة اللثام عن ظروف الواقعة وحتى لا يفلت مجرم من العقاب ولا يعاقب بريء دون إثم جناه. ويجب ان يكون القضاة متمكنين من علم البالستيك وعلم الآثار الجسدية للاصابات بالعيارات النارية لما له دور من كشف الحقيقة.
أي دور للقضاء العسكري في مسار العدالة الانتقالية؟

لا يمكن ان ننتقل الى البناء الديمقراطي دون محاسبة منتهكي حقوق الانسان في العهد السابق، وليست العدالة الانتقالية بالضرورة نوعا «خاصا» من العدالة وانما هي مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال مرورا الى المحاسبة ثم التعويض.

وبتناولنا لموضوع القضاء العسكري بحثت «الشروق» في مدى مساهمة القضاء العسكري في ارساء العدالة الانتقالية أجاب العميد مروان بوقرّة ان القضاء العسكري ساهم بشكل مباشر في مختلف آليات العدالة الانتقالية من خلال ضمان الحق في المحاسبة عبر محاكمة المسؤولين عن أعمال القمع التي جدت أثناء الثورة وقد شملت المحاكمات عديد القيادات السياسية والامنية وهو ما يدخل في اطار ضمان عدم الافلات من العقاب كما تنادي بذلك المواثيق الدولية. وقد شهدت منظمة «هيومن رايتس واتش» في تقريرها حول محاكمة بن علي بأن المحاكمة في قضايا الشهداء ستسمح بالتأسيس لثقافة المساءلة وتكريس آلية المحاسبة.
وأضاف ان القضاء العسكري كرّس ايضا الحق في التعويض عن الاضرار البدنية والمعنوية.

واستدل العميد بوقرة بقضية «برّاكة الساحل» التي اعتبرها أبرز مثال في تكريس العدالة الانتقالية موضحا ان الفصل في القضية قد استغرق وقتا طويلا لان المحكمة حرصت على توفير جميع ضمانات المحاكمة العادلة ومنها تمكين المتضررين من الكشف عن المظالم والانتهاكات التي تعرضوا لها. مشيرا الى ان القضية اثارت جدلا كبيرا على مستوى سقوط حق التتبع لكن المحكمة اجتهدت في تكريس الحق في المحاسبة وحرصت على أن يكون حكمها بعيدا عن الانتقام والتشفي.

وتطرق العميد بوقرة الى ما أشادت به عديد المنظمات الحقوقية الدولية من بينها منظمة العفو الدولية ومنظمة «هيومن رايتس واتش» بالنقلة النوعية التي حققها القضاء العسكري في تونس وبالمجهود المبذول من طرف ادارة القضاء العسكري.

وقال العميد بوقرة ان ما يتعرض له القضاء العسكري من حملات تشكيك لا يدخل الا في اطار تبني الفوضى. ورأى ان التشريع الحالي في حاجة الى مزيد المراجعة تبعا لتطور المجتمع نفسه ونفس الامر ينطبق على المجلة العسكرية الحالية التي تتطلب اعادة نظر لمزيد ملاءمتها مع المعايير الدولية خاصة مبدأ عدم جواز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية الا في صورة محدودة وهي المساس من طرف مدني بالجيش الوطني. مؤكدا ان المؤسسة العسكرية قطعت مع الماضي وأصبح القضاء العسكري التونسي قضاء نموذجيا. واعتبر ان تحديد مصيره سواء بالإلغاء أو بالابقاء لابد ان يأخذ بعين الاعتبار مقترحات المختصين في هذا المجال. وتساءل لماذا تجاهل المجلس الوطني التأسيسي القضاء العسكري في باب السلطة القضائية؟

اذا يبقى القضاء العسكري ورغم التنقيحات الصادرة صلب نصوصه محل جدل بين مثمن لذلك التنقيح ومشكك فيه. ونحن نأمل بدورنا ان تكون العلوية للقانون وان يعمل القضاء العسكري في كنف الشفافية بعيدا عن أية ضغوطات او تجاذبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.